[ ظلت مواقف الحزب الاشتراكي غامضة بالنسبة للتطورات في اليمن ]
لم يكن موقف الحزب الاشتراكي اليمني الأخير، الذي أيد بقاء دولة الإمارات في اليمن، صادما بذاك القدر الكبير، لكنه كشف العديد من الحقائق المتصلة بعمل الحزب، وحقيقة السياسة التي يتحرك بها منذ ما بعد تحرير عدن، ومنذ سيطرة أبو ظبي على الموانئ والمطارات والمنافذ البحرية، إضافة إلى كثير من المواقف المعلنة رسميا وغير المعلنة للحزب، بما في ذلك صمته الرهيب، إزاء جملة من القضايا والتطورات التي كانت تطفو على السطح ما بين فترة وأخرى، وربما أنه كان يفضل الصمت والسكوت، ما جعل كثيرين يلاحظون، التحول الغريب في سياسة الحزب الذي كان يعول الكثير على وطنيته واستمراره إلى جانب حلفائه السياسيين، صامدا في مواجهة أي تآمر على المشروع الوطني ومشروع الدولة.
على مستوى جنوب البلاد، أخذت التطورات السياسية والعسكرية، تتجه نحو مسار جديد، لا ينتصر للدولة وقيامها ويعزز من وجودها، ليتضح الأمر حينها بأن الجنوب الذي جرى تحريره من مليشيا الحوثي، لم يتم تحريره من الانقلاب، كي يتم تسليمه إلى السلطة الشرعية، وإلى دولة، بل ليتم تسليمه لأبو ظبي، التي رتبت وجهزت ومولت كيفية مواجهة ومحاربة وجود الدولة وعودة الرئيس هادي وحكومته إلى تلك المناطق المحررة، عبر وكلاء لها برزوا في بداية الأمر على شكل مليشيات ولا زالوا كذلك ربما وإن كانوا قد أعلنوا عن أنفسهم على هيئة مجالس انتقالية أو هيئات أو ما شابه.
مرت الأيام وانكشفت خطة الإمارات بشكل واضح، ومع ذلك لم يحرك الحزب الاشتراكي اليمني، ساكنا، وظل يتعامل مع الأمور بصمت، وكأنه مبارك لاحتلال الأرض، وهو ما تأكد اليوم وبشكل رسمي، خصوصا بعد بيانه الأخير الذي بارك وأيد بقاء الإمارات ورفض أي مطالبة لمغادرتها للمناطق الجنوبية وللجزر والموانئ والمنافذ، والتي صارت تحت قبضة أبو ظبي، وتطالب السلطة الشرعية بتسليم ذلك إلى الحكومة الشرعية، وتسليم جزيرة سقطرى، وتحظى هذه التحركات الحكومية بتأييد دولي ومواقف قوية كان آخرها موقف الخارجية الأمريكية الذي طالب أبو ظبي باحترام سيادة اليمن، وأكد موقف الشرعية بشأن موضوع سقطرى. وإلى جانب الولايات المتحدة، كانت تركيا وبريطانيا وجهتا رسائل لأبو ظبي بشأن احتلالها لجزيرة سقطرى.
عباءة الثورة المضادة
كل ذلك يضع الحزب الاشتراكي اليمني، أمام علامات تعجب كثيرة، بل إن تأييده لبقاء الإمارات وضعه أمام سخرية شعبية كبيرة، شعبيا وسياسيا، وذهب اليمنيون نحو الهجوم على الحزب.
وبحسب مراقبين سياسيين استطلع الموقع بوست آراءهم يحاول ما تبقى من الحزب الاشتراكي التستر خلف المجلس الانتقالي الإماراتي توهما أن له جزءا فيه، كما يحاول الناصري التمترس خلف جماعة أبو العباس بتعز باعتباره أداة الإمارات لضرب الخصوم السياسيين له.
والمهم في المحصلة، بحسب المراقبين السياسيين، التقاء الاشتراكي والناصري ومؤتمر صالح عند نقطة الولاء لأبو ظبي، وتوجهاتها الوظيفية في المنطقة ودخول الجميع تحت عباءة الثورة المضادة للانتقال الديمقراطي في المنطقة.
وطبقا لأولئك المراقبين فإن الموضوع واضح منذ البداية؛ وموضوع سقطرى فقط كشف آخر أوراق التوت عن الجميع، ولم يساعد سياسة وضع القدم على الضفتين، كالسياسة المتخذة من هذه الأطراف منذ سقوط عمران وحتى اللحظة.
