[ صالح ونجله أحمد ]
ثارت التساؤلات التي طرحت بعد مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بشأن القوة التي لطالما كان يحتمي بها ويهدد بها خصومه، ولم تستطع حمايته من الحوثيين الذين تمكنوا من الوصول إلى مربعه السكني في ظرف زمني قصير، وتصفيته في منزله، بعد مواجهات عسكرية لم تستمر أكثر 73ساعة.
اليوم يطرح تساؤل ربما عن مصير القوة والجيش التي كانت تتبع صالح، أين ذهبت وما هو مصيرها وما هي المراحل التي مرت بها. بل ما الذي جعلها تنهار بذاك الشكل.
يبدو أن قوات صالح، لم تتعرض للانهيار بيوم وليلة وإنما مرت بمراحل، وقد تعرضت للضربات والتحولات، وما انهيارها وعدم قدرتها أو غيابها عن حماية صالح مؤخرا إلا محطة أخيرة من محطات الانهيار.
المراقبون السياسيون يرون أن المشكلة ليست في الولاء بقدر ما هي في تشرذم الدولة التي يُعتبر الجيش، أي جيش، لصيقاً بها، يتماسك حين تقوى ويتفرق حين تضعف وتتوزع سلطتها على ميليشيات الأمر الواقع.
قوات صالح
لطالما أطلق خصوم صالح على قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة تسمية الحرس العائلي وتحديداً، مع بدء الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في مطلع العام 2011.
في ذلك الوقت، طالب شباب الثورة السلمية في اليمن قيادات وعناصر الحرس الجمهوري بالانضمام إلى الثورة والانحياز إلى إرادة الشعب.
ولكن لم تنجح هذه الدعوات برغم انضمام العديد من الوحدات العسكرية إلى الثورة، لأنها كانت تدين بكامل الولاء لقائدها العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، نجل صالح الأكبر.
مراحل التأسيس
بحسب معلومات تاريخية، تأسست قوات الحرس الجمهوري عقب ثورة 26 سبتمبر 1962، وتحديداً بعد دخول القوات المصرية إلى اليمن للدفاع عن الثورة، واستلهمت الوحدات الجديدة أبرز معالمها من التجربة المصرية، وشاركت في الدفاع عن الثورة وساهمت في فك حصار السبعين يوماً عن صنعاء، بعد انسحاب الجيش المصري عام 1967.
وبعد استقرار الدولة، بدأ هذا الحرس يتطور ولكن ببطء، وبعد أن تولى صالح الرئاسة عام 1978 اهتم كثيراً ببناء القوات المسلحة بشكل عام، وتحديداً بقوات الحرس الجمهوري.
وحتى عام 2000، كان الأخ غير الشقيق لصالح، علي صالح الأحمر، يقود هذه القوات، قبل أن يتسلم أحمد علي رسمياً قيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة لاحقا.
بدأ أحمد بتطوير هذه القوات من حيث التدريب والتسليح، وكانت تحصل على أحدث الأسلحة وأقوى التدريبات، واستقدم مدربين من العراق ومصر والهند والأردن وأرسل مجموعات إلى الولايات المتحدة للتدرّب على المهام الخاصة، لينشئ فيما بعد القوات الخاصة.
مراحل التفكيك
في مطلع عام 2012، بدأ الرئيس هادي بتفكيك هذه القوات تحت مسمى إعادة الهيكلة، وكانت تتكون من أكثر من 22 لواء عسكرياً موزعة على جميع مناطق الجمهورية وبشكل خاص حول صنعاء.
أقال هادي أحمد من قيادتها وعيّنه سفيراً لليمن في الإمارات، وشكّل قوات الحماية الرئاسية من هذه قوات ووزّع ما تبقى منها على المناطق العسكرية.
لم تمرّ هذه القرارات بسلام، فقد تمردت عليها مجموعة من أقارب صالح، وفي مقدمتهم طارق محمد صالح، ابن شقيق علي عبد الله، الذي قُتل في الاشتباكات الأخيرة.
رفض طارق تسليم القائد الجديد اللواء الثالث المدرّع الذي يُعتبر من أقوى ألوية الحرس، إلا أن تدخل المبعوث الدولي وقتها جمال بن عمر وتهديده بالعقوبات الدولية جعله ينفّذ الأمر.
قوات صالح وانقلاب 21سبتمبر
جاء انقلاب 21 سبتمبر، عام 2014، فأسقط الدولة وأسقط العاصمة صنعاء، ومنذ تلك الفترة دخلت البلاد في حرب واسعة وشاملة، وخلال هذه الفترة تعرضت قوات صالح للعديد من الضربات التي قادتها بشكل أو بآخر نحو الانهيار والتشتت.
