[ مراسم الزواج في ريف تعز ]
عادة ما يتخذ الزواج في الريف اليمني طابعاً موسمياً إذ يتزوج الشباب في إجازة الأعياد "عيد الفطر وعيد الأضحى"، وهو الوقت الذي يعود الناس من المدن إلى القرى ويتجمع الأهل والأصدقاء.
في الريف يتزوج الشباب في سن مبكر والسبب هو تكدس الزمن في القرى وحالة الرتابة التي يعيشها أهالي القرية وانخفاض سقف طموحاتهم وتطلعاتهم ما يضطرهم لقلب نمط الحياة بالزواج على أمل أن تتغير نمط معيشتهم، كما يعتقد اهالي القرية أن الزواج علاج فعال لحالة الطيش السلوكي المصاحب لمرحلة المراهقة عند الشاب تماشيا مع مقولة اجتماعية "زوّجه يِعْقل".
يبدأ العرس بالخطوبة وتكون قبل سنوات من الزواج تبدأ من سنتين حد أدنى ومتوسط إلى ست سنوات كحد أعلى.
الأب والأم في القرية هم عادة من يختاروا قرار زواج الابن، حيث يتكفل الأب بنفقات زواج كل أبنائه، وإذا كان الأب غير قادر على دفع تكاليف الزواج يخصص قطعة أرض من أملاكه كقيمة لزواج ابنه.
الأم هي من تختار لابنها العروسة التي تريدها على الأقل، تقترح له العروسة ليوافق عليها، في الأعم تكون البنت من الأهل والأقارب.
تذهب أم الابن "العريس" إلى أم البنت "العروسة" تخبرها برغبتها في خطبة ابنتها لابنها وبعد مشاورات بين الأم وابنتها والموافقة من الأخيرة تخبر أم "العريس" زوجها للذهاب إلى والد البنت لخطبتها.
القبض
تسمى الخطوبة في الريف بـ"القبض" حيث يذهب والد العريس إلى والد البنت مصطحباً أحداً من أهله معه أو شخص آخر من ذوي القرابة والحظوة لدى والد البنت كـ"وسيط".
في مساء أحد الليالي يصطحبون معهم أكياس نبتة "القات" ومبلغا ماليا ويذهبون إلى والد البنت، يعطى والد العريس والد العروسة مبلغا ماليا يبدأ من 100 ألف ريال يمني كحد أدنى إلى 300 ألف كحد أعلى يسمى بـ"القبض".
تشهر الخطوبة بين الناس من خلال المشافهة بين نساء القرية أو المُباركات اللفظية للابن بالخطوبة.
تستمر فترة الخطوبة عددا من أشهر وبعضها سنة أو سنتين وثلاث، وفي مواسم الأعياد السنوية وشهر رمضان من كل عام يذهب الابن لزيارة خطيبته. تكون الزيارات غالباً في المساء، يحمل الابن الهدايا لخطيبته والتي تكون عادة "ساعة يدوية بسعر رمزي وحبيبات صابون وعطورات وكريمات الشعر ومساحيق التجميل المختلفة"، أيضاً يدفع قسطا من مهر البنت مع كل زيارة سنوية.
بعد مرور عدة سنوات وبعد أن يكمل الابن سداد "مهر" البنت ما سمي بـ"النجاز" يحدد الأب موعد الزواج بالاتفاق مع والد البنت، كل حسب ظروفه واستعداداته.
مهر البنت عادة يدفع لأبوها ويصرف المبلغ في تجهيز عرس البنت وشراء حاجيات ومستلزمات الزواج، بعض الآباء يتصرف بالمبلغ المالي، فيما "المهر المؤجل" يُدفع للبنت عند وصولها بيت زوجها كما جرت العادة.
الوليمة
في الريف كثيرًا ما تبدأ مراسم حفل الزواج "الوليمة" قبل عقد الزواج، هذا ما يدلل بأن العرف الاجتماعي والإشهار أهم من وثيقة العقد القانونية، والد العريس يبدأ بتجهيزات الوليمة والتي أهمها "الذبيحة والقات".
