[ محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ]
سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الضوء على تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي قال إنه يسعى لإقامة علاقة جيدة مع إيران، في تصريحات تكشف عن تحول وتراجع في الموقف 180 درجة.
وعزت المجلة في تقرير لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" تحول موقف ولي العهد السعودي إلى عدة أسباب.
وقال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للتلفزيون السعودي الأسبوع الماضي: "نسعى لإقامة علاقات جيدة مع إيران. نحن نعمل مع شركائنا في المنطقة للتغلب على خلافاتنا مع إيران".
وبحسب المجلة فإنه، قبل أربع سنوات فقط غنى الملك الذي وصفته بـ"سيئ السمعة" لحنًا مختلفًا، زاعمًا أن الحوار مع إيران مستحيل حيث قال: "كيف يكون لديك حوار مع نظام مبني على أيديولوجية متطرفة؟"، وقال متعهدا إن السعودية ستنقل المعركة إلى الأراضي الإيرانية.
وتساءلت المجلة الأمريكية بالقول: ما الذي تغير لجعل هذا التحول 180 درجة ممكنًا؟
وأشارت إلى أن هناك عاملا واحدا يلوح في الأفق أكثر من جميع العوامل الأخرى وهو تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدًا عن الشرق الأوسط.
وقالت فورين بوليسي: "لم يكن الأمر يتعلق بأي شيء فعلته واشنطن، بل ما أوقفته واشنطن وتحديداً طمأنة شركائها الأمنيين في المنطقة بأنها ستستمر في دعمهم دون قيد أو شرط، بغض النظر عن السلوك الطائش الذي ينخرطون فيه".
وذكرت أن المشاجرات والحيل الشائكة لشركائها في الشرق الأوسط أجبرت قوى المنطقة على استكشاف دبلوماسيتها الخاصة. على عكس توقعات السياسة الخارجية لواشنطن، لم تنفجر الفوضى بسبب الانسحابات العسكرية الوشيكة للولايات المتحدة من المنطقة. بدلا من ذلك، انطلقت الدبلوماسية الإقليمية.
تقول المجلة إن تعليقات محمد بن سلمان المهدئة كانت على الأرجح إشارة إلى محادثات سرية بين إيران وجيرانها العرب في العراق والتي أوردتها لأول مرة صحيفة فايننشال تايمز، والتي كانت تهدف إلى تخفيف التوترات وإنهاء الحرب في اليمن. رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي لديه مصلحة واضحة في حل التوترات السعودية الإيرانية، يعمل على تسهيل المناقشات العربية الإيرانية، حيث إن العداء والوكيل الذي يقاتل بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة يهدد بمزيد من الزعزعة لاستقرار العراق.
وأشارت إلى أنه في البداية، نفى مسؤولون سعوديون الخبر، فيما رفضت طهران التعليق إلا بالقول إنها ترحب بالحوار مع الرياض.
لكن هذا الإنكار لم يثبت عدم صحة هذا الأمر، حيث تبين فيما بعد أن قصة الفايننشال تايمز ليست سوى غيض من فيض. وكشف موقع "Amwaj.media" الإخباري ومقره بريطانيا أن الحوار لم يقتصر على إيران والسعودية، بل عُقد الاجتماع الأول بين إيران والإمارات في يناير، تلته اجتماعات ضمت مسؤولين سعوديين وأردنيين ومصريين. وعقدت خمسة اجتماعات من هذا النوع على الأقل منذ بداية العام، بحسب موقع أمواج.
ولفتت إلى أن المحادثات السرية ركزت بشكل أساسي على الحرب في اليمن، فقد شملت أيضًا الوضع في سوريا ولبنان. وشملت المحادثات كبار المسؤولين الأمنيين في دول مختلفة بما في ذلك لقاء بين قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني ورئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان.
ووفقا للتقرير فمن الواضح أن هذه المحادثات لا تزال في بدايتها، وهناك احتمال واضح بأنها قد تفشل في سد الفجوة بين إيران وخصومها العرب، ومع ذلك، تشير العديد من العوامل إلى قدرة هذه المحادثات على تغيير ليس فقط مسار العلاقات السعودية الإيرانية ولكن أيضًا الوضع الأمني الأوسع في المنطقة.