تعرضت بعض المعسكرات للضربات القوية من قبل التحالف العربي، بما فيها مخازن الأسلحة، التابعة لها، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية، استطاع الحوثيون اختراق بعض المعسكرات التابعة لصالح، ونشر مرشدين ثقافيين في أوساطها وما إلى تلك الإجراءات التي اتخذها الحوثيون.
الضربة الكبيرة والتي أجهزت ربما على قوات صالح، هي بقاء الجوانب المالية والبنوك تحت سيطرة الحوثيين، ومن خلال ذلك فقد ضباط الحرس الجمهوري وقوات صالح، الإمكانيات والدعم الذي كانوا يحصلون عليه من قبل.
ذهبت الموازنات وذهبت الاعتمادات، إلى جانب ذلك انقطع الرواتب، وبقيت الأمور كلها بيد الحوثيين، بينما صالح لم يهتم بأي شيء من هذا القبيل، ولم يسعَ نحو الحفاظ على رواتب جنوده وقواته لا من قبله شخصيا ولا من قبل الضغط على الحوثيين الذين تركهم يفعلون ما يريدون. وهذا الأمر دفع بقوات صالح إلى البقاء في البيوت في حين البعض الآخر ذهب نحو ممارسة أعمال خاصة من أجل العيش والبقاء، بينما من تبقى من تلك القوات ذهبت للقتال مع الحوثيين بشكل أو بآخر.
مصير جيش صالح ومستقبله بعد مقتله
اليوم وبعد مقتل صالح تطرح تساؤلات عن مصير هذه القوات التي كانت بيد صالح، أين هي وما حجمها بل ما هو مستقبلها؟ بل هل ما تعرضت له تعتبر نقطة إيجابية بالنسبة لليمن وعلى طريق بناء جيش وطني أم إنها نقطة سلبية، ما الذي حدث بل ما الذي تغير؟
في إجاباته على بعض استفسارات "الموقع بوست"، يقول الدكتور والمحلل السياسي، مدير إدارة الأزمات الدولية، نبيل الشرجبي: " قوة صالح كانت قوى كبرى، لكن يجب التنويه للتالي: الأول قوة الحرس وهي الأكبر، لكن ما يغيب عن الكثير هو أن قوة الحرس كانت فكرة عراقية في الأساس، وكان الهدف منها ليس خوض حروب أو الدفاع عن الوطن، بل كان الهدف الأساسي منها هو حماية النظام من أي انقلاب عسكري ضده من باقي الوحدات العسكرية، ولذا كان سلاحها وتدريبها وعقيدتها العسكرية مبنية على ذلك الأمر، وهذا الأمر انطبق على الحرس الجمهوري أو القوات الخاصة أو قوات التدخل بالنسبة لليمن أو لقوة صالح، ولذا فهي لم تشارك في أي معارك عسكرية وإن كان هناك أي قول غير ذلك فهي أعداد قليلة جدا جدا أو نوع من الدعاية فقط".
ويتابع الشرجبي: "الثاني أن هذه القوى جزء مهم منها أعيد دمجها مع بعض الوحدات العسكرية في مختلف المناطق العسكرية، وذلك عندما أصدر هادى بحل قوات الحرس، وإعاده دمجها في باقي وحدات القوات المسلحة، وجزء هو في الأساس يتبع قبيلته وهذا الجزء رفض المشاركة مع أي طرف واتجه لأعمال أخرى مدنية أو قبلية وهناك جزء لا بأس به انضم للحوثيين انطلاقا من الانتماء المذهبي الذي كان أوله زيديا، ثم تم استيعابه في إطار أوسع للتشيع الحوثي، ولعب الدور المالي أو الاقتصادي دورا مهما في ذلك الاندماج".
أما عن مستقبله، يقول الشرجبي: "أعتقد سيظل التقسيم للجزء الأول والثاني كما هو، أما الجزء الثالث فهو معرض لتصفية في ظل المعارك العسكرية، أو في حال توقف الحرب قد يتم إعادة تدويره ضمن القوة اليمنية الجديدة لكن بأعداد قليلة جدا وبحذر شديد".
نقطة إيجابية لليمن
من جهته يقول الكاتب اليمني، نبيل البكيري، لـ "الموقع بوست": "مقتل صالح كان نقطة إيجابية لمسار المعركة مع الانقلاب في اليمن، فقد كانت المليشيات الطائفية مستفيدة من وجود صالح بجانبها تتستر بشعبيته وأنصاره في الجيش لكن بمقتله، أصبحت الأمور أكثر وضوحا وخاصة فيما يتعلق بالجيش، ويضيف: بات واضحا اليوم أن الجيش لم يعد جيشا، وإنما مليشيات طائفية بإمكانيات جيش، ولم يعد هناك أمام من يفترض بهم أنصار صالح في ذلك الجيش من خيار سوى الانشقاق والانضمام للجيش الوطني الذي يقاتل هذه المليشيات".
