[ أثرت الحرب على عدة جوانب في اليمن ]
يعيش الكاتب اليمني مفارقة مُرة داخل الوطن، نتيجة للحرب التي ساهمت في نفي مُنجزه الأدبي إلى الخارج، في حين تبقي عليه مُطوّقاً باستحقاقاتها الثقيلة داخل الوطن، فلا يتمكن من نشر مؤلفاته في الداخل، لانعدام دور النشر محلياً، ولا يُفلح غالباً في متابعة مُؤلفاته المنشورة في الخارج، والتفاعل مع جمهوره بسبب عوائق السفر التي فرضتها الحرب، واستحقاقات الصراع، فظل حبيساً لا يراوح مكانه في الداخل، في حين يمضي أدبه في الانتشار خارج اليمن، منفصلاً عن محيطه اليمني وجمهوره.
أفضت هذه الحالة المُفارقة إلى نوع من الاغتراب بين الكاتب اليمني، والأثر الذي تخُطه مؤلفاته خارج محيطها، كما قامت بفصل الأدب اليمني عن محيطه الثقافي المحلي، بسبب تعثر نشره محلياً، لانعدام دور النشر المحلية، وتلاشي الاهتمام بالثقافة، نتيجة للحرب، التي وضعت الأدب في ذيل قائمة الاهتمامات.
تهجير الأدب
تسببت الحرب الجارية في مفاقمة الأزمة الثقافية في اليمن، ذلك أنها تعيق الكُتّاب عن نشر مؤلفاتهم محليًا، وتضطرهم للتعاقد مع دور نشر عربية، إلى جانب إعاقتهم عن السفر من اليمن، الأمر الذي يحرمهم من التفاعل مع قرائهم في الدول العربية، إضافة إلى أن مؤلفاتهم المنشورة في الخارج لا تجد طريقها إلى القُرّاء داخل اليمن، لأسباب كثيرة، من ضمنها مشقات الاستيراد بسبب وضع الحرب، الأمر الذي يضاعف أزمة الثقافة، من خلال تهجير الأدب اليمني عن محيطة المحلي.
نُشرت أغلب مُنجزات الأدب اليمني، خلال الخمس السنوات الماضية، خارج اليمن، لكنها لم تُوّفر للجمهور اليمني في الداخل، في حالة يمكن وصفها باغتراب الأدب اليمني عن محيطه الثقافي المحلي، وهو واقع فرضته الحرب التي تسببت في إضعاف المشهد الثقافي في الداخل، وفق الكاتب وجدي الأهدل.
تأثير سلبي
يؤكد الأهدل في تصريح لـ"الموقع بوست"، أن التفاعل شبه مفقود بين الكاتب المنتج للأعمال الأدبية، والمواطن اليمني الذي أنتجت من أجله تلك الأعمال.
يشير صاحب رواية "بلاد بلا سماء"، إلى وجود شريحة واسعة من الشباب اليمني المثقف الذي يتطلع إلى قراءة المُنجز الثقافي اليمني، لكنه محروم منه، بسبب ظروف الحرب التي تمر بها البلد، والتي أعاقتهم من الحصول على ثمار هذا المُنجز المنشور في الخارج.
يصف الأهدل الذي أنجز مؤخراً "التعبئة"، وهي مجموعة قصصية، نشرت في بيروت، اغتراب الأدب اليمني في الخارج، بالظاهرة السلبية والسيئة، مؤكداً أنها تعرقل التطور الثقافي لليمن، وتجعل عملية التراكم الطبيعية للأدب، التي تحدث بالتقادم من جيل لآخر، متوقفة.
وجدي الأهدل
يؤمن الأهدل بوجود جيل يمني شاب يملك قدرات إبداعية، ويتطلّع بشغف للمشاركة في المشهد الأدبي، في المجالين الشعري، والسردي، وتقديم إضافات تفوق المستوى الفني للمنجز الثقافي للأجيال السابقة، لكنه يخشى من انعكاس التدهور الثقافي الحالي على المبدعين الشباب، بشكل سلبي.
ويرى صاحب "أرض المؤامرات السعيدة"، أن عملية التراكم الثقافي في اليمن، قد تُصاب بالشلل، في حال استمرت العزلة الثقافية على البلد، وتضاعف الحرمان الذي يعاني منه القارئ اليمني، بسبب هجرة المنجز الأدبي لبلاده، إلى الخارج.
مُعضلة الكِتاب
من جانبه، يؤكد الكاتب محمد عبد الوهاب الشيباني، في تصريح لـ"الموقع بوست"، أن الأزمات المتلاحقة التي أفضت إلى هذه الحرب المدمرة، انعكست سلباً على الواقع الثقافي في اليمن.
ويقول الشيباني -وهو شاعر أيضاً- إن الأزمة الحالية ضاعفت من عزلة المنجز الأدبي في اليمن، فانعكست سلباً على صناعة وتسويق الكتاب الخارجي داخل اليمن من ناحية، والكتاب اليمني في الخارج من ناحية أخرى، إلى جانب تأثيرها على واقع الأدباء والمبدعين اليمنيين.
