الخروج المسلح على الحاكم ، والثورة لانتزاع حكم السلاطين والملوك بالقوة ، ظاهرة قديمة قدم الإنسان ذاته ، وتجد تلك الثورة شرعيتها في قبول الشعب بها وتأييده ، كذاك إيضا في القوة ذاتها ، والتي تستمد حجيتها قانونا من نظرية العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، فإذا ما جار الحاكم جاز للمحكوم تغييره ، وقد تباينت وجهات نظر فقهاء القانون بعد الثورة الفرنسية حول شرعية الثورة من عدمها ، وعلى عقبه جاءت بواكير دساتير تلك الثورة على اعتبار أن الثورة حق مقدس ، لا يجوز التنازل عنه ، كما يجب استخدامه لعزل الحكام الجائرين.
ومع تطور الشعوب ، وتغيير أنظمة الحكم فيها ، ووسائل إسناد السلطة ، جاءت الديمقراطية فجرّمت استخدام القوة ضد السلطة القائمة ، وعدتها وسيلة غير شرعية لانتزاع السلطة ، وشرعت الانتخابات كأفضل خيار ديمقراطي لتدوال السلطة ، فسعت كثير من الدول إلى استمداد سلطتها وشرعيتها من الشعب الذي تحكمه ، من خلال انتخابات حرة نزيهة.
الجمهورية اليمنية - كأخواتها من دول العرب- أمنت بالديمقراطية ظاهرا ، وكفرت بها سرا ، وما أقيمت الانتخابات الرئاسية في اليمن إلا لخلق سند شرعي وهمي أتكئ عليه صالح ، وبه تباهى أمام أقرانه ملوك الخليج غير الديمقراطيين ردحا من الزمن. ومع تفرد صالح بالسلطة في اليمن ، ونظرائه في الجمهوريات العربية المتشدقة بالديمقراطية كتونس وليبيا ومصر ، وتفشي الفقر والجهل في تلك الشعوب، بل والإذلال وسحق الكرامة الإنسانية ، انبعث مد ثوري حديث يرسم خارطة طريق جديدة ، ويتجه إلى هجر تلك الوسائل التقليدية في الحكم والسياسية ، فأشعل الشاب التونسي محمد البوعزيزي روحه ليحرق أنظمة حكم عربية عتيقة مهترئة .
وفي الحادي عشر من فبراير قَدِمَت نسمات ذلك الربيع العربي ، وشذرات تلك الروح البوعزيزية الطاهرة ، من ناحية البحر الأحمر ، صوب مدينة تعز ، فاكتظت الأزقة بالثوار ، وضاقت ساحة صافر بالخيام ، الصغار والكبار هتفوا بإسقاط النظام، وكتبوا حروفا أربعة ، وبكل اللغات والألوان ، كتبوا (ارحل )ولم يقصدوا بها سوى عفاش ونظام حكمه والعداد ، كتبوها على جلودهم في الأجبنة والبطون ، وخلدوها في أعماقهم ، على عروقهم ، ولحمهم، ودمهم.
في 2011 المجيد نُصبت شعارات الثورة على السهول والتلال ، وهبّ التعزيّون إلى الساحات هُبُوب الرياح ، وعمت ثورة فبراير السلمية الأرجاء ، وانتشرت انتشار الصباح ، واستبشر اليمانيون بيمن جديد ، ومستقبل أفضل .
كشباب كان حلمنا تغيير النظام ورحيل عتاولة الفساد ، ولم نكُ وقتها نتصور تخريب البلاد ، وتشتيت العباد ، وقد تصدى النظام الحاكم للثورة ، وأرسل إلى تعز العميد قيران ، فأحرقت الساحة ، وطورد الشباب ، وأعتقل القادة ، وسقطت الأرواح رخيصة ، وانحرفت مسار الثورة .
واليوم يحتفل شباب فبراير بتعز بذكرى ثورتهم التاسعة غير نادمين على خروجهم ، متناسين الحرب والحصار والتأمر الذي حلّ ولم يزل على مدينتهم وثورتهم ، مؤكدين العزم والحزم في المضي قدما لمواصلة درب فبراير العظيم ، قائلين لممالك الخليج ودول الغرب: " إننا تعز، شعلة الثورة ، ورمز الحرية ، أقلامنا في منصات التواصل تقارع ظلمكم وسوء جواركم ، وبنادقنا في جبهات العزة والكرامة تصد مرتزقتكم وبلاطجتكم ".
ها نحن في تعز العز ،؛ نقيم احتفالاتنا بذكرى فبراير ، رغم كل أوجاع حيكت لوشم فبراير ، نحتفل بفبراير ، ونراه عيدا لكل ثائر ، نحتفل به؛ وبعض منا يقف عاجزا عن استخراج جواز سفر لمريضه الذي لا يجد له علاجا في اليمن!.
في تعز نحتفل نحن الشباب الثائرين بذكرى يوم خرجنا فيه جائعين وما زلنا كذلك ، نحتفل وكراسي المحافظة قد تربع عليها وتشبث جمعٌ من الجبناء والحزبيّن الفسدة ، نحتفل ولم يجف بعد دم شهدائنا المقتولين عدوانا وظلما بيد أمن المحافظة وجيشها.