في المحصلة لا ينفي هذا وجود قيادات وطنية نبيلة في هذه الأطراف لكنها محكومة بالتوجه الرسمي لهذه الأحزاب التي تعيش حالة فقدان البوصلة على كل المستويات.
موقف نفعي
وبشأن مواقف الحزب الاشتراكي اليمني، يقول الدكتور نبيل الشرجبي، مدير إدارة الأزمات الدولية، لـ "الموقع بوست": "لا يمكن النظر إلى موقف الحزب الاشتراكي من أزمة جزيرة سقطرى بانفصال عن كافة المواقف الأخرى التى ارتبط بها الحزب مع السلطة بمعنى ما اتخذه الحزب الاشتراكي من موقف كان بسبب الكثير من مواقف الدولة تجاه العديد من القضايا والمسائل التي كان للحزب رأي يخالف فيها الدولة، وقد انطلق الحزب الاشتراكي في موقفة من جزيرة سقطرى انطلاقا مما يسمى في علم السياسية التفسير البنيوي النسقي لعلاقته بالنظام الحاكم والذي يرتكز على محددات".
وهذه المحددات بحسب الشرجبي تتمثل بأن "النظام السياسي اليمني يمر بحالة فوضى وغياب الوحدة داخلة وغياب آليات الضبط التى تجعل كل الأطراف تتفق على مصلحة عليا واحدة، بل توجد عدة مصالح خاصة لكل طرف أو لكل مكون من مكونات النظام، وهذا أمر جعله يضع مصلحته الخاصة قبل المصلحة العامة".
ويضيف الشرجبي: "يعتقد كل طرف أنه يسعى لتحقيق مصالحة على حساب الأطراف الأخرى، وأن السلطة لم تراعِ مصالحه في أحيان كثيرة ومن ثم يعتقد أنه لاتخاذه موقف يجافي الإجماع المشترك للنظام هو أفضل وسيلة ضغط على النظام لمراعاة أو تبني مطالبه، وهذا يجعلنا نقول إن موقف الحزب الاشتراكي انطلق من موقف نفعي صرف متمثل في ضعف وتشتت النظام السياسي والذي لن يكون قادرا على معاقبته على موقف، وكذا الاعتراض على نمط إدارة الحكم خلال هذه المرحلة وتغييب دوره أو رأيه في الكثير من المواضيع".
الحزب الاشتراكي بثلاثة رؤوس
من جهته يقول الكاتب والصحفي صلاح السقلدي، في تعليقه على مواقف الحزب الاشتراكي اليمني: "الحزب الاشتراكي الذي صار هو الآخر بثلاثة أطراف: اشتراكي صنعاء بقيادة السقاف، واشتراكي الجنوب بقيادة منصر، واشتراكي الشرعية بقيادة دكتور ياسين في الخارج، هذا الأخير وبرغم انضوائه تحت مظلة الشرعية إلا أنه أصدر بيانا بشأن التطورات الأخيرة في سقطرى، ومسك العصا فيه من وسطها اتقاء غضب الإمارات، ورافضاً لفكرة الانسحاب من التحالف".
وبحسب السقلدي ففي الوقت الذي أشاد فيه الحزب بالتحالف فقد أعلن تذمره من سياسة هذا التحالف الذي يرى في شركائه" الشرعية" مجرد تابعين طيعين ينفذون أوامره، قائلا: "تمثيل المصالح الوطنية أمام دول التحالف العربي على أساس الشراكة
والندية والاحترام المتبادل، والتخلص من الوعي البدائي الذي يزين لمعتنقيه أن اشتراكهم في الحرب منة اختيارية تمنحهم الأفضلية على شركائهم وتنحدر بالأخيرين إلى أتباع طيعين يتلقون ولا يقررون"، وفق ما ورد في البيان.
الغياب عن القضية اليمنية
وبالعودة إلى مواقف الحزب الاشتراكي اليمني، ربما تبرز في إطار الجنوب، خصوصا بعد أن صار ضميرا مستترا، فالحزب الذي يرفع شعار الدولة وحمل القضية الجنوبية منذ سنوات طويلة، فجأة ظهر كما لو أنه سلم السنارة لصياد آخر، وفي حين ظل صامتا بمواقفه بشأن المجلس الانتقالي الذي تقف الإمارات خلفه، ظل يؤيده تدريجيا خلال الفترات القليلة الماضية.
