[ شهدت سقطرى مظاهرات احتجاجية ردا على الصلف الإماراتي ]
تصاعدت حدة الخلاف، بين اليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة العضو في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والذي يقود حربا على الانقلابيين الحوثيين منذ ثلاث سنوات، وطفى الخلاف إلى السطح بشكل علني عقب بيان لمجلس الوزراء اليمني، بشأن أحداث محافظة سقطرى، التي شهدت تصعيدا إمارتيا غير مسبوق تمثل في الاستيلاء عسكريا على مطار وميناء سقطرى الدولي، وطرد الجنود والموظفين اليمنيين منهما.
فلأول مرة تتحدث الحكومة اليمنية عبر بيان لها وزع على وسائل الإعلام، عن خلاف حقيقي بين الشرعية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وأوضحت فيه أن جوهر الخلاف يعود لمن له الأحقية بالسيادة.
وتلى بيان الحكومة بيانا لوزارة الخارجية الإماراتية ردت فيه على بيان الحكومة اليمنية، واعترفت فيه بشكل صريح بتواجدها العسكري في جزيرة سقطرى، ودحض ادعاءات وسائل إعلام موالية لها في جنوب اليمن، زعمت أن الإنزال كان لجنود النخبة السقطرية، وهو أمر كان قد نفاه مدير أمن محافظة سقطرى العميد أحمد علي في تصريح خاص للموقع بوست أوضح فيه أن ما يقارب من ثمانين جنديا إمارتيا تم إنزالهم عبر طائرات وقاموا بالاستيلاء على مطار وميناء سقطرى الدوليين وطردوا الجنود والموظفين منه بشكل كامل .
أسباب الخلاف
لم يكن الخلاف بين الحكومة الشرعية ودولة الإمارات وليد اللحظة، ولم تكن أحداث محافظة سقطرى سوى القشة التي قصمت ظهر البعير.
فقد تبدت أسباب الخلاف منذ سنوات، ومنذ انحراف دولة الإمارات عن أهداف التحالف الغربي المتمثلة في دعم الشرعية، وسعيها لتقويض الشرعية وإضعافها، عبر إنشاء كيانات عسكرية وسياسية موازية للسلطات الشرعية.
حتى أصبحت بما تلقته من دعم غير محدود من قبل الإمارات هي السلطة الحقيقية في الواقع، فيما أصبحت السلطات الشرعية المحلية مجرد ديكور، لا تملك قراراتها في معظم الأحيان.
وقد بدا الأمر بشكل أكثر وضوحا في محاولة الانقلاب الفاشلة على الحكومة في عدن، والتي قادها المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي يعد أداة الإمارات في المحافظات الجنوبية المحررة، بدعم أمارتي واضح، بحسب ما صرح رئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر حينها.
مد نفوذ وسيطرة
بات واضحا أن أهم أسباب الخلاف هو سعي دولة الإمارات نحو تحقيق أهدافها، وهي أهداف تتعارض مع أهداف التحالف العربي، إذ تسعى أبو ظبي لبسط سيطرتها ومد نفوذها، بشكل فاضح يرقى إلى ما يصفه بعض الناشطين اليمنيين بالاحتلال.
علاوة على دعم كيانات انفصالية تسعى لتقسيم اليمن، ومدها بالسلاح والمال، وإنشاء أجنحة عسكرية لها، فقد تعدى الأمر حدود ذلك في محافظة سقطرى، إذ بسطت دولة الإمارات سيطرتها على ميناء ومطار سقطرى، مع وجود الحكومة في المحافظة، وبجنود إماراتيين بشكل مكشوف، وليس عبر وكلائها وأدواتها المحلية كما حدث في المحافظات الأخرى.
الأحقية بالسيادة
من جانبها بينت الحكومة الشرعية اليمنية أسباب الخلاف مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وقالت الحكومة في بيان لها إن جوهر الخلاف بينها وبين الإمارات حول السيادة الوطنية ومن يحق له ممارستها، إضافة إلى غياب التنسيق المشترك الذي كما قالت الحكومة إنه بدأ مفقودا في الفترة الأخيرة.
