[ طيران واشنطن قبيل تنفيذه ضربة على أهداف في اليمن ]
تتسم الهجمات الأمريكية الدولية على الجماعة الحوثية بتعقيدها الجيوسياسي، كلما استمرت الغارات وأصبحت أكثر كثافة وتأثير زادت احتمالات أن يكون لها ارتدادات إقليمية، فمع تفاقم هذه الهجمات تزيد فرص التوتر، وتزداد الحاجة لتقييم المخاطر واحتواء التوترات.
إن محاولة تأمين أهداف أمنية فورية ليس نهجاً غير مسبوق، لكن هذه الهجمات قد تختلف وقد يكون لها تداعيات بعيدة المدى على المنطقة والاشتباكات المستقبلية فيها، حيث لا يُنظر إلى هذه الهجمات على أنها مجرد عمليات تكتيكية معزولة، بل كمواقف استراتيجية، وبالذات كموقف ضد النفوذ الإيراني، وتحمل معها، من جهة أخرى، إمكانيات صريحة وضمنية للاستفزاز، وفيها تعزيز لموقف بعض الأطراف وإضعاف لمواقف أطراف أخرى. يضاف إلى ذلك تؤدي هذه الهجمات إلى زيادة التطرف، حيث ستلجأ الجماعات المتطرفة إلى استغلال الغضب والاستياء الشعبي الذي تثيره.
ولذلك قد يكون لها تأثير مهم على ديناميكيات القوة في المنطقة، وقد تنتهي بتغيير في موازين القوى أو أقله بإدخال بعض التعديل عليها، وقد تدفع الأطراف المعنية، سواء كانت دولًا أو غير جماعات، إلى إعادة تكييف استراتيجياتها الأمنية. والعلاقة بين دول الخليج والقوى الإقليمية كإيران تعد حقل رئيسي من يمكن أن يتجلى فيه هذا النوع من التأثير.
تسلط هذه الهجمات، من جهة أخرى، الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه علاقة المنطقة بالعالم، والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي في التعامل مع الصراعات في الشرق الأوسط، وتوصل في هذا السياق رسالة واضحة بأن القوى الدولية مستعدة للتدخل عسكرياً لمواجهة التهديدات المتصورة وحماية مصالحها في المنطقة، وسيكون لهذا الموقف آثار على الإجراءات المستقبلية في الصراعات الأخرى أيضاً.
وغير ذلك قد تتجه الهجمات الأمريكية على الحوثيين في تداعياتها إلى التسبب في زيادة التوترات الجيوسياسية في المنطقة بشكل عام، إذ لا تتوقف وجهات النظر المختلفة عند اعتبارها عمليات تستهدف الجماعة الحوثية أو حتى النفوذ الإيراني فقط، بل إن بعضها يتجاوز إلى اعتبار أنها تستهدف أيضاً تأكيد للنفوذ الأمريكي الغربي أو إعادة تأكيد على استعادة النفوذ، ومحاصرة النفوذ الصيني الروسي. وإن لم تكن كذلك فهي على الأقل ستثير هواجس وقلق دول كالصين وروسيا، قلق كهذا لن يكون محايداً وسيتصبب أو يكون مصحوباً بردود أفعال ومواقف وسياسات تنافسية مرئية أو غير مرئية.
وبالضد من شعار حماية الأمن البحري الذي ترفعه، إلا أن هذه الهجمات مع ذلك تعرض الملاحة البحرية لخطر أكبر. إن تضرر حرية الملاحة في البحر الأحمر بصورة أكبر مما كانت عليه تعد نتيجة ناجزة لهذه الهجمات، هذا ما تقوله التقارير حول حركة الملاحة والتجارة الدوليتين حتى الآن، فالمخاطر والتهديدات التي تفرضها تسببت بإرباك في خطوط الملاحة وفي زيادة تكاليف التأمين على السفن التجارية، وأدت إلى تشوهات في سلاسل الاستيراد والتصدير. ومن غير المستبعد أن تنتهي أيضاً بتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر بشكل كامل والتسبب باضطراب طويل الأجل للتجارة العالمية.
فالبعد العاطفي للمواجهة، وحالة المكابرة التي تغلفها، والتأييد الشعبي الذي تتحصل عليه الجماعة الحوثية أو تتصور أنها تجنيه تدفعها إلى التصعيد وتبني مواقف أكثر تشدداً، ويغريها على ذلك أيضاً رغبة المهاجمين في عدم توسع الصراع، وما يبدو أنه ضعف في الدعم الإقليمي والدولي لهجماتهم.
وبالإضافة إلى تأثر المنطقة بارتفاع الأسعار، وتضرر سلاسل التوريد والتصدير، تدفع المواجهات في البحر الأحمر وخليج عدن إلى تضرر الثقة بالمنطقة كموقع جاذب للاستثمار، فهي تعطي دليلاً إضافيا على اضطرابها الدائم، وتعزز حالة من عدم اليقين بشأن استقرارها المستقبلي وفرصها الاقتصادية، ما قد يؤثر على خطط الاستثمار وبالتالي على معدلات النمو الاقتصادي. وبكلمات أخرى، تعد هذه الظروف بمثابة اختبار لحذر رأس المال إزاء المخاطر الجيوسياسية. ومن المعروف أن رأس المال بطبيعته "جبان" وينفر من الغموض ويتجنب المخاطر ويفضل الاستقرار ويسعى وراء الأمان، وقد يدفع الحاصل بالمستثمرين إلى إعادة النظر في تخصيص رؤوس الأموال وخططهم الاستثمارية. وفي النتيجة، قد نشهد المنطقة حال استمرت المواجهات وتفاقمت تباطؤاً في النمو الاقتصادي في المنطقة.
إن متابعة تسلسل ردود الأفعال وفهمها أمر حاسم لتوقع مشهد الصراع والتعاون المتطور داخل هذه المجال الجيوسياسي المتقلب، وفهم الانفعالات العسكرية في الشرق الأوسط وتداعياتها المحتملة أمر ضروري لصناع القرار في المنطقة يمكنهم من اتخاذ قرارات أكثر استنارة وتوقع التطورات المستقبلية في المنطقة.
*أحمد علي الأحصب باحث يمني لديه العديد من الأبحاث.
*المادة خاصة بالموقع بوست