تمثل العلاقات الخليجية المتوترة مع إيران أحد الإشكاليات الكبرى التي تواجه مجلس التعاون الخليجي، خاصة أن هذا الملف يتداخل مع الكثير من القضايا التي تلقي بظلالها على أزمات المنطقة لاسيما السورية واليمنية واللبنانية.
ومع ذلك فإن حدة الخلاف مع إيران تتفاوت بين دول الخليج الست فذروتها مع المملكة العربية السعودية وأقلها مع سلطنة عًمان، فيما تحاول قطر موازنة علاقتها مع طهران ومتطلبات مجلس التعاون الخليجي، وهو ما يظهر جليا في التصريحات التي يطلقها الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد، بين حين وآخر بشأن تلك العلاقات والدعوة إلى الحوار لحل الأزمات.
وجاء اتصال الأمير القطري بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، لتهنئته بعد الأضحى الماضي (12 سبتمبر/أيلول الجاري)، ليطرح تكهنات وتساؤلات مفادها: هل يًمكن لقطر أن تقود وساطة بين دول الخليج مع إيران لإرجاع العلاقات إلى حالة من الهدوء؟.
ويزداد احتمال ذلك مع تأكيد الأمير القطري في حديثه مع روحاني، على أنه من الممكن تسوية أية خلافات خليجية إيرانية عن طريق التفاوض والحوار؛ وأن تلك العلاقات ترتكز على مبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل.
وسبق أن صرح الأمير القطري بأن الخلافات بين إيران ودول الخليج العربية "سياسية بالأساس وليست مذهبية"، وهي رؤية مخالفة لنظيراتها في دول خليجية.
وتشهد العلاقات السعودية الإيرانية منذ بداية العام الجاري (2016) توترا ملموسا إثر اعتداء بعض المتظاهرين الإيرانيين على مقار البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد في 2 يناير/كانون الثاني 2016، وذلك عقب إعلان الرياض تنفيذها حكم الإعدام في رجل الدين الشيعي السعودي، نمر باقر النمر، الأمر الذي انتهى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين واتخاذ غالب دول الخليج مواقف احتجاجية ضد إيران.
وتأزمت العلاقات أكثر مع الاتهامات المتبادلة بين الجانبين الإيراني والسعودي بشأن منع الحجاج الإيرانيين من أداء الفريضة، وهو ما ردت عليه الرياض وقتها بأنه "تسييس" للقضية، وأن الجانب الآخر هو المتسبب في ذلك.
إلا أن السبب الرئيسي الذي سيظل هاجسا في العلاقة المضطربة بين الخليج وإيران، هو قلق دول الخليج إزاء الخطط الاستراتيجية لإيران حيال المنطقة، وما يعتبروه تدخلا في شؤون الدول الأخرى.
لذلك يمكن النظر للعلاقات الخليجية الإيرانية من عدة زوايا مختلفة أهمها؛ الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، ودور طهران الجيوسياسي في الأزمة السورية وتحالفها القوي مع نظام بشار الأسد، إضافة إلى معارضتها لقيادة السعودية تحالفا عسكريا عربيا في اليمن، والاتهامات لها بدعم جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وكذلك تغلغلها الخفي داخل أركان الدولة بلبنان من خلال "حزب الله" الشيعي.
ونظريًا تمتلك قطر المؤهلات للقيام بهذا الدور الوسيط بين الدول الخليجية بقيادة السعودية من جانب، وبين إيران من جانب آخر؛ حيث سبق لها أن أدت دورًا جيدًا كحلقة وصل أو وسيط بين عدة قوى إقليمية وأخرى دولية، إضافة إلى امتلاكها علاقات قوية ومتوازنة مع أطراف متناحرة، الأمر الذي يتيح لها التموضع كوسيط في العديد من النزاعات؛ وغيرها من النزاعات المعقدة التي لعبت قطرًا دورًا محوريًا في حلها.
