لماذا تحركات عيدروس الزُّبيدي الإماراتية خطيرة!!
الاربعاء, 22 يناير, 2025 - 09:03 مساءً

هذا تحذير أوجهه إلى كل اليمنيين، وتذكير مستحق على وجه الخصوص للنخب الرسمية في السلطة الشرعية، بكل مستوياتها ومسؤولياتها وتأثيرها، وإلى النخب السياسية التي تتعاطى مع الشأن العام عبر المنصات الحزبية ومنابر الرأي ومن خلال المركز الاجتماعي، منبهاً إلى خطورة التحركات التي يقوم بها عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي، على اليمن وعلى الجنوب وعلى شخصه ومكانته ودوره التي منحها إياه القدر في هذا الفصل الحاسم من تاريخ بلدنا.
 
لست معنياً بالمواجهة الشخصية أو التقليل من شأن شخص عيدروس الزُبيدي، ولا حتى ضد "الانفصال" كفكرة سياسية، قابلة للنقاش ضمن الأطر الرسمية والتقاليد التي تراعي إرادة الشعب اليمني ومؤسساته، وليس هناك من دليل واضح على أن المشروع الانفصالي الذي يتبناه عيدروس الزُّبيدي ومجلسه الانتقالي، يعكس حالة إجماع جنوبي، بل على العكس من ذلك، يفتقد كل يوم للأساس الكافي من المشروعية، ويتكئ على بُنى هشة وعلى قدر لا بأس به من الفوضى والاحتشاد "دون النخبوي" خلف المزايا والوعود التي يلوح بها المخططون لهذا المشروع وداعميه الإقليميون.
 
سبق لي أن تحدثت عن مشاركة عيدروس الزُبيدي غير المجدولة وغير المتسقة مع مصالح الدولة اليمنية، في منتدى دافوس، فقد ذهب وفي حقيبته أزمة جديدة في عالم يكاد يتنفس الصعداء في ظل الحروب المشتعلة والصراعات التي تشهدها أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية الاستراتيجية. واليوم أنا معني بالتركيز أكثر على خطورة تحركات عيدروس الزُّبيدي الكاريكاتورية واللقاءات المفروضة عليه، حيث يرأس وفد للمشاركة في منتدى نخبوي يقوم على مبدأ المشاركة الشخصية، ويعيد إنتاج مفردات الصراع العربي الصهيوني، ويسقطها على أزمة داخلية يمنية ليس فيها غالب ولا مغلوب ولا تنطوي على أي شكل من أشكال الصراع الوجودي، عندما يتحدث مثلاً عن "حل الدولتين".
 
استراتيجية الخديعة:
 
ثمة أبعاد خطيرة للغاية لتحركات لابن محافظة الضالع عيدروس لزُبيدي الذي يتحدث بلهجة الغالبية العظمى من سكان مديريات إب الشرقية، ومديرية الحشا الشرقية من محافظة تعز، والتي تم ضمها إلى محافظة الضالع بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وللمفارقة لا يبدو الزُّبيدي متحمساً لضم هذه المناطق الثمينة بغناها الزراعي والبشري.
 
إن واحدة من أهم وأخطر ما تعبر عنه تحركات الزُّبيدي، هو أن الإمارات التي تدعم هذه التحركات ماضيةٌ بجدية كاملة في إنفاذ اجندة تفكيك اليمن، بدءً بفصل الجنوب عن الشمال والذي سيؤدي حتماً إلى فصل الشرق عن الجنوب، وصولاً إلى استقطاع أرخبيل سقطرى الذي يمثل الجزء الثمين من صفقة تكفيك اليمن.
 
إننا بإزاء استراتيجية للخداع الجميع سيكون ضحاياها بمن فيهم عيدروس الزُّبيدي ومجلسه الانتقالي، ومعهما كل المكونات والأطياف اليمنية.
 
هناك هندسة واضحة لتحركات الزُّبيدي ليس من أولوياتها المشاركة في منتدى دافوس في المقام الأول، بل استثمار هذا المحفل العالمي لمنح قضية عبثية بامتياز، نوعاً من القابلية للنقاش، وهذا الأمر لا يسمح به ميثاق الأمم المتحدة ولا القانون الدولي ولا مقتضيات السلام والامن والدوليين. ومع ذلك هناك من هو جاهز ليمنحها هذه القابلية، ضمن طابورٌ من المرتزقة الأجانب من مؤسسات إعلامية ومراكز أبحاث غربية وسياسيين سابقين، ومقربين من دوائر صنع القرار، الذين اعتادوا على قضاء أوقات مفعمة بالمتعة على نفقة الإمارات، وتلقوا ما يكفي من المال للتفاعل مع الأجندات الإقليمية للإمارات.
 
