حاولت أتفاءل بالمجلس الرئاسي لكن ما استطعت، بداخلي صوت مغاير، وهذا الصوت هو الأصوب، لأنه مبني على قرائن ودلائل ومعلومات، وهو الصوت الذي يمثلني ويعبر عني، حدسي لم يخذلني يوما، وكنت في كل مرة أحس بشيء ما، يثبته الواقع حرفيا، ولهذا كل شيء أمامي اليوم مجرد مثاليات مفرطة مدفوع لها، وسخف جماعي يراد له أن يتثبت في الواقع والذهنية الجمعية.
الخفة في التعامل مع المرجعيات والثوابت الوطنية، والميوعة تجاه القضايا المصيرية، والتلاعب بالألفاظ بما يخص الجمهورية والوحدة، هو ما جعلني أحكم على المجلس الرئاسي بأنه مشوه وغير بريء، وهذا ليس من السياسة في شيء، كما أن المبالغة في شعارات وحدة الصف على حساب التصالح مع من يدوس على العلم الوطني، ويستحقر مفردة الجمهورية، على سبيل المثال، كلها وسائل تؤكد أن هناك نية مبيتة ستسحق كل هذا وتتجاوزه.
بالأمس أقسم المجلس القسم الدستوري، وهو قسم لا يختلف حوله اثنان، حضر العلم والنشيد الوطني والصقر الجمهوري، وكان لهم الحضور الكبير والأسمى، لكن كان لـ "عيدروس الزبيدي" قَسم آخر، التصرف الطفولي تعامل معه الجميع بخفة عجيبة، وكالعادة حضرت شعارات وحدة الصف، وبرغم أن فعل كهذا فيه سفور وتعد على الثابت الوطني، إلا أن ما يغفر هذه الخطيئة هو حضور العلم ونشيد "رددي أيتها الدنيا نشيدي"، وردة الفعل الرسمية سنتركها للتاريخ.
سمعت وقرأت خطاب الرئيس "العليمي"، كانت كلمة جيدة، حدد فيها الأولويات، لكنها لم تخل من الأجندات، وجعلت مخاوفي تتطور إلى اليقين بوجود لعبة في الكواليس تستهدف النظام الجمهوري والوحدة، ذكر كل شيء تماما، لكن غابت تماما مفردة "دمج كل القوات المسلحة ضمن إطار وزارتي الدفاع والداخلية"، اكتفى بالتأكيد على دعم الجيش والأمن والحفاظ عليهما، هكذا ولم يتطرق لإعادة الدمج وجعل كل القوات نظامية.
وهنا لو جاز لي أن أسأل، خرج المطبعون للمجلس فرحين، قالوا أن وجود كل قيادات التشكيلات المسلحة على رأس هرم المجلس الرئاسي سيساعد على حل إشكالية تعدد القرارات وعدم تبعية هذه التشكيلات للقوات الرسمية، وأن هذا سيساهم في دمجها ضمن هذا الإطار، فلم لا يتطرق لهذه الإشكالية أحد منهم؟ ولم أصلا ذكرها محظور حتى في الخطابات السياسية والعسكرية؟ أم أن كل هذه القوات ستبقى كما هي عليه؟ وكل تشكيل اشترط عدم المساس بقواته؟!
لا أحد ضد نجاح هذا المجلس الرئاسي الوليد، والجميع يتمنى ويأمل أن تخيب كل التوقعات والتخوفات والتوجسات، أتمنى أن يكون كل شيء عكس هذا الذي أقوله، ووقتها سأقف إجلالًا واحترامًا وسأعتذر بشجاعة، لكن هناك أسئلة تحتاج لإجابات شافية، والخوف أن كل الذي في البال اليوم يصبح واقعا وحقيقة غدا، ووقتها لا ينفع البكاء ولا الندم، وسيكون الثمن فادحا، والكلفة أضعف، والله المستعان.
حفظ الله اليمن، حفظ الله مأرب وتعز..