يضيف التقرير: "بناءً على تقرير أمواج، تشير حقيقة أن المحادثات تضم العديد من القوى الإقليمية الأخرى إلى جانب المملكة العربية السعودية وإيران إلى أنها تشبه الحوار الإقليمي الذي تشتد الحاجة إليه وليس مجرد مفاوضات ثنائية لنزع فتيل التوترات".
وذكرت المجلة الأمريكية أن الشرق الأوسط يفتقر إلى المؤسسات، بمعنى أنه يفتقر إلى أي نوع من التنظيم الإقليمي الشامل أو المنتدى الذي يغذي ويهيكل حوارًا متعدد الأطراف بغرض الحد من التوترات وخلق خيارات لخفض التصعيد وإدارة انعدام الثقة.
أما السبب الثاني للتفاؤل هو أن هذا الحوار الإقليمي الجنيني يبدو أنه بدأ من قبل القوى الإقليمية نفسها ويتم قيادته من خلالها، أي أنها لم تُفرض عليهم من قبل قوى كبرى من خارج المنطقة ولا تقودها دول خارجية. لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لم تساهم في هذه العملية. إن ذلك أمر مؤكد ولكن ليس بدور القيادة، وفقا للمجلة.
ولفتت فورين بوليسي إلى أن العامل الوحيد الذي أجبر الجهات الفاعلة في المنطقة على متابعة الدبلوماسية ليس إعادة التزام الولايات المتحدة بدعم الرياض في مواجهة طهران أو أي مبادرة دبلوماسية جديدة للمنطقة. وبدلاً من ذلك، فإن العكس هو الذي حفز المحادثات وهو إشارات واضحة على نحو متزايد على أن الولايات المتحدة ستنفصل عسكريًا عن الشرق الأوسط.
وقالت إنه "لطالما كان لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن وجهة نظر متشككة بشأن الوجود العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فضلاً عن العلاقات الأمريكية مع الشركاء في المنطقة الذين يميلون إلى جر واشنطن إلى خلافاتهم وأجنداتهم. اشتهر بتوبيخ تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في حديث في جامعة هارفارد عام 2014. "الأتراك والسعوديون والإماراتيون.. إلخ. ماذا كانوا يفعلون؟ لقد كانوا مصممين للغاية على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ولديهم بشكل أساسي حرب بالوكالة بين السنة والشيعة. لقد ضخوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة لكل من يقاتل ضد الأسد".
وأردفت: "خلال الحملة الرئاسية لعام 2020، تعهد بايدن بسحب "الغالبية العظمى" من القوات الأمريكية من أفغانستان وقطع المساعدات عن المملكة العربية السعودية لحربها في اليمن وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهي قرارات تتناسب تمامًا مع أجندة تقليص دور الولايات المتحدة في المنطقة".
وأتبعت: "في الواقع، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، تحرك بايدن سريعًا لإنهاء الدعم الأمريكي للجانب السعودي في حرب اليمن وأبقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعيدًا وأعلن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من أفغانستان وبعد بداية صعبة أصبحت إدارته جادة بشأن العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني".
واستدركت المجلة: "كانت الرسالة الموجهة إلى القوى الإقليمية واضحة: الشرق الأوسط ليس سوى أولوية لإدارة بايدن من أجل إيجاد طرق لتقليل التشابكات الأمريكية هناك. وكما قال مستشار بايدن غير الرسمي: إنهم يعملون بشكل هادف للغاية لعدم الانجرار إلى الشرق الأوسط".
واستطردت أن محور بايدن المنشود بعيدًا عن الشرق الأوسط يعني أن خيار الولايات المتحدة هذا أصبح غير موثوق به. فجأة، أصبحت الدبلوماسية الإقليمية الخيار المفضل لشركاء واشنطن الأمنيين في الشرق الأوسط.
ووفقا للتقرير، فإن الدرس المستفاد لواشنطن واضح وهو إذا تراجعت الولايات المتحدة عسكرياً، فسيُطلب من الشركاء الإقليميين اتخاذ خطوة دبلوماسية إلى الأمام.
* يمكن الرجوع للمادة الأصل : هنا
* ترجمة خاصة بالموقع بوست