[ الخلافات تتسع مع الحوثيين ]
بإمكان موظف إداري، بأقل من درجة نائب مدير عام، أن يلغي توجيهاً صادراً عمن يُفترض أنه يحمل منصب وزير في المؤسسات الحكومية الخاضعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في العاصمة اليمنية صنعاء، حيث تتحول أفكار الجماعة التي كانت يوماً عنواناً مرتبطاً بمحافظة في أقصى شمال البلاد، إلى قرارات وإجراءات في هياكل دولة، لكنها تضع حولها مزيداً من العزلة وتخسر تحالفاتها، بما في ذلك حلفاؤها في "المؤتمر الشعبي العام"، الذي حافظت الجماعة على وجوده كمظلة ومسمى، من دون أي قرار.
في هذا السياق، أوضح مصدر في حزب "المؤتمر" بصنعاء، لـ"العربي الجديد"، أن "حصة الحزب في الحكومة (الانقلابية)، التي كانت شراكة بينه وبين الحوثيين، تحوّلت للحوثيين بعد مقتل علي عبدالله صالح، في ديسمبر/كانون الأول 2017، ولم يعد لحديث بقاء الشراكة أن ينطلي على أحدٍ من المتابعين. لكن الأسوأ من ذلك، أن بقاء وزراء ومسؤولين كانوا ضمن حصة الحزب في الحكومة واستمروا في مناصبهم كنتيجة تحت ما يشبه الوضع الإجباري، لم يعفهم من الإهانات، إذ إن أي وزير أو مسؤول يؤدي دوراً أقرب إلى التمثيل في المنصب، في حين أنه لا يستطيع إصدار أي قرار أو توجيه، إذا ما اعترض عليه أي إداري حوثي، في الوزارة أو المؤسسة".
وأضاف المصدر، الذي كان قريباً من نقاشات ترافقت مع إقرار الحزب تجميد مشاركته في الحكومة، يوم الثلاثاء الماضي، أن "المسؤولين المنتمين للمؤتمر، وإن كانوا قد أصبحوا لا يعملون إلا في إطار توجّه الحوثيين والولاء لهم، إلا أنهم لم يسلموا من الاتهامات الحوثية التي تهمّش أدوارهم وتشكّك فيما يصدر عنهم. بالإضافة إلى كونهم تحت انتقادات مستمرة من معارضي الحوثيين ومن أعضاء المؤتمر خارج سيطرة مناطق الحوثيين، الذين بات الغالبية منهم يجاهر باعتبار الحوثي خصماً عسكرياً وسياسياً، حتى بالنسبة لأعضاء المؤتمر الذين هم جزء من الجهاز الإداري للدولة وانخرطوا مع الحوثيين كسلطة أمر واقع، لا يستطيع أي مسؤول مؤتمري، وإن كان يشغل منصب رئيس الوزراء، كما هو عبدالعزيز بن حبتور، رئيس الحكومة عن حصة المؤتمر، أن يقف في وجه أي إجراء حوثي يستهدف موظفين آخرين من المحسوبين على المؤتمر".
سعى الحوثيون، عقب أحداث ديسمبر الماضي ومقتل صالح، إلى ترسيخ اعتقاد بأن معركتهم لم تكن مع حزب "المؤتمر" بل مع صالح ومن وقف معه ممن وُصفوا بـ"الخونة" أو تورطوا فيما سمّوه "الفتنة". وفي سبيل ذلك، أقنعت الجماعة مسؤولي "المؤتمر" في سلطة الأمر الواقع، بأن عليهم الاستمرار في عملهم، ولكن في واقعٍ أصبح فيه لا قرار سوى للحوثي؛ حتى على مستوى البرلمان الذي كان ورقة لفريق صالح، بصفته صاحب الأغلبية، ورثته الجماعة ودفعته إلى عقد الجلسات لشرعنة قراراتها، وللتأكيد أن "المؤتمر" لا يزال شريكاً معها. وأثناء تفاهمات مع قياداته الموجودة في صنعاء، جرى إطلاق سراح المئات من المعتقلين على ذمة مواجهات ديسمبر الماضي، وأعادت بعض المؤسسات الإعلامية التابعة للحزب، لكن لتعمل بخطاب وتوجه يجعلها لا تُعبّر سوى عما تريده وتفرضه الجماعة.
أما قيادات حزب "المؤتمر" التي بقيت في صنعاء بعد مقتل صالح، وأبرزها النائب الأول لرئيس الحزب، صادق أمين أبوراس، والذي كُلف برئاسته، في وقتٍ لاحق، فكان توجّهها البحث عن مصلحة الحزب وفقاً لمعطيات الأمر الواقع، والأولوية كانت عقب مقتل صالح، هي المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وتسليم المقرات، في مقابل تجاوز مسألة مقتل صالح، والتمسك بالشراكة الشكلية والموقف الذي يصف التحالف بـ"العدوان"، وما إليه من الالتزامات. وبعد مرور أكثر من ستة أشهر، ووفقاً لمصادر مطلعة، مُنيت قيادات الحزب في صنعاء، بخيبة أمل، فلا هي نجحت في التطبيع مع الحوثيين، ولا سلِمت من الاتهامات. وبدلاً عن ذلك، تحوّل "المؤتمر" إلى حزب هامشي، كلفيف من الأحزاب الصغيرة، التي لا وجود لها إلا في تسجيل المواقف وإصدار البيانات.
