[ العميد علي السعدي: الوحدة خلقت مهزوزة من يومها ]
العميد علي محمد السعدي قيادي بارز في الحراك الجنوبي، وأحد أبرز مؤسسيه، ومن مواليد 23 يونيو 1952م، محافظة أبين مديرية الوضيع، قرية ضاضة. درس الابتدائية في الوضيع والمتوسطة في عدن وأكمل الثانوية انتساب. اب لخمسة أولاد أحدهم الدكتور جياب علي السعدي الذي استشهد في تشييع الشهيد الدرويش في جولة كالتكس عام 2011م.
التحق بالشرطة عام 1967م، وأرسل عبر وزارة الداخلية إلى الكلية العسكرية في صلاح الدين محافظة عدن في 17 يوليو 1972م وتخرج منها في 22 يونيو 1974م برتبة ملازم ثان وتم التحاقه في القوات المسلحة وكان آخر منصب له حتى 1978م ركن ثالث عمليات لواء عباس، ثم تم تسريحه سياسيا في أحداث 26 يونيو 1978م.
وفي عام 1980 تم إعادته إلى وزارة الداخلية وأرسل إلى الاتحاد السوفياتي، وعاد من روسيا بعد أحداث يناير 1986م في أواخر عام 1987م. وفي 1 يناير 1988م عين مديرا لأمن جزيرة سقطرى وحتى قبل اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب تم استدعاؤه وتكليفه بقيادة إدارة الأمن العام في التواهي. وفي يوليو 1994 تم إقصاؤه سياسيا من العمل من قبل نظام علي عبد الله صالح وحتى اليوم وهو في البيت متقاعد قسريا براتب 85 ألف ريال يمني فقط.
كان السعدي ضمن عشرات الجنوبيين الذين لاحقهم صالح بعد حرب صيف 1994، أخذ مقيد اليدين والرجلين من منزله في عدن إلى صنعاء، ومكث سنة وشهرين متواصلة في السجن، منها سبعة أشهر في زنزانة انفرادية في بدروم الأمن السياسي بصنعاء وتمت محاكمته في محكمة أمن الدولة وحكم عليه بسنة وثلاثة أشهر، إضافة إلى سنة وشهرين، وذلك بتهمة المساس بالوحدة الوطنية، وخرج بموجب قرار إعفاء من قبل صالح.
نص الحوار
* الوحدة اليمنية وفي ذكراها التاسعة والعشرين يدور حولها جدل كبير بشأن مصيرها اليوم ومستقبلها، قل لنا أنت رأيك بهذا الشأن، الوحدة اليمنية إلى أين؟
** الوحدة اليمنية تمت كوحدة سياسية وليست وحدة مجتمعية وفشلت.
* لو عدنا معك قليلا إلى فترة تحقيق الوحدة والتوقيع عليها يقال إن النظامين في الشمال والجنوب كانا يمران بظروف معقدة وفي الجنوب تحديدا كان النظام ضعيفا بسبب حرب 1986، ولهذا النظامان هربا إلى الوحدة وتم التوقيع عليها بذلك الشكل الاندماجي أي أن صالح والبيض هما السبب؟ ما رأيك أنت؟
** نعم كان النظامان السياسيان يمران بأزمات متنوعة، اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية وخارجية، وكانت الوحدة العشوائية غير المدروسة تبعاتها هي المنقذ لهذه الأنظمة الهشة التي لم تبنِ نظامها بناء وطنيا، لكي يحتضن كل أبنائه، ولكن النظامين كانا مصدر تنفير ورعب لشعوبهم، وأدخلوا شعبهم في أزمات وحروب تحولت إلى أزمات داخلية في دولتيهما الديكتاتوريتان وكانت كل دولة مثقلة بالديون التي كانت تصرف في إذكاء الصراعات والانقلابات المتتالية.
والهروب إلى الوحدة كان أيضا أحد أسبابه هو انتهاء الحرب الباردة، وسقوط المنظومة الاشتراكية وكله على بعضه مع الأزمات التي خلفتها الصراعات ودورات الدم في كلا النظامين جعلت هذه الأنظمة في وضع يهدد بسقوطها.
ولأن قيادات الدولتين لم تكن في مستوى المسؤولية والنضوج الفكري والسياسي التي تحملتها لهذا عجزت عن إيجاد الحلول التي ستخرج أنظمتها من عنق الزجاجة، وإلا بإمكانهم أن ينفتحوا على مجتمعاتهم ويتصالحون مع من اختلفوا معهم ويفتحون التعددية السياسية والاستثمار، وبكل تأكيد لن يكونوا محتاجين لهذا الهروب الفاشل، ولكن العقلية الشمولية وحب السلطة أوصلونا بسببها جميعنا في اليمن وفي الجنوب إلى ما نحن فيه اليوم من وضع لا نحسد عليه.
* يقال إن الحزب الاشتراكي كان يحمل مشروع دولة اليمن الكبرى وصالح كان يحمل مشروعا عسكريا.. ماذا تقول أنت؟
** لا أعتقد أن لدى أي نظام من الأنظمة التي اندمجت في الوحدة أي مشروع غير مشروع التآمر على بعضهما، وكل يريد أن يخرج الأخر من السلطة وينفرد بها لأن لو لديهما مشاريع دولة لما وصلوا إلى وحدة أساسها الهروب والتآمر على بعضهما وكانا تعاملا مع المتغيرات السياسية الدولية بفطنة وذكاء سياسي وقيادي في بلدانهم وسلموا مجتمعاتهم من هوس الوحدة الفاشلة والصراعات المتوارثة.