يقول المحلل السياسي، وضاح الجليل لـ "الموقع بوست": "الحزب الاشتراكي غائب عن كامل القضية اليمنية، وليس فقط عن القضية الجنوبية، هذا الأمر هو نتاج مجموعة عوامل، منها الاختلال الوظيفي لهيئات الحزب ومؤسساته من ناحية، وعدم وضوح رؤيته السياسية والمنهجية تجاه مختلف القضايا، وعدم وضوح مواقف القوى السياسية الأخرى، سواء التي كانت حليفة له أو خصومه المباشرين وغير المباشرين، وانقطاع التواصل والتفاهم بين القيادة والقواعد.
ويضيف: "غير أن الحزب الاشتراكي أضاع البوصلة تجاه القضية الجنوبية منذ ما بعد حرب صيف 1994 التي كان الاشتراكي والجنوب أول ضحاياها، ولم يستطع الحزب استعادة عافيته إلا بعد سنوات من هذه الحرب، لكن ظل يتجاهل خصوصية القضية الجنوبية حتى تحولت هذه القضية إلى حراك شعبي مطلبي وسياسي، وبدلا من أن يكون الحزب حاملا لهذه القضية؛ تعامل معها بمنطق حقوقي بحت، وأوكل إلى منظمة حقوقية موالية له التعامل مع ما يجري في الجنوب باعتباره قضايا حرية رأي وتعبير، وأحالها إلى ملفات للابتزاز، وهذا الأمر ساهم في ترهل الحراك الجنوبي وتحوله إلى حراك مناطقي، والسبب تخلي الأحزاب السياسية، وأولها الحزب الاشتراكي، عنه.
وبحسب الجليل، كان الأجدر بالحزب الاشتراكي تصدر المشهد بشأن القضية الجنوبية، ودفع شركائه إلى تبني مطالب الحراك الجنوبي ضمن مشروع وطني متكامل، وعدم السماح بتجزئة القضية اليمنية إلى مجموعة قضايا مناطقية تتسابق قوى لا وطنية على تمثيلها، الأمر الذي استفاد منه النظام السياسي الحاكم، والذي عند اندلاع ثورة فبراير عمل على تفتيت جبهة الثورة من خلال استغلال الأزمات التي صنعها خلال فترة حكمه، ومنها القضية الجنوبية؛ وبدلا أن تشكل هذه القضايا جبهة واحدة في مواجهته؛ تحولت بعضها إلى ثورة مضادة.
التعاطي مع المشهد بسلبية
تسارعت التغيرات في المشهد اليمني، وبدخول البلد في الحرب الحالية؛ كان الحزب الاشتراكي ما يزال غير قادر على استيعاب المتغيرات، وفي حين كان أعضاؤه وأنصاره يحددون مواقفهم من الحرب، وانضم الكثير منهم إلى المقاومة الشعبية ضد تحالف الحوثي وصالح في مختلف الجبهات؛ وفي نفس الوقت الذي أعلنت مجموعة من قياداته موالاة جماعة الحوثي؛ ظلت قيادة الحزب تتعاطى مع المشهد بسلبية، والتزمت الحياد غير المبرر.
ومن الطبيعي أن الحروب تنتج قوى لا وطنية، وتعمل على تصعيد الأيديولوجيات العصبوية، وهذا ما حدث جنوباً، حيث وبحسب وضاح الجليل، "تحول الحراك الجنوبي إلى قوة جهوية تمتلك السلاح ولديها سلطة أمر واقع على الأرض، وتمارس مهام خارج إطار الدولة، وضد شرعيتها، وبدلاً من أن يتخذ الحزب موقفاً وطنيا تجاهها، عمدت قيادته إلى التماهي معها في مواقف معلنة؛ لكنها لم تكن صريحة كفاية، إلا أنها توحي برضا هذه القيادة عن التحولات في الجنوب، واستعدادها للتحالف مع قوة وسلطة الأمر الواقع الجديدة هناك بلا وطنيتها، وممارساتها المناهضة للشرعية، وانتهاكاتها للحقوق والحريات، وتخريب الأجواء، وموالاة جهات خارجية بما يدفع باتجاه ملشنة الأوضاع، وعدم تمكين العملية السياسية من التطور".
وطبقا لهذا المحلل: "خلال ربع قرن منذ حرب صيف 1994 تغير نهج الحزب تجاه الجنوب من النقيض إلى النقيض، في البداية رفض إيلاء القضية الجنوبية اهتماماً خاصا بحجة أنه يتعاطى مع القضية اليمنية بمجملها، وانتهى الأمر إلى تعاطيه مع القوى ما قبل الوطنية التي تزعم تبني تلك القضية".