دعا خبراء إلى اعتماد مدينة إسطنبول التركية عاصمةً للاقتصاد الإسلامي، في ضوء اهتمام الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته والجامعات ومراكز البحوث بالاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية. وأكدوا أن تركيا تمتلك الكثير من المقومات التي تجعلها عاصمة حقيقية لهذا الاقتصاد.
ومن الدعاة لهذا الأمر الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القرة داغي، الذي كان يتحدث اليوم الإثنين، خلال افتتاح مؤتمر "المصارف الإسلامية بين فكر المؤسسين وواقع التطبيق"، الذي نظمته الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، في إسطنبول.
وأشار القرة داغي إلى أن المصارف الإسلامية بدأت منتصف سبعينيات القرن الماضي برأسمال 20 مليون دولار، وبمنتج مصرفي واحد هو عقد المرابحة، لكن بعد أكثر من 4 عقود، بلغت أصول التمويل الإسلامي 3.4 تريليونات دولار، ما يمثل 3% من صناعة التمويل على مستوى العالم، وقد تحقق هذا النجاح على رغم أن المصارف الإسلامية لا تقف وراءها دولة، ولا تتبناها جهة تشريعة أو بنوك مركزية.
وأضاف القرة داغي أن المصارف الإسلامية تجاوزت مرحلة التجربة، وأصبحت نظرية وواقعاً، فأحيت فقه المعاملات، وعكست مسلمة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، بعد أن كان بعضهم يصرح بأنه لا يمكن أن تنجح هذه التجربة وستكون نتيجتها هي الخسارة بلا جدال، لأنها تعتمد على تشريع مضى عليه 1400 عام، ولكن النتيجة كانت انتشار البنوك الإسلامية في عدد كبير من دول العالم، وأثبتت الأزمة المالية العالمية سلامة وجدارة الأسس التي تقوم عليها المصارف الإسلامية، ما دعا الغرب وغيره من الدول إلى الأخذ بقواعد المصارف الإسلامية، وتدريس الاقتصاد الإسلامي.
وطالب القرة داغي المصارف الإسلامية بمراجعة أدائها لتلاشي سلبيات التجربة، ومنها ارتفاع تكلفة التمويل بالمصارف الإسلامية مقارنة بالمصارف التقليدية، وأن تطور منتجاتها بما يتناسب ومتطلبات العصر، مستشهداً بما ابتكره الإمام أبو حنيفة بشأن عقد الاستصناع، حيث إنه لم يكن معروفاً من قبل، لكنه اجتهد لييسّر على الناس تعاملاتهم المالية والاقتصادية.
وأشار القرة داغي إلى الجهود التي تبذلها تركيا للتوسع في الاقتصاد الإسلامي والمصرفية الإسلامية، مستشهداً بدعوة الرئيس أردوغان إلى الاستفادة من الاقتصاد الإسلامي، ومعارضته ارتفاع سعر الفائدة، وتحميل ارتفاع سعر الفائدة الكثير من المشكلات الاقتصادية التي تشهدها تركيا.
أما كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي، عمر الفاروق قرقماز، فأكد أن الواقع هو الذي يؤكد نجاح الأفكار والتجارب، ودعا الحاضرين من المتخصصين في الاقتصاد والمصارف الإسلامية إلى إعمال الاجتهاد لتلبية احتياجات العصر، وأن تعدد الاجتهادات يؤدي إلى إثراء التجارب.
وسأل قرقماز: "لماذا لا تفكرون... في تكوين صندوق عالمي لتمويل مشروعات التنمية وتلبية احتياجات البلدان الإسلامية؟ وليكن مقره إسطنبول مثلاً". وشدد على أنه ما لم يكن لدى هذه المؤتمرات مشروعات ينتفع منها المجتمع فلا فائدة منها.
أما عن دور المصارف الإسلامية كما وضعه الآباء المؤسسون، فقد حدده رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي أشرف دوابة بثلاثة محاور هي الوساطة الاستثمارية، والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية، والمساهمة في تحقيق التنمية الاجتماعية.
واستنكر دوابة ما يقوم به بعض المصارف الإسلامية من استثمار في أدوات الدين الحكومي، وإدراج ذلك في ميزانياتها، بناء على فتوى إباحة التعامل بسعر الفائدة، والذي هو عين الربا.
ومن السلبيات التي وقع فيها بعض المصارف الإسلامية استبعاد مدخرات صغار المدخرين، والذين لم يجدوا سوى مكاتب البريد التي تجبرهم على التعامل بالربا من خلال سعر الفائدة، مشيراً إلى أن تجربة بعض المصارف الإسلامية تبين أن صغار المدخرين الذين تم استبعادهم كانوا هم من ساندوا المصرف إبان مروره بأزمة مالية.
كما عدّد دوابة مظاهر أخرى من السلبيات التي تعيشها المصارف الإسلامية، ولكنه ذكر أن بعض السلبيات يقع نتيجة ضغوط فنية، مثل التركيز على الاستثمارات قصيرة الأجل، والتي تأتي نتيجة للتوسع في قبول الودائع قصيرة الأجل.
وطالب دوابة المصارف الإسلامية بضرورة الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية، لأنها كانت أحد أهم المحاور التي أسس عليها آباء التجربة بالدعوة إلى الدخول في إنشاء المصارف الإسلامية، كما طالبهم بضرورة أن يصاحب ذلك ما سماه "المسؤولية الاستخلافية"، واستحضار هذا المعنى في كافة ممارساتها المصرفية والمالية.