 وربما ستكون مهمتهم سهلة فيما يتعلق بالتسويق لما يسمى "حل الدولتين" وإعادة تصدير المشهد اليمني، بصورة مختلفة تماماً، بحيث يتم إهمال جوهر المشكلة المتمثل في الانقلاب على السلطة الشرعية من قبل جماعة الحوثي المدعومة من إيران وتحويل الأنظار إلى قضية تحديد مصير شكل الدولة اليمنية وتفكيكها.
 
سيجري الحديث عن أن ذلك سيصب في حل المشكلة الناجمة عن الوحدة التي استثمر الأشقاء في تغذيتها أموالاً ضخمة وأنتجوا جيوشاً محلية معظمها من السلفيين، وصمموا اتفاقاً عدائياً اسموه "اتفاق الرياض" الذي كان الخطوة الأكثر إيذاء لوحدة الدولة اليمنية، لأنه فرض المشروع الانفصالي وشرعن له، وافتقد رعاته إلى أدنى مستويات الاهتمام بتنفيذ البنود العسكرية والأمنية منه، والتي كان يُفترض أن تمثل ثمناً بخساً للتنازلات التي قدمتها رئاسة الدولة اليمنية في عهد عبد ربه منصور هادي بموجب هذا الاتفاق.
 
استثمار عوائد انهيار الحلف الإيراني:
عبر ثلاث وسائل إعلام رئيسية قدمت الدعم لمشاركة الزبيدي في منتدى دافوس، وهي بالإضافة إلى وكالة رويترز، قناة سكاي نيوز الممولة من حكومة أبوظبي، وصحيفة الجارديان البريطانية، قدم عضو مجلس القيادة الرئاسي خطابين: الأول يدور حول ما أسماه "حل الدولتين"، أما الثاني فجاء في شكل إشارات واضحة لإمكانية شراكة المجلس الانتقالي في دعم المعركة ضد الحوثي، تأسيساً على الاشتباك العسكري مع كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
 
تحركات الزُّبيدي المدعومة من الإمارات، تبدو واضحة فيما يتعلق بالتصميم على إعادة توجيه العوائد الجيوسياسية الثمينة التي يتيحها ضعف المحور الإيراني، في الساحة اليمنية، لصالح المشروع الانفصالي، عوضاً عن استثمار هذه الفرصة لإنهاء انقلاب الحوثيين واستعادة الدولة. إن جوهر ما يعرضه الزُّبيدي هو إعادة الحوثيين إلى مواقعهم ليس أكثر، وفي مقابله يمكن له أن يضمن وعوداً أمريكية (تصريح من الرئيس ترامب مثلاً) يسمح بالمضي قدماً في خطة الانفصال.
 
ولعلكم تتذكرون مبلغ الـ20 مليار دولار الذي أعلن المليار دير الإماراتي حسين سجواني أنه خصصه لخطة الاستثمار في قطاع البيانات الأمريكية في إطار شراكة مباشرة مع الرئيس دونالد ترامب. صفقة من بين صفقات أثبت ترامب أن بإمكانه أن يقابلها بسخاء كما فعل عندما اعترف بضم هضبة الجولان السورية المحتلة للكيان الصهيوني.
 
وفي مقام التهديد الذي تتورط فيه دولة شقيقة للأسف لديها الكثير من المال لتنفقه، تبرز الحاجة إلى موقف وطني متحرر من قبل كافة المكونات والشخصيات، وإلى الحضور الملزم للمسؤولية الدستورية لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، ولأعضاء المجلس المؤمنون بالدولة اليمنية، سلطان العرادة، وعثمان مجلي، وطارق صالح، من أجل أيقاف هذا العبث، لأن صمتهم سيعني أنهم متورطون في استراتيجية الخديعة التي يتعرض لها الجميع، بمن فيهم السعودية نفسها، التي من المؤكد أن علاقتها مع شريكتها الرئيسة في التحالف العربي ليست جيدة، مما يستدعي بإعادة النظر في الأخطاء التي اُرتكبت طيلة السنوات الماضية ودفع اليمنيون ثمنها باهضاً ولا يزالوان.

التعليقات