وبدا من خلال بيان الحكومة وتوصيفها لأسباب الخلاف أن الخلاف قد بلغ مرحلة كبيرة، فقد بات يتعلق بقضية السيادة الوطنية، بما يشير إلى أن الخلاف أصبح بالغ الخطورة.
وقالت الحكومة إن استمرار الخلاف وامتداده إلى كل المحافظات المحررة وصولا إلى سقطرى ضرره واضح لكل ذي بصيرة، ولم يعد بالإمكان إخفاؤه.
وأضافت في توضيحها لتداعيات استمرار الخلاف مع الإمارات في بيانها أن آثار الخلاف قد امتدت إلى كل المؤسسات العسكرية والمدنية، وانتقل أثره سلبيا على الشارع اليمني.
الإمارات ترد
بيان الحكومة اليمنية الذي حرك المياة الراكدة أخرج دولة الإمارات عن صمتها، وأصدرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية بيانا ردت فيه على بيان الحكومة اليمنية.
وعبرت الإمارات عن استغرابها من البيان، والتصعيد الذي تناول دولة الإمارات ودورها بشكل يخالف الواقع والمنطق، ولا ينصف الجهود الكبيرة التي تبذلها ضمن التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية لدعم اليمن واستقراره وأمنه.
واستهجنت خارجية الإمارات إقحام موضوع السيادة الذي لا يمت للواقع الحالي بصلة، وكالعادة حملت الإمارات جماعة الإخوان المسلمين شماعة التصعيد وقالت إن الإخوان ومن يقف وراءهم في هذه الحملات المغرضة التي تستهدف الإمارات.
وأضافت الوزارة أن هذه الحملات المغرضة، والتي يقودها الإخوان المسلمون، وفيما يتعلق بجزيرة سقطرى تأتي ضمن مسلسل طويل ومتكرر لتشويه دور الإمارات ومساهمتها الفاعلة ضمن جهود التحالف العربي الهادفة إلى التصدي للانقلاب الحوثي على الشرعية.
وفي بيانها اعترفت دولة الإمارات بصحة ما أوردته الحكومة من تحرك عسكري في سقطرى، وقالت خارجية الإمارات في بيانها إنها تقوم بدور متواز في جزيرة سقطرى اليمنية للحفاظ على الأمن والاستقرار ودعم المشاريع التنموية، ومساعدة أهالي الجزيرة.
وبشكل واضح أوضح البيان أن الوجود العسكري الإماراتي في سقطرى يأتي ضمن مساعي التحالف العربي لدعم الشرعية في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ اليمن.
تداعيات
بقدر ما أدت تحركات الإمارات المتعارضة مع أهداف التحالف العربي، وبعيدا عن السلطة الشرعية الى إضعاف الشرعية وتقويض سلطاتها في المناطق المحررة، فما زالت تداعياتها مستمرة، خصوصا بعد أحداث محافظة سقطرى.
بينت أحداث محافظة سقطرى كيف قدمت دولة الإمارات خدمة مجانية لمليشيات الحوثي، إذ منحت الانقلابيين فرصة للحديث والتصعيد الإعلامي، لإثبات صحة دعواهم على مدى ثلاث سنين أن ما يحدث هو عدوان واحتلال لليمن.
وانطلقت المليشيا في خطابها الرسمي والإعلامي من أحداث سقطرى وسيطرة القوات الإماراتية على الجزيرة في حضور الحكومة التي بدت عاجزة عن أي الإقدام على أي خطوة.
تصدع التحالف
ويعد تصدع صف التحالف العربي وتشتيت الجهود عن التركيز على الهدف المشترك الأهم وهو مجابهة الانقلاب، والاتجاه إلى معارك جانبية بما يعطي الحوثيين قوة أكثر من ذي قبل من أهم التداعيات التي يخشى من حدوثها، مع استمرار التصعيد الإماراتي وعدم انصياعه لصوت الأشقاء.
فعلى صعيد التحالف العربي لدعم الشرعية اليمنية أصبحت تصرفات أبوظبي تتعارض مع أهداف التحالف ذاته، ويعتقد مراقبون أن تصريح دولة السودان وهي عضو فاعل في التحالف العربي بمراجعة أدائها في التحالف العربي أحد أهم تداعيات تحركات الإمارات ضد الشرعية في المناطق المحررة.
