استقبلت مدينة النازحين (مأرب) شهر رمضان على وقع المآسي والأحزان والشعور بالضعف الذي يجتاح حال النازحين في المحافظة جراء الأسعار الملتهبة وهجمات جماعة الحوثي.
لكن هذا العام قلب الموازين بأسعاره وأشعر أسر النازحين بالضعف أمام قوته في رفع أسعار سلع رمضان أمام القليل من الأموال التي تحملها جيوبهم المنهكة.
وبهذا تشكو "إيمان" النازحة من محافظة حجة في مخيم الجفينة للنازحين من ارتفاع الأسعار في رمضان ومن أن المعيشة باتت قاسية فلم تدع لها حالا للفرحة باستقبال رمضان ككل عام وجعلتها منشغلة بتوفير الأساسيات لإطعام أطفالها الأربعة.
لم تفكر إيمان يوما بالخوف من الموت جوعا كما هو حالها اليوم مع أطفالها وزوجها العاطل عن العمل حد قولها، مضيفة أن زوجها لم يجد عملا لكسب ما يوفر لأسرته حاجات البيت الأساسية من زيت ودقيق وغيره.
وتقول إيمان الحامل في شهرها السابع إنها لم تتلق أي دعم من أي جهة أو منظمة وأن قوتها بعض أيامها الخبز والماء ولوجبتين فقط في اليوم.
"لم أشعر بدخول رمضان كالعادة بالخروج إلى السوق وشراء المكرونة والمهلبية والاحتياجات الرمضانية الأخرى.. كيف سنشعر بفرحة ونحن نعيش جحيم الأسعار وعدم التراحم"، تقول إيمان.
وتضيف أن رمضان جاء ليخفف من وجبات أكلهم اليومي ويختزل وجباتهم وذلك يوفر وجبات اليوم إلى غد وبعد غد ليستمر عيشهم بما يحافظ على الحياة ولو بنصف بطن، حسب وصفها.
تسكن هذه المرأة النحيلة خيمة وغرفة بناها زوجها من الطين بمبلغ 80 ألف ريال، باعت ما تبقى من ذهب زواجها لبنائه في أقصى جنوب مخيم الجفينة للنازحين بمدينة مأرب الذي يضم آلاف الأسر النازحة من الحرب والصراع للعيش بسلام.
تضيف إيمان أن زوجها غير موظف ويعمل بـ"الحفر" أو البناء، حيث لم يحصل على عمل مستدام حيث يعمل يوم أم يومين في كل أسبوع أو أسبوعين ودخله من ذلك لا يكفي إلا لشراء البصل والطماط وأبسط الاحتياجات.
وتحدثت إيمان عن الوباء العالمي فيروس كورونا أنها سمعت عن الفيروس من التلفاز في منزل جارتها ولا تملك تلفازا وعلمت أيضا من كلام النساء أنه يصيب الجهاز التنفسي ويؤدي إلى الوفاة.
وأكدت إيمان أنها قابلت الطبيبة خلال حملها وهي اليوم في الشهر السابع مرة واحدة فقط وذلك بسبب عدم توفر المواصلات لديها ولا الأموال للذهاب إلى المستشفى والفحص الدوري، وتقول إن الذهاب الدوري للطبيب أثناء الحمل شيء مهم.
قالت إيمان إنها معتمدة بشكل أساسي على ما يقدمه برنامج الغذاء العالمي من غذاء لأطفالها الذي ينتهي من منزلها غالبا في منتصف الشهر وتبحث من الجيران عن دقيق وغيره أو توفره من السوق إذا ما وجد زوجها أجر عمل، وهو أمر نادر ولا تعتمد عليه إيمان، حسب قولها.
وحصلت إيمان على مبلغ 10 آلاف في أول يوم من رمضان من قبل فاعل خير -حد قولها- وذهبت لشراء حاجات رمضان متفاجئة من الارتفاع الكبير للأسعار في المحافظة.
وأوضحت إيمان بأن الأسعار زادت الضعف، وكانت تشتري رقائق السمبوسة بـ200 ريال بينما اليوم قيمتها 500 ريال وعادت إلى منزلها بدون رقائق رمضان، بينما اشترت بمبلغها البسيط أقل من نصف حاجاتها لرمضان ولن تدوم إلا أقل من خمسة أيام.
إيمان فتاة متعلمة درست نصف سنوات الجامعة في كلية التربية، قالت إنها لم تواصل تعليمها بسبب الحرب التي دارت في صنعاء عام 2014 ومن ثم تزوجت وأنجبت أربعة أطفال والخامس لا تعلم إيمان ما هو ذكر أو أنثى ولا زال في بطنها.
قالت إيمان إنها تفكر كثيرا بكيفية إطعام طفلها وكيف ستوفر له الحليب والحفاظات والدواء والرعاية الكاملة.
تطمح إيمان متعدية حدود قدراتها أن تلد في المستشفى لكن ذلك لن يكون وهي في ذلك الحال، وأكدت أن ولادتها ستكون في البيت وهو ما تتخوف منه على الدوام، لأن ولادتها في أطفالها السابقين كانت في المستشفى، وفق تعبيرها.
قالت إيمان إن رمضان هذا العام جاء بغير موعده وفي وقت جميع الناس في حاجة وعوز وفقر، ولم يستقبل رمضان بفرحة معتادة.
تصف إيمان تخوفها من الحرب التي تدور في أطراف المحافظة وتقترب من مركزها بسبب ما سمعته من قصص من نساء شردتهن الحرب الأخيرة إثر اجتياح الحوثيين محافظة الجوف ومخيم الخانق في منطقة نهم.
تقول "لم نشعر بالاستقرار.. قلقون دائما بسبب الحرب والقصف المستمر على المدينة من قبل الحوثيين".
فإيمان قصة واحدة عبرت باختصار عن حال آلاف الأسر النازحة واستقبالها لرمضان في مأرب في ظل عوز وفقر وقلق من حرب تدور رحاها على أطراف المحافظة، وقلق حرب جيوب خاوية وأمعاء تحتاج إلى المزيد من الغذاء وأسعار لا تفرق بين محتاج ولا غنى، كالنار تأكل ما يتساقط عليها.