الذبيحة هي ثور كحد أدنى وأربعة أثوار كحد أعلى على حسب المكانة الاجتماعية لوالد العريس وعدد الناس الذين دعاهم لضيافته، أما نبتة "القات" فيتم جلبها من "جرب القات" الخاصة بأب العريس إذا كان يمتلك مزارع قات أو بشرائه من جرب أخرى في نفس المنطقة.
الدعوة
هناك نوعان من الدعوة: دعوة مفتوحة لا يعزم أب العريس أحدا من الناس بل يترك المجال مفتوحا أمام كل من يريد حضور الوليمة. هذا النوع من الدعوة يعفي ابن العريس من أي تقصير محتمل في وليمته في الذبيحة أو القات اللذين لا يتم الوليمة إلا بهما.
الثاني يقوم أب وأم العريس بدعوة الناس من أهالي القرية عبر كروت الدعوة توزع قبل أيام من موعد الوليمة، تشمل الكروت معظم أهالي القرية باستثناءات قليلة وقد اعتاد الناس يكتبوا على كروت الدعوة مديح الشعر والافتخار بالأهل وداعي القبيلة ومجيب الدعوة.
تُقام الوليمة في منزل أب العريس، تُنصب مصابيح مضاءة مختلفة الألوان فوق سطح المنزل تسمى "غمازات" ومكبرات الصوت بالصدح الغنائي من الصباح وبعد الظهيرة والمساء حتى منتصف الليل في "بيت الوليمة"، ويحضر يومياً لفيف من الأهل والأصدقاء لتناول القات معاً وممارسة الرقص، هذا النشاط يستمر لبضع أيام قبل يوم الوليمة.
عقد الزواج
عادة يتم عقد الزواج بين العريس وأب العروسة خلال الأيام القليلة التي تسبق يوم الوليمة أو قبلها بيوم، يحدث أحيانا أن عقد الزواج يتم في يوم الوليمة ذاتها أثناء ما يذهب العريس لأخذ عروسته من منزل والدها.
في عقد الزواج يشترط أب العروسة مهرا مؤخرا يدفعه العريس في حال أنه طلق ابنته في المستقبل ويُكتب ذلك في وثيقة العقد، قديماً كان أب العروسة يُحدد المكان الذي سيسكن فيه الابن مع ابنته في صيغة عقد الزواج.
التدخيلة
التدخيلة هي الليلة التي تسبق يوم الوليمة، تبدأ ضيافة الأهل والأقارب رسيماً من عصر يوم التدخيلة، يأتي أخوال العريس وأعمامه وأنسابه وأصهاره رسمياً ويقدمون للعريس "الضيافة" والتي تكون عادة ثور بالنسبة لأخوال العريس، وخروف بالنسبة لبقية الأقارب، وحجم الضيافة ومقدارها يحدد مدى نسب العريس وعادة ما يصاحب وصول الضيوف لبيت الوليمة إطلاق أعيرة نارية يستقبلهم أهل العريس رسمياً بإطلاق أعيرة نارية أيضا وألعاب نارية.
في الساعة 7 من مساء يوم التدخلية تبدأ مراسم التدخيلة، من مكان ما بالقرب من بيت الوليمة يتجمع أهل القرية في حلقة دائرية نصف مغلقة في منتصفها يجلس العريس.
تحضر "الضربة" أفراد من فئة تعرف اجتماعياً بـ"المزاينة" يدقون على "الطاسة" المصنوعة من النحاس مغطى بطبقة رقيقة من البلاستيك والمرفع "الطبل" آلة إيقاعية تشبه الدف مصنوعة من جلود الحيوانات يتم نقرها بواسطة عود خشبي سميك "المقرع" لتعطي صوتا غليظا. على إيقاع قرع الطاسة والمرفع بلحن خاص بالتدخيلة يقوم فقيه القرية بإنشاد المولد الديني ويردد بعده الأهالي بالنشيد:
الله هو يا الله
اي هو الله ربنا الله
يردد الأهالي بعد الفقيه ويسيرون ببطء شديد ناحية بيت العريس يصاحب ذلك إطلاق الألعاب النارية وحالة من النشوة تغمر الجميع. عند وصول الناس إلى بيت الوليمة يتغير المولد ويتسارع الإيقاع أكثر:
الله الله هو ربنا
الله الله هو حسبنا
وعندما يصلون سطح المنزل ينتهي الأمر يذهب الشباب مع العريس للرقص على تنغيمات آلة الأرخ التي تبثها السماعات الكبيرة ما يسمى بـ"الفرق"، بينما يذهب فقيه القرية مع أب العريس وأهالي القرية الكبار لأداء المولد الذي يستمر حتى منتصف الليل. عند الساعة التاسعة مساء يذهب العريس للنوم بينما بقية أصدقائه يتم تقسيمهم إلى فرقتين فرقة تعد الذبيحة وفرقة تستعد لإحضار القات من الجِرب.