استغناء
ومن السيناريوهات المتوقعة في حال عدم الوصول إلى تسوية للأزمة، أن تضطر اليمن إلى الاستغناء عن دور الإمارات في التحالف العربي، وهو أمر بات مطروحا بقوة، فقد كشفت وثيقة رفع اليمن مذكرة شكوى قبل فترة من تصرفات دولة الإمارات إلى مجلس الأمن، كما تشير مصادر مطلعة الى تهديد الرئيس هادي أكثر من مرة بالاستغناء عن دور الإمارات، وهو ما ذكرته وكالة الأسوشيتدبرس مطلع هذا الأسبوع.
تصعيد انفصالي
وفي حال إقدام اليمن على هذا الخيار فإن تداعياته يعتقد أن تقابل بتصعيد إمارتي مماثل عبر أدواتها في المحافظات المحررة.
فإيعاز الإمارات لأدواتها في المحافظات الجنوبية المحررة، بإعلان انفصال جنوب اليمن متوقعا، فقد صرح قبل أيام رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي عن امتلاك المجلس _ وهو كيان سياسي يملك أذرعا عسكرية يسعى لانفصال جنوب اليمن ويحضى بدعم إماراتي كبير _ لكل الإمكانيات لفرض واقع مغاير في الجنوب في إشارة واضحة إلى إعلان الانفصال بقوة السلاح.
كما أن الاستغناء عن دور الإمارات في ذات الوقت سيبرز مشكلة أخرى بخصوص التشكيلات العسكرية المدعومة منها ما مصيرها وقد تتحول إلى مليشيات مسلحة تتسبب في اختلالات وصراعات جديدة.
غرور مرشح للتصاعد
الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبدالغني الماوري قال إن لدى الإمارات خطط لاستغلال موارد اليمن، وموانئه، ربما مقابل مشاركتها ضمن التحالف العربي.
وأضاف الماوري في حديث خاص للموقع بوست أن أبو ظبي تعتقد أن اليمن ضعيف وحكومته مستسلمة، وهذا ما جعلها تقوم بممارسة أعمال النفوذ، والسيادة على الأراضي اليمنية دون أدنى شعور بالحرج
وأشار الماوري إلى أن ما وصفه بالغرور الإماراتي مرشح بالتصاعد كونها تصنف المسؤولين الحكوميين، باعتبارهم مجموعة من السرق.
وبشأن التداعيات وما قد تتخذه اليمن قال الماوري أن اليمن إذا ذهب لمجلس الأمن، أو قام بالتصعيد ضد الإمارات، فإن التحالف قد يواجه ضغطا دوليا لوقف الحرب.
هزيمة للتحالف
من جانبه قال المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي إن ابوظبي بهذا السلوك الأرعن تقود التحالف العربي، أو ما بقي منه، إلى هزيمة محققة في اليمن .
وعلل ذلك بالقول إن محاولة استغلال ضعف الدولة في هذه المرحلة يعمق الجرح لدى اليمنيين، ويدفعهم إلى تبني خيارات شديدة الخطورة، من بينها المواجهة المسلحة مع التحالف وإغراقه في اليمن، وتوجيه السلاح نحو نقطة الضعف الكبيرة التي تعاني منها السعودية عند حدها الجنوبي..
وأضاف التميمي في مقال له أن الإمارات والرياض كلاهما تواجهان مأزقاً كبيراً في أرخبيل سقطرى، منذ أن قررت أبوظبي أن تحتل الأرخبيل لمجرد أن لديها قوة عسكرية فائضة وصندوقاً سيادياً، وبضعة متعاونين، حتى إنها استسهلت إهانة رئيس الحكومة وتصغيره على أرضه.
وأشار التميمي إلى أن خروج أبناء سقطرى بالمئات للتنديد بالإمارات رسالة كافية لتسمعها الرياض قبل أبو ظبي.
موضحا أن الذين خرجوا ضاقوا ذرعاً بسلوك الإمارات، ومثلهم الملايين في اليمن الذي بدؤوا يدركون أن هذا التحالف يخونهم، وبالقدر نفسه يرتكب حماقات لم يعد بوسعهم السكوت عنها.