[ الجزائر تسعى لتكون لها مكانة مركزية في منطقة التبادل الحر الأفريقية ]
على بعد تسعة أشهر فقط من دخول اتفاقية منطقة التبادل الحرة الأفريقية حيز التنفيذ في يوليو/تموز 2020، يسابق 44 بلدا -موقعا حتى الآن- الزمن ليكون في الموعد القاري، للمنافسة على سوق بقيمة 3 تريليونات دولار، حسب تقديرات الخبراء.
وتراهن الجزائر على أن تكون لها مكانة مركزية ومحورية في المبادرة، تبرز دورها الإستراتيجي، باعتبارها ملتقى طرق التبادلات الاقتصادية والإقليمية، وفق تصريحات المسؤولين الحكوميين.
وفي مداخلته منتصف الأسبوع الماضي لدى افتتاح أشغال ندوة حول "رهانات منطقة التبادل الحرة الأفريقية"، تحدث وزير التجارة سعيد جلاب كثيرا عن دور الجزائر في دفع الاتفاقية، مؤكدا أنها ككل الدول التي لديها قاعدة صناعية، ستستفيد أكثر من المنطقة، بشرط أن تتبنى إستراتيجية براغماتية تتميز بالواقعية وتعتمد على تحرير المبادرات الاقتصادية للمتعاملين الوطنيين.
مقابل ذلك، حذر خبراء من أن الجزائر ليست جاهزة بعد لولوج تجربة منطقة التبادل الحر الأفريقية، بحكم أنها خسرت الكثير بسبب اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في ظل عجزها عن الموازنة بين ما تصدره وما تستورده من شركائها.
ورغم تبني الخطاب الرسمي منذ عقود لضرورة بناء اقتصاد إنتاجي متوازن، فإن الجزائر تعاني من ضعف صادراتها خارج المحروقات، فهي لم تتجاوز مليارين و830 دولار خلال 2018، وأغلبها تمثل مواد نصف مصنعة.
نتائج مبشرة
يعتبر مصطفى بن بادة، الوزير السابق للتجارة، أن الاندماج الاقتصادي القاري محور إستراتيجي في سياسة الجزائر الخارجية بعد التجارب غير المجدية للاندماج العربي والإقليمي.
وقال للجزيرة نت إن الجزائر تسعى من خلال ذلك إلى تثمين الاستثمار السياسي في القارة الأفريقية، في حين فضلت دول أخرى ترسيخ مكاسبها الاقتصادية رغم ضعف دورها السياسي.
ويؤكد بن بادة أن سياسات التنويع الاقتصادي التي انتهجتها الجزائر في السنوات الأخيرة بدأت تعطي نتائج مبشرة، من خلال فائض إنتاج قابل للتصدير وذي قدرة تنافسية في قطاعات عدة، مثل المنتوجات الكهرومنزلية والإلكترونية ومواد البناء وبعض المنتوجات الزراعية.
غير أن التحديات أمام بلوغ أهداف هذه الخطوة تبقى قائمة، على اعتبار المنافسة المتنامية التي تشهدها الأسواق الأفريقية من قبل بعض القوى الاقتصادية الكبرى، مثل الصين والهند وتركيا وغيرها، وفق المتحدث ذاته.
نقمة لا نعمة
يتأسف الخبير الاقتصادي كمال رزيق كون الجزائر لم تحضر نفسها بشكل جيد، ولم تهيئ مؤسساتها واقتصادها للمنافسة على التصدير، فهو هش ويعاني من تحديات كبيرة، خاصة ما يتعلق بقابلية المنتوجات المحلية للتنافس، بسبب اعتمادها الكبير على المواد الأولية، أو قطع الغيار المستوردة، مما يجعل تكلفتها غير متحكم فيها، وبالتالي الصعوبة أن تكون تنافسية.
وقال للجزيرة نت إن الاقتصاد الجزائري يعتمد على نموذج مرتبط بمشكلة التمويل بالعملة الصعبة، التي هي رهينة تقلبات أسعار النفط في العالم.
وأضاف أن ضعف الاقتصاد "الريعي" في الجزائر واعتماد الصناعة على المواد الأولية المستوردة، كلها عوامل تجعلها غير قابلة للتنافس خارجيا وغير معروفة.
وأوضح أن منطقة التبادل الحر ستسمح للمنتجات الأفريقية بمنافسة المنتوج المحلي، وتجعل الجزائر سوقا لسلع دول كبرى في القارة مثل مصر والمغرب ونيجيريا وغيرها، مما يرفع فاتورة الاستيراد بدل رفع مداخيل التصدير.
وكل تلك التحديات تجعل البلد في النهاية رهينة الاستيراد، بما فيها المواد الأولية، ليشكل فتح السوق للمنتوجات الأجنبية تحديا كبيرا لما هو جزائري، ويحول هذه المنطقة من نعمة مرجوة على اقتصاد الجزائر إلى نعمة محققة، على حد تعبيره.
قرارات جريئة
يشدد الوزير السابق للتجارة بن بادة على مصاحبة الخطوة بإرادة سياسية قوية، وبقرارات جريئة لضمان نجاحها، من قبيل إنشاء فروع لمصارف وطنية في أفريقيا، واستحداث آليات ناجعة لمراقبة الجودة عبر الحدود، والتأكد من منشأ السلع المستوردة، مع مواصلة الاستثمار في البنى التحتية للنقل، خاصة البري منه.
وتبقى النتائج المرجوة من هذه العملية مرهونة، حسب المسؤول الحكومي السابق، بإطلاق سياسات جديدة لتطوير الاستثمار و تحرير المبادرات و تسهيل الإجراءات الإدارية، مع تنويع و تكثيف الإنتاج الصناعي و الزراعي، والخدمات القابلة للتصدير، من أجل كسب معركة التنافسية.