يوم الوليمة
في صبيحة يوم الوليمة يستيقظ العريس باكرًا وتكون "الكِبدة" هي صبوحه الأساسي مع الفريق الذي سيتولى فيما بعد تنظيم العرس ومباشرة الضيوف ما يسموا بـ"الدحاشين".
يرتدي العريس ثوبا أبيض وكوتا أسود وجمبية "خنجر" وشالا أبيض يتم طوايته على رأس العريس مطرز بالمشقر والرياحين والورود الطبيعية ولا ننسى توشحه للبندقية "الكلاشنكوف" أو "الجرمل"، البعض يرتدي "المعوز"، "والدسمل" وهو شال مطوي على رأس العريس، بالإضافة لبندقية الكلاشنكوف، والبعض يرتدي لبسا رسمياً كوت وبنطلون وربطة عنق غير أنه لا ينسى الكلاشنكوف.
عندما تطلع الشمس يبدأ الضيوف بالمجيء إلى بيت الوليمة لتقديم واجب "الضيافة" وهو مبلغ مالي يبدأ من ألفي ريال وينتهي بخمسة آلاف ريال كحد متوسط يسلمها كل ضيف لأب العريس ويكون ذلك على صورة فردية أو على شكل "بيان"، إذا كان على شكل جماعي يتجمع الضيوف مع ضيافتهم يكتبون أسماءهم في قائمة واحدة يتم تسليمها لوالد العريس من قبل أحد الوجاهات الاجتماعية دفعة واحدة عند قدومهم على شكل وفد.
عادة ما تأتي الوفود ترتجز بالزامل، وهو نشيد قبلي يؤديه الضيوف بشكل جماعي ساعة قدومهم:
نحن الوفود جئنا نلبي النداء
جئنا نلبي لمضمون الرسالة
وهنا سيحتم على أهل العريس تقديم زامل كرد ترحيبي:
يا مرحبا بالضيف
حيوا الوفود
من لبوا لمضمون الرسالة
بعض الضيوف يتحزم بندقيته ليطلق أعيرة نارية، رغم أن كرت الدعوة مكتوب عليه"الرجاء عدم إطلاق النار"، لكن ذلك التحذير الذي لا يلتزم به أحد هو فقط بمثابة مخرج اجتماعي لوالد العريس من مسؤوليته القانونية إذا ما وقع أي أضرار جراء إطلاق النار.
الناقِزة
عادة ما يرافق جموع الضيوف القادمة لبيت الوليمة "الناقزة" وهم الأطفال والأشخاص الذين يحضرون الوليمة بدون دعوة وبدون الضيافة، أو الأشخاص الذين يعزمهم أخوال العريس معهم بقصد مكاثرة العدد ومضاعفة الخسارة الملقاة على أب العريس في حالة ما إذا كان هناك خلافات قبلية بين قبيلة العريس وقبيلة أم العريس، وهذا نادرًا ما يحدث.
الضربة
لا وليمة بلا ضربة، إذ تعد الضربة شرطا مهما لكل وليمة يؤدي الضربة أفراد من فئة "المزاينة" كما جرت العادة الاجتماعية تسميتهم عبر "طاسة ومرفع" آلتين إيقاعيتين من صنع محلي.
في صباح يوم الوليمة تؤدي الفرقة نوعين من الضربات بلحنين مختلفين أحدهما للبرع الشعبي تسمى الصنعاني والأخرى عند استقبال الضيوف ضربة رابعة بلحن خاص تؤدى عند الذهاب للعروسة وإيصالها إلى بيت العريس وأخرى خامسة سريعة الإيقاع وهادئة عند خروج العروسة ودخولها بيت زوجها.
