[ جنود من الجيش الوطني في الحديدة ]
نشرت مجلة " فورين أفيرز الأمريكية" مقالا تحليليا للكاتب بيتر سالسبيري بعنوان "الجبهة الجديدة في اليمن" تناول فيها المعركة المرتقبة في الحديدة وطموح الإمارات في حال نجح التحالف في السيطرة على ميناء ومدينة الحديدة.
وقال سالسبيري إنه طوال ثلاث سنوات، ظلت الحرب عالقة في جمود شديد، وإن حملة (النصر الذهبي) التي أطلقتها الإمارات في 13 يونيو هدفت لكسر ذلك الجمود عن طريق الاستيلاء على ميناء الحديدة من المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على معظم الساحل الغربي والمرتفعات الشمالية.
وقال الباحث في معهد تشاتام هاوس ومستشار الأزمات الدولية في اليمن في المقال الذي ترجمة " الموقع بوست " إن أهداف المعركة المرتقبة لم تقتصر على كسر ذلك الجمود فحسب خصوصا بالنسبة للإمارات التي ترى في الحملة فرصة لكسب اليد العليا في اليمن، كما أنها ترى في ذلك فرصة لتعزيز الأحزاب التي تريد أن تصدرها في تسوية سياسية في نهاية المطاف.
ويلفت الكاتب إلى أن أي هجوم ناجح على أكبر ميناء في البلاد من شأنه أن يغير مسار الحرب، لكن ذلك كله يمكن أن يحدث بتكلفة باهظة.
وأضاف الكاتب بأنه على الرغم من وعود التحالف العربي بتحقيق نصر سريع، لكن سرعان ما ركد القتال، وأخفقت الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية سياسية، ما أدى الى انهيار محادثات السلام الأخيرة في عام 2016، وفي الوقت نفسه، تدهور الوضع الإنساني بشكل كبير.
وأفاد بأن الحرب الأهلية في اليمن بدأت في سبتمبر 2014 عندما سيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة، وأن تصاعد هذا الانقلاب الممتد في مارس 2015، أدى إلى تدخل تحالف عسكري بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة الحوثيين، الذين يرون أنه وكيل إيراني.
قلب موازين القوى
ويشير الكاتب إلى أن استعداد كل الأطراف لأكبر معركة حرب حتى الآن، وزعم القوات المدعومة من الإمارات العربية المتحدة ، حليف التحالف الرئيسي في المملكة العربية السعودية أنها استولت على مطار الحديدة، الذي يقع على مشارف المدينة، من شأنه أن يغير اتجاه الحرب، ويقلب موازين القوى على الأرض ويؤثر بعمق على أي تسوية سياسية مستقبلية.
ويرجح بأن هذه النتيجة ستكون جذابة بشكل خاص لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي ترى الحملة كفرصة لكسب اليد العليا في اليمن، لكن بالنسبة للمدنيين اليمنيين فإن التوقعات لا تزال قاتمة ما لم تتمكن الأمم المتحدة من التوصل إلى اتفاق بين الحوثيين والتحالف قبل بدء القتال بشكل جدي، مالم فإن أفقر اليمنيين هم الذين سيدفعون الثمن الأكبر.
فترة طويلة قادمة
وقال الكاتب إنه وعلى الرغم من أن المراقبين غالباً ما يركزون على المملكة العربية السعودية ، إلا أن الإمارات تقود حملة الحديدة، خلال حرب اليمن، أظهرت الإمارات نفسها كقوة عسكرية ذات كفاءة مدهشة، وفي عام 2015 ، على سبيل المثال، ساعد الإماراتيون الجماعات الانفصالية في الجنوب على دفع الحوثيين وحلفائهم للخروج من مدينة عدن الساحلية.
واستدرك حديثه بالقول: لكنه على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصبح المسؤولون في أبو ظبي يشعرون بالإحباط على نحو متزايد بسبب عدم إحراز تقدم على الأرض، وباتوا يعتقدون أن مهاجمة الحديدة هي الطريقة الوحيدة لكسر الجمود وإجبار الحوثيين على إنهاء الحرب وفق شروط التحالف.