الشيباني يرى أن فضاءات التواصل والتقانة الإلكترونية كسرا -إلى حد ما- العزلة عن الأدب اليمني، لكنه يؤكد أن تأثير الحرب، في حال استمرارها، سيكون فضيعاً على مشهد الثقافة في اليمن، وكافة أوجه الحياة الأخرى.
عزل الكاتِب
في السياق، أثرت الحرب على الواقع الشخصي للكُتّاب، وأحالتهم إلى حالة من العزلة، بعد فرضها واقعا جديدا يمجّد العنف، ويُقصي المثقفين من دائرة التأثير، ويعرضهم للاستقطابات والتصنيف، في مناخ نابذ للاختلاف، ويمور بالصراع، أفرزته الحرب، ودفعت بالثقافة إلى الهامش.
بالتزامن، راحت مظاهر الثقافة تتلاشى تدريجياً مع تقادم وتيرة الصراع في البلد، ومضت العزلة في مضاعفة حالة الحصار على المنجز الأدبي الذي يصعب أن يرى النور محلياً، ويمضي متلمساً طريقه إلى دور النشر العربية، لاستحالة نشره داخل اليمن، في حين يعجز الكُتّاب عن إقامة نشاط أدبي حقيقي في البلد، دون أن يتعرضوا للمخاطر.
ينبذ الكاتب اليمني الحرب، لكنه مضطر للتعايش معها، يتدبر حياته اليومية كأي مواطن آخر، ويبتدر طرقاً لنشر كتبه خارج الوطن، في محاولة لكسر الجمود المحلي.
محمد عبدالوهاب الشباني
استثناءات
وعن تورط الكاتب بالحرب، يقول الروائي سمير عبد الفتاح لـ"الموقع بوست"، إن مصير الكاتب لا يتحدد بمعزل عن محيطه وظروف بلده، مؤكداً استحالة عيش الكاتب في إطار منفصل عن الناس، وعن محيطه وواقعه الاجتماعي.
يرى صاحب "نبراس قمر"، أن اليمن برمته محاط بالعزلة التي لا تقتصر بدورها على المشهد الثقافي فقط، مشيراً إلى وجود استثناءات قليلة تومض ببعض الضوء لمحاولة كسر الجمود، والتلويح بأن هناك بلد اسمه اليمن.
يقول عبد الفتاح إن الحرب جاءت لتضيف ستارا آخر من السواد على كل شيء يرتبط باليمن، لافتاً إلى أن ما يقوم به بعض الكُتّاب اليمنيين، من نشاط هنا وهناك، هو بمثابة رسائل استغاثة، ومحاولات إفصاح من تحت الحطام.
انفصال ثقافي
من ناحية أخرى، يجهل الكثير من المثقفين اليمنيين، خصوصاً الشباب، أغلب المنجزات الأدبية لكُتّاب بلدهم المعاصرين، بسبب أن جُلّ المؤلفات -خصوصاً التي جرى تأليفها خلال العقد الأخير- نشرت خارج اليمن، ولم تُوفّر محلياً، كما أنها لم تحظ بالتسويق الكافي داخل البلد، الأمر الذي جعلها في معزل عن متناول القراء، وفق رشيد البعداني.
يقول البعداني -مالك أحد الأكشاك أمام جامعة صنعاء- إن الشباب يقبلون على الروايات الأجنبية بشكل مضاعف، كونها معروفة لديهم أكثر من الروايات المحلية، ويقرؤون عنها -غالباً- في وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وفق تعبيره، مشيراً إلى أنه يسعى لتوفير نسخ قديمة منها، بناءً على طلب زبائنه، مؤكداً أنه من النادر ما يتلقي طلبات لروايات يمنية.
تُخاطب الروايات اليمنية الجمهور المحلي بدرجة أساسية، لكنها لا تصل إليه في الغالب، الأمر الذي يولّد حالة من الانفصال بين القارئ اليمني وأدب بلده، نتيجة اغتراب الأخير خارج اليمن.
تجريف الهوية
وحول الظاهرة، يقول وجدي الأهدل إن تقييد القارئ اليمني عن الوصول إلى منتج بلده الثقافي، يعني تجريف الهوية الثقافية لليمن.
يتساءل الكاتب الأهدل: هل هذ الأمر متعمد؟ لكنه يرجئ الجواب كونه يحتاج إلى الكثير من التفصيل، حد وصفه.
يُحمّل الأهدل مسؤولي الثقافة في الحكومة اليمنية، ورجال الأعمال، وتُجار المطبوعات في اليمن، المسؤولية عما وصفها بالجريمة، المتمثلة في حرمان الشعب اليمني من ثروته الثقافية، التي تجد طريقها للنشر خارج البلد، لكنها لا تصل للجمهور المحلي، مُعرباً عن أسفه لافتقار اليمن لدور النشر.