صحيح أنه لا معنى للوحدة، الفكرة والجغرافيا والمبدأ، في ظل بقاء وسيطرة الحوثي على شبر واحد في البلاد، فضلا عن مناطق ومدن، لكن ليس جديدا ولا سرا القول أن بقاء هذه الجماعة العرقية بهذا الشكل هو متفق عليه، هو جزء من لعبة باتت مفضوحة ومكشوفة، هو مبرر لتقسيم وتمزيق اليمن، وقد أثبتت الأحداث التاريخية، القديم منها والحديث، أن نزعة التشظي والفرقة والتمزق هو ما تراهن عليه الجالية الإمامية، وتعتمد عليها في البقاء والإستمرارية.
 
لا أحد يهمه أمر الوحدة، على الأقل في ظل الضخ الإعلامي ضدها وحملات التمويل والبيع والشراء، ولم تعد تغري أحد للتمسك بها، وإن حدث وتمسك بها الناس فليس أكثر بالتمسك بالأمل، بفكرة التكتل الواحد، واليمن الكبير، خاصة والعصر عصر التكتلات والحزمة الواحدة، وباتت القرارات والأفكار الواحدة تستهوي الدول وتتنازل عن كل شيء مقابل الحصول على شيء كهذا.
 
لكن لا أحد اليوم يضحك على الناس ويستغفلهم، لا أحد يربط مصير شكل الدولة بفشل النخب الحاكمة، كما أننا لسنا سذّج إلى هذا الحد، ليقنعنا أحد بالتخلي عن فكرة الجمهورية والوحدة أو تأجيلها، أو التعايش مع صيغ خارجة عن جوهريتها، لصالح تخليص اليمن من المشروع الإيراني والوجود الحوثي، لأننا نعرف والجميع يعرف أنه بالإمكان، تحرير البلاد في ظل هذه المعادلة الوطنية، وأصلا من غير المنطقي هذا الخلط والتدليس.
 
إن الخفّة التي يتعامل بها من تم شراؤهم مع فكرة الوحدة أو الجمهورية، لا تقنع أحدا بشيء، ولا تؤهل حتى للنقاش أو حتى الأخذ والرد، لأن هذه الجوتقة مجرد ممولة، تعرض للجمهور المنتج الذي يصنعه سيد النعمة ووالي المكافئات، وهذا بحد ذاته ينزه الفكرة التي جيء بهؤلاء التافهين لتشويهها في الذهنية، وجعل الناس يتعاملون مع ما يقولونه أنه حقيقة أو شيء ذو قيمة.
 
كما أنه من المفارقة أن هذا الصوت المرتفع اليوم ومنذ 2015، صنيع الخارج، مشروع صُنع لهدف لا علاقة له بالداخل على الإطلاق، وهو صوت احتكر تمثيل الجنوب، وأسكت كل الأصوات الأخرى، بلا رؤية ولا أفق إلا بقدر ما حدده له الخارج، لذلك رأيناه يتناقض مع نفسه، يبيع الشعارات، وينافس على العنف، وهذا يكفي لإن نعرف ونفهم طبيعة كل ما حدث ويحدث حتى اليوم.
 
منذ 2011، الحدث التاريخي الفاصل المتمثل في ثورة 11 فبراير المجيدة، وقضية الجنوب أعدل القضايا وأنزهها، خصص لها منتديات للنقاشات، ومسيرات وجُمعات باسمها، ثم كان الحوار الوطني تتويجا لمسيرة الإصلاح والتغيير، فتم إنصافها كما ينبغي ويجب، ومنذ تلك اللحظة والحكم كليا انتقل بكل ثقله نحو الجنوب، وهو تأكيدًا شعبيا على عدالة هذه القضية، واعترافا لهم بالفضل والحق، وهذه البداية.
 
في الأخير الحل الأسلم والأعدل، والذي يحافظ على يمن واحد وكبير يصونه السلام الدائم والإستقرار المستدام، يبدأ بالحفاظ على المرجعيات، وهذه الرؤية لا يمكن صياغتها خارج إطار التوافق الوطني الذي يجتمع فيه كل القوى، وقد حددتها مخرجات الحوار الوطني التاريخية، وهذه تقودنا جميعًا إلى دولة اتحادية، الحل الناجع الذي يجنبنا المغامرة والانتحار السياسي على مذبح المصالح الخاصة، والمشاريع الصغيرة القادمة من الخارج، والموهومة بالعودة للماضي.