وأشار إلى أن الإعداد لمعركة الحديدة كان يتم منذ سنوات، ففي عام 2016، طرح الإماراتيون هجومًا بحريًا على الميناء، لكن الولايات المتحدة رفضت المناورة، التي اعتقدت أنها شديدة الخطورة، وبدون أي عائق قامت الإمارات بتدريب وتجهيز ما يصل إلى 25 ألف جندي يمني للاستيلاء على الميناء برا، منذ أوائل عام 2017، وكانت هذه القوات تتقدم بثبات على طول ساحل البحر الأحمر باتجاه الحديدة، وينتشر معظمهم الآن على طول ساحل تهامة أو في قاعدة عسكرية في أريتريا المجاورة.
وذكر بأنه تم تعزيز القوات المدعومة من الإمارات من قبل الحرس الجمهوري، وهي قوات النخبة السابقة في اليمن التي كانت من الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، لكن في ديسمبر / كانون الأول الماضي انهار التحالف، مما أدى إلى قتال شوارع صنعاء ومقتل صالح على يد الحوثيين.
وقالت المجلة إن مقتل صالح وضع نهاية لأي مقاومة داخلية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثي، ولكنها سلبت أيضاً المتمردين من الشرعية السياسية التي اكتسبوها من التعاون مع المؤتمر الشعبي العام الموالي لصالح، وهو أكبر حزب برلماني في اليمن.
وتابعت "إذا نجح التحالف في الاستيلاء على الحديدة، فإنه سيحرم الحوثيين من مئات الملايين من الدولارات من الرسوم الجمركية وغيرها من أشكال الإيرادات، التي يستخدمونها كالمجهود الحربي، كما يعتقد التحالف أن خسارة الحديدة ستقطع الطريق الرئيسي لتهريب الأسلحة، رغم أن عددًا من الباحثين، بما في ذلك فريق خبراء الأمم المتحدة، توصلوا إلى أن هناك القليل من الأدلة على أن الميناء يستخدم لتهريب الأسلحة.
ويفترض الكاتب أن الحوثيين لن يتم القضاء عليهم دون قتال بالطبع، لافتا إلى رغبة الحوثيين في جعل معركة الحديدة مكلفة طويلة قدر الإمكان، وهو ما جعل الإمارات تستعد أيضا لشن حرب قاسية.
طموح الإمارات
يقول الكاتب إنه قد تكون هناك أسباب أخرى وراء أهمية الحديدة بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، غالبًا ما يتم تصوير الحرب الأهلية في اليمن على أنها قضية من جانبين، ولكنها في الواقع أكثر تعقيدًا، حيث ترى الإمارات العربية المتحدة أن هجوم الحديدة ليس فقط طريقا لكسر الجمود، بل أيضاً فرصة لتعزيز الأحزاب التي تريد أن تصدرها في تسوية سياسية في نهاية المطاف.
ويرى الكاتب أنه ومنذ بداية الحرب، دعمت الإمارات في المقام الأول الجماعات الانفصالية الجنوبية والسلفية، وبالتزامن، ألقت المملكة العربية السعودية بثقلها خلف الرئيس المعترف به دوليًا عبد ربه منصور هادي وكوكبة من القوى القبلية والعسكرية والسياسية المرتبطة بحزب التجمع اليمني للإصلاح.
ولفت المقال الى أن التوترات بين مختلف القوى المدعومة من التحالف أعاقت مجمل الجهود الحربية، خاصة في مدينة عدن الجنوبية، حيث هاجمت القوات الانفصالية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة حلفاء هادي في يناير، وفي تعز اشتبك المقاتلون التابعون للإصلاح بالمثل مع نظرائهم المدعومين من الإمارات العربية المتحدة، مشيرا إلى أن هذه المعارك الداخلية منعت قوات التحالف من تشكيل جبهة موحدة ضد الحوثيين.
وقال بأن محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي والقائد الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة يرى أن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر "بوابة للتطرف" ويعتبرها واحدة من أخطر التهديدات الأمنية في المنطقة، ونتيجة لذلك فإن بن زايد ودائرته غير راضين عن احتضان هادي للإصلاح، حيث يرتبط حلفاء الرئيس الرئيسيون في الشمال بالحزب، ونائبه وقائد القوات المسلحة، علي محسن الأحمر، ومن المعروف أن لديهم تعاطف مع الإسلاميين.
وتمثل القوات المشتركة التي تقاتل في طريقها إلى الحديدة تحت توجيه دولة الإمارات نوع الكيانات التي ترغب الإمارات في رؤيتها بعد الحرب، وهي القوات المحلية مثل مقاومة تهامة والانفصاليين الجنوبيين، والسلفيين، وفق الكاتب.