ويرجع ذلك إلى الإمكانات الدبلوماسية والعلاقات القطرية القوية؛ حيث تتبنى قطر في سياستها الخارجية مبدأ الوساطة والحياد فيما يتعلق بجميع القضايا في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، قال جمال عبد الله، الأكاديمي والخبير في الشؤون الخليجية، في حديث للأناضول، إن اتصال الأمير القطري بروحاني وتركيزه على دعوة إيران والخليج لطاولة الحوار هي "مساع متكررة؛ حيث دعا الأمير القطري دول الخليج وإيران لحوار تستضيفه الدوحة، وفي حينها رحبت إيران بذلك ولكن رفضته السعودية والإمارات".
وأضاف أن ذلك "نبع من رؤية السعودية بأن الوقت ليس موائماً لفتح ملف الحوار مع إيران، في ظل تمركزها في لبنان وسوريا واليمن"، لافتا إلى أن الرياض ترى أن الخلاف مع طهران "سياسي عقائدي مذهبي وليس سياسي فقط، فالسعودية ترى أن إيران تسعى لتأجيج الطائفية في المنطقة."
وأشار إلى أن "الطرف الإماراتي يرفض بشكل قاطع أن يحضر في أي حوار في ظل احتلال إيران الجزر الثلاثة الإماراتية (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى)، التي ترى أنها من حقها".
وتقع الجزر الثلاث في مضيق هرمز، عند مدخل الخليج العربي، وسيطرت عليها إيران عام 1971 مع انسحاب القوات البريطانية من المنطقة.
ولفت عبد الله، إلى أن "مستويات النظام المختلفة في إيران، النظام السياسي والديني والتشريعي، تشكل صعوبة حادة على المفاوض الخليجي الحائر حول مستوى النظام الإيراني الذي يمكن له التفاوض معه".
من جانبه، بيّن مروان قبلان، مدير تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (مقره الدوحة)، إن الأمير القطري طرح في خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2015 أن تستضيف قطر حواراً خليجياً ً- إيرانياً إذا وافقت الأطراف المعنية.
واعتبر قبلان أن الاعتداء على السفارة السعودية في طهران وإحراق القنصلية في أصفهان ثم قطع العلاقات الدبلوماسية وأزمة الحج وغيرها، من العوامل حالت بمسألة التحاور بين الطرفين إلى طريق مظلم.
وبحسب ما يُشير إليه، فإن مناصرة قطر مع المملكة العربية السعودية وسحبها لسفيرها من طهران، بصفتها دولة عربية جارة وعضو في مجلس التعاون الخليجي، قد يجعلها طرف في النزاع ويكون عقبة في كونها تبدأ هذا الحوار.
ولكن بالرغم من ذلك، إلا أن قبلان شدد على أن قطر مؤهلة للقيام بدور الوساطة بين دول الخليج وإيران، عازياً ذلك إلى كونها تحتفظ تاريخيا ًبعلاقات جيدة مع طهران، ولها باع طويل في الوساطة وحل النازعات بشكل بارع وناجح.
وعلى مدار السنوات العشر الماضية، بدا سجل الوساطات القطرية حافلاً، حيث أنجزت الدوحة العديد من الملفات الناجحة الإقليمية والدولية في هذا الإطار.
وتباينت الوساطة القطرية على مستويين، أولها التدخل على مستوى الصراعات بين دول متنازعة، أو دول وجماعات، كما هو الحال بين دولتي جيبوتي وأرتيريا منذ العام 2008، وملف الهدنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال الحروب التي شنتها الأخيرة على قطاع غزة في الأعوام 2009، و2012، 2014.
بينما تجلّى المستوى الآخر من الوساطة، في التدخل بين حكومات وقوى معارضة وأقليات في ذات البلد، إذ عملت قطر على استضافة حوارات مصالحة في العاصمة الدوحة، وذلك مثلما فعلت في المصالحة الفلسطينية بين حركتي "فتح" و"حماس"، والمصالحة الأفغانية بين الحكومة وحركة "طالبان"، فضلاً عن ملف النزاع في إقليم "دارفور" بين الحكومة والمعارضة المسلحة غربي السودان.
كما أنجزت الدوحة مهمات عديدة في مسألة الإفراج عن أسرى (بين جيبوتي وارتيريا خلال العام الجاري) وتحرير رعايا أجانب وعرب، كانوا محتجزين لدى جماعات ومنظمات مسلحة - لأسباب مختلفة - في العديد من البلدان، منها سوريا والعراق على سبيل المثال وليس الحصر.