ومنذ مقتل رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" السابق، صالح الصماد، في إبريل/نيسان الماضي، دخلت علاقات الحوثيين مع بقايا "مؤتمر صنعاء"، مرحلة جديدة، إذ فقدت الجماعة الرجل الذي كان حلقة وصل مهمة بينها وبين "المؤتمر"، وأدى دوراً محورياً بعد مقتل صالح في عقد اللقاءات مع قيادات مؤتمرية ومع وجهاء محسوبين على الحزب، في تقديم التطمينات اللازمة من الوضع الجديد. وفي سبيل ذلك، صدرت عنه تصريحات تعبّر عن عدم الرضى عن مقتل صالح نتيجة ما وصفه بـ"الأحداث المؤسفة" و"الفتنة"، على الرغم من احتفال الجماعة بمقتله.
عقب مقتل الصماد، عيّن الحوثيون خلفاً له في "المجلس السياسي"، واجهة الشراكة، القيادي مهدي المشاط، المحسوب على الجناح المتشدد في الجماعة، على غير ما كان يمثله الصماد، كوجه الجماعة المقرب من الأطراف الأخرى غير المنضوية في صفوفها. ومنذ تعيين المشاط، أصدر سلسلة قرارات، منها تعيين أعضاء في مجلس الشورى، وإنشاء هيئة للزكاة، وغيرها من التعيينات والتوجّهات التي تفرضها، وتترجم من خلالها أفكارها الخاصة وتوجيهات زعيمها عبدالملك الحوثي، وكان آخر قرار منذ أيام، إقالة وزير الصحة المحسوب على "المؤتمر"، محمد سالم بن حفيظ، وتعيين بديل عنه من الجماعة، على نحو بدا معه أن الحوثيين لم يعودوا مهتمين، حتى بادعاء وجود شراكة، ولم يعد هناك بالنسبة لمسؤولي "المؤتمر" قيادي حوثي يستطيعون التخاطب معه والاحتجاج لديه، كصالح الصماد، ومن المنطقي أن "المؤتمر" لم يكن له أي دور في أي قرار خلال الأشهر الماضية، ومن ذلك اختيار مهدي المشاط.
هذا الواقع وغيره من التفاصيل، كما ذكرت مصادر قريبة من الحزب، قاد إلى القرار الذي اتخذه "مؤتمريو" صنعاء في اجتماع يوم الثلاثاء الماضي، بتجميد مشاركتهم في "الحكومة". وفي الواقع، فإنه لا تأثير لبقائهم، إلا حفاظ جماعة الحوثيين شكلياً على ادعاءاتها بوجود شراكة، فيما تقيم أغلب القيادات المؤتمرية في وضع يشبه الإقامة الجبرية. ومع ذلك فإن الجماعة تخسر الكثير، بفقدان شريكها الذي تستخدمه كمظلة للقول إنها لا تزال تحكم بوجود شركاء، خصوصاً بعد الخسائر التي تكبّدتها في المرحلة الماضية، ميدانياً، وخسارتها لقيادي بحجم الصماد، الذي بقدر ما كان مقبولاً لدى "المؤتمرين"، إلا أنه في المقابل، بنظر البعض منهم، كان يقوم بتخدير الحزب.
وبصورة إجمالية، فإن عدم إعلان "المؤتمر" رسمياً تجميد مشاركته في الحكومة، عقب اتخاذ القرار، هو مؤشر مؤخر، على مساحة الحرية شبه المنعدمة بالنسبة لقيادات الحزب الموجودة في صنعاء، إذ تخشى تبعات أي خطوة من هذا النوع في ظل قبضة حديدية للحوثيين، بالإضافة إلى كون عدم الإعلان، بمثابة فرصة للحوثيين للتفاوض مع قيادات الحزب للتراجع عن قرار تعليق المشاركة، ويبقى الأخير أحد الاحتمالات المتوقعة في الأيام المقبلة، لكنه لا يعني، بأي حالٍ من الأحوال، حل الأزمة. فالشراكة لا وجود لها منذ مقتل صالح، وحتى قبل مقتله، وكان مسؤولو "المؤتمر" يشتكون من أن القرار في المؤسسات الحكومية لـ"المشرفين" الحوثيين، الذين يفرضون قراراتهم فقط، في مناطق سيطرتهم، لكن يفقدون مزيداً على صعيد التحالفات المحلية، وبمستوى القبول حتى لدى كان بإمكانهم القبول بالجماعة كأمر واقع.