ويتابع أنه في حال سيطرة دولة الإمارات العربية المتحدة على الحديدة، فإنها يمكن أن تملي من يدير المدينة، وبالتالي سيكون أحد المرشحين المحتملين للقيادة هو طارق صالح، ابن أخ الرئيس السابق، الذي يقود الحرس الجمهوري، و إذا ما تم هزيمة الحوثيين، فإن صالح يمكن أن يصبح رمزا لحزب المؤتمر الشعبي العام.
وبالتالي يشير الكاتب إلى أن السيطرة على الميناء ستعطي دولة الإمارات العربية المتحدة يدا أقوى في المفاوضات السياسية المستقبلية، التي يمكن أن تستخدمها لتقويض الحوثيين والإصلاح، ربما سيقبل السعوديون بذلك، فهم يقدرون التقدم على الأرض وعلاقتهم مع الإمارات أكبر مما يفعلون مع الإصلاح، الذي يعتمد بشكل كبير على الرياض للحصول على الدعم.
ولفت الكاتب إلى المشككين الذين يشيرون إلى ميناء عدن، الذي يشرف عليه التحالف ويخضع بصورة علنية لسيطرة حكومة هادي منذ منتصف 2015 والذين قال بأنهم يعتقدون أنه ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أنَّ الحديدة ستكون آمنة ومدارة بشكل جيد بعد الهزيمة الحوثية.
الحل السياسي
ومع كل هذه التصورات لوضع الحديدة بعد الحرب، تقول المجلة، إن أفضل سيناريو للحالة هو التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحوثيين والتحالف من شأنه أن يجنبنا معركة مدمرة للميناء، وربما حتى يفتح إمكانية إجراء جولة جديدة من محادثات السلام.
ويصر التحالف علنا على أن يتخلى الحوثيون عن السيطرة الكاملة على كل من الميناء والمدينة، وقد تكون ذلك أكثر مرونة - بحسب الكاتب- لكن مع ذلك، يواجه غريفيث صراعا قويا لمنع المعركة، إذ منحته دولة الإمارات العربية المتحدة أسبوعًا تقريبًا لإقناع الحوثيين بالموافقة على شروط الائتلاف، وفي 27 يونيو، التقى غريفيث مع هادي، الذي عاد مؤخرا إلى عدن بعد غياب لمدة عامين، وكرر هادي موقف التحالف من أن الاتفاق لن يكون ممكنا إلا إذا وافق الحوثيون على الانسحاب الكامل من المدينة، لكنه أضاف أن هذا من شأنه أن يكون بداية جديدة للمفاوضات.
وقال سالسبيري إنه إذا لم ينجح غريفيث، فهناك إجماع واسع على أن المعركة ستكون طويلة ومرهقة، لكنها ستنتهي على الأرجح مع استيلاء التحالف على الميناء والمدينة، ومن شأن هذا التحول في الأحداث أن يفيد الإمارات، ويتوقع البعض أنه إذا نجح الإماراتيون في الاستيلاء على الحديدة، فقد يوجهون انتباههم إلى تعز، حيث يستطيعون طرد الحوثيين وإبعاد توازن القوى عن كليهما، (الحوثيون والإصلاح)، وعند هذه النقطة، سيكون لدولة الإمارات العربية المتحدة حلفائها في السلطة عبر الجنوب، وساحل البحر الأحمر، وفي تعز.
وتابع : إذا استطاع الإماراتيون منع الحوثيين من إطلاق المزيد من الصواريخ الباليستية في المملكة، كما فعلوا مؤخراً في 25 يونيو، فمن المرجح أن يقبل السعوديون هذا التحول في الأحداث.
ويتوقع الكاتب في نهاية المقال عدم خضوع الحوثيين لمطالب التحالف بنزع سلاح إيران وسحبها والتنازل عنها علناً، ويخشى غريفيث من أن المعركة الطويلة للميناء قد تعيق الجهود الرامية إلى إحياء عملية السلام المحتضرة من خلال تكثيف نزعة الحوثيين نحو التحالف وقيادة حكومتي السعودية والإمارات وهادي إلى موقف أكثر تعنتا وسيؤدي ذلك الى ازدياد معاناة المدنيين اليمنيين.
*نشرت المادة في موقع المجلة ويمكن العودة لها على الرابط هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست.