[ قوات إماراتية بعدن ]
يحتفل اليمنيون اليوم بالذكرى الـ57 لثورة 14 أكتوبر 1963، ومصير اتفاق الرياض لا يزال غامضا، ما يجعل الوضع أكثر تعقيدا في المحافظات الجنوبية، التي تسيطر الحكومة على بعضها، وأخرى في قبضة ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي".
إضافة إلى ذلك، فالانتقالي لا يُمثل كما يبدو المكونات الجنوبية المناوئة للحكومة، ويجعل هذا الواقع الجنوب في وضع يشبه ما كان عليه من شتات أيام الاحتلال البريطاني الذي تم جلاء آخر جندي منه من عدن عام 1967.
أما الحكومة فتحظى بتأييد كثير من المكونات في الجنوب وخاصة في شبوة وأبين، لكن في الوقت ذاته تظهر بعض الجهات التي تبحث في حضرموت عن خيارات أخرى تجعلها أقرب إلى الرغبة بالحكم الذاتي.
على الجانب الآخر، تعيش محافظة المهرة في وضع متأزم بسبب نفوذ السعودية وسلطنة عمان فيها، الأمر الذي يقلل من فرص الاستقرار في الجنوب، حتى وإن تم تطبيق اتفاق الرياض، كونه يركز فقط بدرجة رئيسية على العاصمة المؤقتة عدن، ولا يهدف لحل كل إشكاليات الجنوب.
ومن كل ذلك، يتضح أن خيار الانفصال الذي يظهر لو أنه قد تحقق على أرض الواقع، بسبب الإقصاء والتضييق الذي تعرضت له السلطة اليمنية في الجنوب، يواجه بكثير من الأزمات والتعقيدات التي تجعل من العودة إلى ما قبل 1990 وهو التاريخ الذي تحققت فيه الوحدة اليمنية، أمرا بالغ الصعوبة.
إخفاقات تعزز استمرار الحرب
في تقييمه لما يجري ومطالبات الانتقالي والحراك الجنوبي بالانفصال كحل لمشكلاتهم، يرى الكاتب والسفير في الخارجية اليمنية عبد الوهاب العمراني، أن المجلس ومموليه لم يقدموا شيئا لهم برغم مرور أكثر من 5 سنوات على استعادة تلك المحافظات.
وأردف لـ"الموقع بوست" أن عنوان المرحلة منذ عام مضى هو إخفاق اتفاق الرياض، تماما مثل اتفاق ستوكهولم، معتبرا أن أي اتفاق سياسي ترعاه قوى إقليمية مصيره الفشل، مؤكدا أن الأول كأنه جاء ليؤسس لصراعات وحروب مستقبلية في اليمن، ويستهدف إضعاف الدولة وتقسيمها مناطقا وعنصريا، وأعطى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد السيطرة على الموانئ اليمنية، وشرعنة تنفيذ مخططات الإمارات عبر المجلس الانتقالي.
ومن وجهة نظره، فإنهم سيواصلون هدم الدولة بطريقتهم، ليكون هذا الاتفاق مجرد ذريعة وشماعة لتبادل التهم، لأنه يوصلهم إلى مفاصل السلطة، ويضمن إقصاء أكثر الوزراء والقيادات في السلطة الشرعية، إخلاصاً للدولة اليمنية الاتحادية، بحجة أنهم دافعوا عن الشرعية في سياق ما أوجبه عليهم الدستور في مواجهة انقلاب عدن المدعوم من الإمارات، محملا السعودية عبء إنجاح اتفاق الرياض.
وتابع العمراني "لو افترضنا أن هذا الاتفاق جزء من تدابير الرياض الرامية إلى توحيد الصف اليمني لمواجهة استحقاق دحر الانقلاب المدعوم من إيران في صنعاء، فقد أصبحت اللاعب الوحيد في الساحة الجنوبية، وعليه فإن أي إخفاق ستكون هي المسؤولة عنه، ما لم تلجأ إلى تفسيره بما يعزز قبضتها ويضعف الشرعية".
واستند الدبلوماسي اليمني العمراني، على دراسة تقول إن اتفاق الرياض خطة إماراتية للبقاء غير المباشر في اليمن، وبناء على ذلك، يذكر أن الإقليم يتآمر على اليمن على نار هادئة، ويحاول بأبطأ الحلول لإنهاء الحرب، وأن التحالف ماضٍ نحو التقسيم والتفكيك، من خلال تسليم الجنوب لـ"الانتقالي الجنوبي"، وتسليم المناطق الشمالية للحركة الحوثية، "التي قد تلتزم بعدم التعرض للسعودية، بينما سيتم عزل الحكومة اليمنية في المناطق الصحراوية، وتسليم قوات كانت تتبع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، يقودها طارق نجل شقيقه، في المناطق الغربية وساحل تهامة.. معلوما بأن كتائب طارق صالح بدون رضى الشرعية وبدعم إماراتي واضح بل إن طارق لا يعترف بالشرعية أصلا".
كما يعتبر العمراني ما يجري من تحركات بشأن إنجاح اتفاق الرياض، بأنها محاولات لكسر الجمود الذي أخل بالبرنامج الزمني لتنفيذه، ولذلك فهو يتوقع أن تظل الأمور كما هي عليه الآن لفترة طويلة، خاصة أن الانتقالي والحوثيين يمضون على ذات النهج في تعاملهم مع الاتفاقات.
دروس للجنوبيين
ونظرا لأهمية مثل هذه المناسبة لليمنيين لما فيها من دروس كثيرة، يرى الإعلامي عبد الكريم الخياطي أن الجنوبيين اليوم لا يعرفون ما يريدونه، ولو عادوا لتاريخ ثورة 14 أكتوبر التي أعادت للإنسان اليمني الجنوبي كرامته، بعد أن كان يمنع من دخول عدن إلا بعد التعقيم بدعاوي استعمارية غريبة، لفهموا أن الظرف اليوم يشبه ما قبل 1963.
وذكر لـ"الموقع بوست" أن الانفصال للجنوبيين لم يعد حلا للشعب، بل هو حل لنخب وشخصيات تمثل دول إقليمية واستعمارية، مشيرا إلى أن ثوار 14 أكتوبر كانوا يعون هذا المأزق الذي وقع فيه الجنوبيون اليوم، فلو أنهم سلموا ثورتهم ودولتهم لشخصيات تتبع دول النفوذ ستضيع جميع تضحياتهم، ونسقوا مع ثوار الشمال وظل النضال مشتركا بينهم.
لكن نفوذ القوى العالمية والقطبين الشرقي والغربي كانا بالمرصاد، ونجحت تلك الاستقطابات في تشتيت الثوار مما آخر الكثير من مشاريع التحرر والدولة المؤسساتية الموحدة، بحسب الخياطي، الذي يقول إن أدوات المستعمر اليوم تتواجد وبصلافة وكبر، وهيمنة على الجنوب، والذين كنا نتصور أنهم إخواننا (في إشارة إلى دولتي التحالف الإمارات والسعودية)، وصاروا يروضون نخب الجنوب.
وتابع: "حتى بريطانيا لم تجرؤ على بناء قواعد عسكرية لإسرائيل في جزر الجنوب والشمال، وما نهبه المستعمر البريطاني وما حرك الشهيد لبوزة ورفاقه الذين قاتلوا مع ثوار الشمال في 26 سبتمبر وأشعلوها في ردفان، ليس أكثر مما يحدث اليوم من صلف إماراتي وإيقاف لتصدير نفط الجنوب، حتى لا يستفيد أبناء الجنوب، ويظلوا وخاصة قياداتهم رهينة لمن يدفع الراتب".
ووفقا للخياطي فهناك جنوبيون يقودون محافظاتهم ويديرونها، وجنوبيون يديرون معظم وزارات الحكومة الشرعية، وجنوبيون في صنعاء يقفون إلى جانب الحوثي، وهؤلاء جميعا أو غالبيتهم فيما عدا البعض خذلوا الجنوب والشمال، وأثبتوا أن المطالب العادلة تصبح خذلانا وفسادا، لأن من تصدروا المشهد باسم الجنوبيين وسكت لهم الشارع، لم يحملوا قيم أكتوبر النقية المطالبة بالحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية.
وخلص بالقول إن "كارثة الجنوب هي أن غالبية أبنائه كما في الشمال صامتة وسلبية، وتركت وكلاء المستعمر ودول النفوذ الإقليمي يمثلون الشعب، مع أن هذه النخب لا تمثل إلا من وكلوها ودفعوا لها من المال الأجنبي".
مستقبل الجنوب
ولا يستبعد الدبلوماسي اليمني العمراني أن يكون هناك خلاف مستقبلي بين مكونات الانتقالي، وحتى إن انفصلوا فذلك لا يعني استقرار الجنوب بسبب الانقسامات الكثيرة الحاصلة بينهم.
ويحدث كل هذا بسبب ضعف الشرعية المرتهنة -حسب العمراني- الذي يقول إنها لو عادت بعد إخراج الحوثيين من عدن منتصف العام 2015.
وفيما إذا كان الجنوب في حال ظل على ما هو عليه الآن من انقسام، يعتقد الخياطي أن الحرب والصراعات المختلفة ستحدث فيه، في ظل تواجد إماراتي سعودي يرغب في إبعاد عدن عن أن تصبح عاصمة اقتصادية، وكذلك رغبة إقليمية ودولية في انتزاع سقطرى وبعض الجزر والمهرة من الجنوب.
واستنتج أنه "ليس أمام تلك الدول الخليجية ومن ورائها إسرائيل وغيرها من القوى العالمية، إلا أن تشعل الحرائق لينشغل الجنوبيون طويلا، وهي تجربة ليست جديدة على هذه الدول الطارئة فقد طبقوها في الصومال والعراق"، مستدركا "لكن الحراك الشعبي المتزايد والوعي الذي بدأ يظهر في محافظات الجنوب، بدأ يخيفها من أن تضيع مشاريعها التي قد تفشل".
وطالب الخياطي أبناء الجنوب بكل انتماءاتهم الوقوف صفا واحدا واستشعار الخطر الذي سيمزقهم والبلاد، وأن يفهموا أن لا حرية تأتي بإحسان من طامع ومستعمر أو من أدوات الاستعمار، فجميعهم سيعملون على بقاء كل الظروف التي سمحت لهم بالقدوم ليستمروا في النهب والاحتلال.
خطابات متعددة
مثل كل عام، هناك عدة خطابات مختلفة في هذه المناسبة، فقد أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادب أن العمل يجري لاستعادة عمل مؤسسات الدولة من خلال اتفاق الرياض، مشددا على ضرورة إنجاز كافة استحقاقاته وفي أسرع وقت ممكن، وذكر كذلك عمله ومنذ توليه رئاسة الجمهورية على تدعيم أواصر الوحدة الوطنية، وفقا لمشروع اليمن الاتحادي.
على النقيض تماما، أكد الانتقالي مضيّه في خيار انفصال جنوب اليمن، وسعيهم لاستعادة دولة الجنوب وكياناتها وتوضيح المهام اللاحقة لبنائها.
في المقابل، دعا مجلس الإنقاذ الوطني الجنوبي الشعب في جنوب اليمن إلى الانتصار مجددًا لمضمون ثورة الـ14 من أكتوبر، عبر إجلاء القوات السعودية والإماراتية من المحافظات الجنوبية، والعمل على إنهاء حالة الانقسام.
وأفاد أن الانتصار لمضامين أهداف ثورة 14 أكتوبر لا يعني سوى العمل الثوري والمنظم لأجل إزالة ما وصفه بالاحتلال القائم (السعودية والإمارات) الذي تجاوزت انتهاكاته الفادحة بحق الشعب كل ما يطاق خلال سنوات وجوده منذ العام 2015.
وأكد أن المحافظات الجنوبية تشهد حاليًا ذات الأوضاع التي كانت سائدة إبان فترة الاحتلال البريطاني، الذي مارس الوصاية وقمع الحقوق والحريات وغذى الانقسام والتشظي وخلق النعرات والصراعات في جنوبي اليمن.
الحوثيون بدورهم وعلى لسان ما يعرف بـ"رئيس المجلس السياسي الأعلى" مهدي المشاط، فقد أشار إلى أن الفهم العقيم هو الذي عزل مبادئ الثورات عن أهدافها السامية، وحول الاحتفال بها إلى شكل بلا مضمون، وركز في باقي خطابه على إبراز قوتهم، وإثارة القضايا الشائكة مثل خزان صافر، وملف الأسرى والجرحى.
يُذكر أن عدن حين تخلصت من الاستعمار البريطاني، توحدت فيما بعد المستعمرات الأخرى والسلطنات في الجنوب التي كانت تحت حماية لندن ويضمها كيانا اتحاد ومحمية الجنوب العربي، وتم إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والتي توحدت مع الجمهورية العربية اليمنية وأصبحت دولة اليمن.