الطُبن والتورات
نساء القرية تذهبن لبيت العريس يحملن فوق رؤوسهن أطباقا مصنوعة من عسف النخيل مليئة باللحوح، قبل يوم الوليمة توزع أم العريس "الطُبن" وهو دقيق الذرة على بعض النساء ليقمن بمساعدتها بإعداد اللحوح الخاص بإعداد الشفوت كغداء أساسي في وجبة غداء الوليمة.
غداء الوليمة
في أي وليمة غداء الضيوف هو اللحم مع الأرز والشفوت والسحاوق. وهناك نظامان لتقديم الغداء في الوليمة الأول يقدم الغداء للضيف ساعة وصوله مباشرة وإعطائه "الصرفة" بعد الغداء وهو كيس كبير من القات. الثاني ينتظر اكتمال جمع الضيوف حتى الساعة الـ11 صباحاً لتقديم الغداء دفعة واحدة، يعمل بالنظام الأول في الولائم الكبيرة والثاني في الولائم المتوسطة والصغيرة.
كله على شأنك يا عريس
عصر يوم الوليمة يذهب والد العريس مع امرأتين من أقاربه مع "خروف" كضيافة يسمي "الواجب"، حالياً يذهب العريس ووالده مع امرأتين ويسموا "المواجبة"، وعندما يخرجون من بيت العريس يطلقون أعيرة نارية في الهواء كإشارة لأن المواجبة في طريقهم إلى بيت العروسة، وعندما يصلون إلى بيت العروسة يطلقون رصاصتين أيضاً كإشارة لكونهم وصلوا إلى بيت العروسة، وتعد هذه إشارة لينطلق موكب العرس "الزفة" مع عدد من السيارات مع الضربة وحشد من أطفال القرية.
وهنا يأتي صوت الفنان أيوب طارش "رشو العطور الكاذية" والفنانة منى علي وهي تغني"ساعة الرحمن ذلحين والشياطين غافلين" على امتداد الطريق يهتف الأطفال بمشهد كرنفالي رائع:
كله على شأنك يا عريس
والضربة تهمني لك يا عريس
كنت ما شاجيش يا عريس
إلا من شانك يا عريس
وهناك هتافات أخرى يهتف بها أطفال القرية من قبيل:
الليلة ليلة جمعة
يا عريس لصي الشمعة
قديما كان يشارك الكبار في الحشد ويرقصون على طول الطريق، لكن هذه العادة بدأت بالتلاشي نوعا ما، إذ يقتصر موكب العرسان على الأطفال فقط.
عند خروج العروسة من بيت أبوها تتغير نوع الضربة لتتخذ شكلاً خاصاً، تطلق الألعاب النارية بكثافة من بيت العروسة وأعيرة نارية وهكذا في بيت العريس أيضاً.
حق الجدة
عندما تصل العروسة إلى منزل العريس تكون الوليمة قد انتهت فعلياً، يدخل العريس غرفته ويغادره الجميع، لكن الأمر بالنسبة لأهل العريس لا ينتهي إذ يكون هناك معركة بانتظارهم للتعامل مع "الأخدام"، وهم فئة جتماعية من المهمشين الذين يحضرون للعرس بأعداد كبيرة يطالبون من أب العريس يمنحهم نقودًا تحت مسمى "الفسح" أو "حق الجدة"، حيث أعتاد الأخدام أن يتلقوا مبالغ مالية توزع لهم بعد كل وليمة. رغم أنها "شحتة" لكنها جرت عرفاً ووجدت لها مبررا، وهو الأمر الذي غالبا ما يسبب ضجة كبيرة لوالد العريس خاصة إذا امتنع عن إعطائهم أو لم يكن كريماً معهم.
بعد يومين من العرس تذهب أم العروسة لزيارة ابنتها وتصطحب معها الهدايا "رأس خروف" وهدايا كثيرة غذائية منها تحديدًا الحلاوة.
في اليوم الرابع من العرس يذهب العريس والعروسة لزيارة أم العروسة في بيتها ويصطحبوا معهم خروفا وهدايا كثيرة غذائية وحلاوة.