* ما هي أبرز الاهتزازات التي تعرضت لها الوحدة؟
** الوحدة خلقت مهزوزة من يومها وما حصل لها من تبعات مؤلمة إلا نتاجا طبيعيا لاهتزازها الخلقي من يوم ولادتها.
* وثيقة العهد والاتفاق لماذا فشلت؟
** من الطبيعي ستفشل وفعلا فشلت لأن الوحدة نفسها لم تأت من أجل الوحدة والتآخي والوئام والعدل والمساواة وبناء دولة النظام والفانون ولكنها أتت تحت عنصر المؤامرة والاستحواذ والإقصاء لبعضهم. وما وثيقة العهد والاتفاق إلا مشروعا لكسب الوقت والاستعداد للحرب التي اندلعت في 1994م، وكان ضحية هذه الحرب الشعب الجنوبي وما لحق به من نهب وسلب ودمار وقتل وتشريد وسجون من قبل النظام اليمني المنتصر والذي اعتبر أن الجنوبيين أرضا وإنسانا ما هم إلا غنيمة حرب معمدة بفتوى الزنداني والديلمي وغيرهم.
* ما هي أبرز الأخطاء التي ارتكبتها قيادة الجنوب في هذه التجربة؟
** أكبر الأخطاء هو الدخول في الوحدة مع نظام يختلف من حيث تركيبته السياسية والاقتصادية والاجتماع عن نظام في الجنوب، ولا زلنا إلى اليوم نحن الجنوبيين ندفع أكبر وأغلى الثمن بسبب هذا الخطأ التاريخي وعفا الله عما سلف فنحن في الجنوب قد طوينا صفحات الماضي بمبدأ التصالح والتسامح الجنوبي وما يهمنا اليوم هو أن نجسد هذا المبدأ ونطبقه على الواقع الجنوبي ولا نعتبره مجرد شعار قابلا للإسقاط في أي لحظة.
* من يقود الجنوب اليوم في ظل هذه الحرب؟ وأين هم قادات الحراك السلمي؟ لماذا تركوا قيادة الجنوب لغيرهم؟
** لا زلنا نعيش في أزمة حرب لها ما يزيد عن أربع سنوات ونحن اليوم جميعنا في خندق واحد ندافع عن أرضنا ومسألة القيادة لا زلنا تحت قيادة الشرعية اليمنية وهي المسؤولة الأولى عن نجاح هذه الحرب أو فشلها، وبعد أن تتوقف هذه الحرب سيتم تحديد تقرير مصير شعبنا الجنوبي، فإن حسم أمره وخرج من وحدة أثبتت فشلها ودفعته أغلى الثمن فهو هذا الشعب نفسه من يختار قيادته بإذن الله تعالى.
* أين هو الحزب الاشتراكي في الجنوب؟ ومن هو المعني بالقضية الجنوبية؟ من هو صاحب القرار؟
** اعذرني عن الإجابة على الجزء الخاص بالاشتراكي في هذا السؤال، فالإجابة عليه تخص أعضاءه وأنا إنسان مستقل حتى اللحظة. أما المعني بالقضية الجنوبية فهو الحراك الجنوبي السلمي، والحراك هو حركة شعبية جنوبية شاملة يضم في صفوفه كل أطياف الشعب الجنوبي السياسية والثقافية والاجتماعية المستقلة.
* البعض يقول إن الانفصال هو مجرد ورقة تستخدم للضغط فقط بهدف الحصول على مكاسب سياسية في المستقبل وفي أي تسوية قادمة؟
** قد يقال هكذا من قبل من لم تمسهم نار الوحدة الظالمة أما من اكتوى بنارها فخياره وهدفه هو تحرير واستقلال الجنوب وإقامة دولته الاتحادية الحديثة ولا رجعة عنه.
* هناك من يطرح بالقول إن القرار ليس بيد الجنوبيين ولا الشماليين بل بيد قوى إقليمية ودولية هي من تتحكم بالمشهد، كيف ترى أنت؟
** نعم اليوم وبعد تدخل قوى دولية وإقليمية في المشهد الحالي أشعر بأن الأمور تزداد تعقيد لأن هذه التدخلات لم تأت محبة لنا ولكن ما مصلي إلا وطالب مغفرة، ونخشى من تقاطع المصالح لهذه الدول وينعكس سلبا علينا وربنا يستر بإذنه تعالى.
*رسالتك الأخيرة ولمن؟
** رسالتي لأبناء الجنوب أن يقرؤوا الواقع السياسي اليوم قراءة جيدة وأن يدركوا أن لا حرية ولا استقلال دون أن تتسع صدورنا جميعا لبعضنا وأن نبتعد عن لغة التخوين والشطحات التي لا تزيدنا إلا ضررا ومخاطر. وللأشقاء في اليمن أن يتفقوا بكل أطيافهم السياسية ويقبلوا بعضهم في قالب سياسي تعددي ديمقراطي ويبتعدوا عن الولاءات الشيطانية المذهبية والدولية.