استغلال الفرصة
في حديثه عن هذه الجوانب، بذهب الناشط السياسي عبد الهادي العزعزي، في حديثه لـ "الموقع بوست" بالقول: "أولا الجيش ككيان مؤسسي تابع للجمهورية اليمنية وليس جيش صالح، لكن نظرا لأن الأنظمة الجمهورية خلقت قيادات ديكتاتورية تستند على الجيش وتم وصم جيش الدولة اليمنية بجيش صالح، قسم صالح الجيش إلى وحدات مختلفة ظلت وحدات تدين بالولاء له، وكان الخطأ الأساسي من بنية هذه المؤسسة فيما يعرف بالعقدية العسكرية في حين كان يفترض أن يكون ولاؤها للدستور والجمهورية وليس للأشخاص.
ويتابع العزعزي "هذا القوات هي بحكم المتمرد ويجرى الآن التفاوض معها للرجوع عن هذا التمرد أولا، ما لم فإنها تعتبر خطرا على النظام الجمهوري وجماعات مليشاوية يجرى عليها الأحكام الواردة في قوانين الجمهورية الخاصة بهذه المؤسسة ومحاكمتها بالجرائم التى ترتكب من تمرد وتدمير وقتل.
لكن من أعلن الولاء للجمهورية والسلطة الشرعية التي ارتضاها الشعب اليمني فإن لها ما لبقية مؤسسات الجيش الأخرى، وهناك منهم أعداد ليست قليلة متواجدة ضمن الجيش، ويجرى قبول انضمام الآخرين الذين كانوا في بيوتهم وليس عليهم جرائم حتى أولئك الذين قاتلوا مع الانقلاب وتركوه وانضم للشرعية يجرى قبولهم والتعامل معهم كجيش للجمهورية".
ويردف العزعزي "هناك تسامح كبير معهم وعليهم استغلال الفرصة وعدم التأخر حتى لا تصدر قرارات بعدم قبولهم في المراحل القادمة إن أصروا على استمرار ولائهم للانقلاب".
وأما عن كيفية ضمهم، يشير الرجل إلى أن "هذا أمر يعود لسياسية بناء الجيش بشرط أن لا يكون هناك تمييز واتخاذ إجراءات عقاب جماعي ضدهم وهذا ما لن يحدث حسب اعتقادي.
بحسب العزعزي، "كانت هناك أخطاء في التمثيل الجغرافي للجمهورية في هذا الجيش، وهذه يمكن تجاوزها وعلاجها، لكن كانت هناك أخطاء كبيرة في عقيدة الجيش ومستوى وعيه وهذه تحتاج علاجا مكثفا وليست مستحيلة. وهؤلاء هم من أبناء الفلاحين البسطاء يمكن علاج هذه المشكلة وإعادة التأهيل الثقافي والتوعية وبناء عقيد على أسس ديمقراطية لهذا الجيش".
ويواصل العزعزي: جيش صالح لم يكن جيش الجمهورية، وأضله صالح عن سواء السبيل، وعليه أن يعلن الولاء للشرعية ممثلة في رئيس الجمهورية وقيادة الدولة والانتقال للقيام بواجبه لإنهاء الانقلاب، والتحول إلى جبهات الشرعية وقيادتها وإعلان الولاء لها".
جزر معزولة
وعن جيش صالح، وأين ذهب وما هو مصيره، يقول الكاتب اليمني، فتحي أبو النصر لـ "الموقع بوست": "تشظى والتهم الحوثي أكثر من نصفه، وربعه مرعوب في البيت، والربع يحاول الانضمام إلى الشرعية، وسيكون إيجابيا استيعابهم على أسس التوافق الوطني".
ويتابع أبو النصر: "المشكلة انه كان يقول إنه جيش وطني، وحين قتل صالح لم يعد له رأس، ولا بعد مؤسسي، لقد افتقدوا التواصل فيما بينهم كأفراد أو ضباط، وهم الآن كجزر معزولة".
ويقول أبو النصر "هناك الآن تشكيل عسكري مواز يتبع تنظيم الحوثية مباشرة وله أداته الاستخباراتية وهو المقلق إذ إن تشكيله عقائدي بحت".
وعما إذا كان سيذهب بعض من قوات صالح في إطار هذا التشكيل العسكري العقائدي، يقول أبو النصر: "نعم خصوصا في ظل سياسات الترهيب التي يقوم بها الحوثيون والمعلومات تفيد باعتقال أكثر من 2000ضابط من الحرس الجمهوري حتى الآن".
وعن بقية قوات صالح يقول فتحي: "القبائل تم ترهيبها ثم إنها بلا مورد سلاحي من التحالف، ولديها حسابات برجماتية، وتفضل عدم الصدام مع الحوثية الآن، وإلى جانب ذلك هناك قوات التهمها الحوثيون كقوات طارق الذي لم يعرف مصيره بعد".