يقدم المبعوث الأممي إلى اليمن نفسه بصفته منظفا رديء الجودة، يحاول ما أمكنه رفع قيمة الميليشيا سياسياً وأخلاقياً، ويسعى لإقناع المجتمع الدولي بسلميتها ورضوخها للحل السياسي، مقابل النيل من الحكومة الشرعية.. ويستمر في غيه حتى تأتي جريمة حوثية بشعة وتفضحه.
في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الثلاثاء الماضي قال ولد الشيخ إن الحكومة أفرجت عن 54 طفلاً معتقلاً لديها مقابل إفراج الحوثيين عن "أكثر من 400 معتقل".. دون أن يقول للمجتمع الدولي من جنّد هؤلاء الأطفال ونزع منهم حقائب المدرسة وحمّلهم السلاح، ولم يقل أيضاً أن المفرج عنهم أقل من نصف هذا الرقم، وأنهم من أصحاب السوابق والمحكوم عليهم جنائياً ولم يطالب أحد بالإفراج عنهم!
عمل ولد الشيح عمداً على تغييب مؤسسة الرئاسة اليمنية بما فيها من رمزية شرعية الرئيس في إحاطته الأخيرة، وبدأ لأول مرة يتحدث عن "حوار سياسي" وليس "استئناف حوار سياسي" كان قائماً قبل الانقلاب في سبتمبر 2014 وأخذ يتحدث عن خارطة طريق من شقين: ترتيبات أمنية وتشكيل حكومة وطنية، وهو ما تريده الجماعة الحوثية، فالترتيبات لا يمكن لها أن تشمل تسليم السلاح كاملاً وإلغاء كل ما ترتب عليه الانقلاب، وإنما الذهاب إلى حكومة وظيفتها شرعنة الانقلاب بالدرجة الأساسية ثم الإعداد للحوار السياسي، وأعتقد أن زيارة بان كي مون للكويت الأسبوع القادم هي لاستثمار اسمه وموقعه للضغط على الجانب الحكومي لتمرير صفقة لحساب الميليشيات الحوثية الموالية للمشروع الأمريكي الإيراني في المنطقة، وربما تحركات الوفد الحكومي للقاء أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي وأمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني جاءت للبحث عن ضغط موازٍ يخفف الضغط المتوقع من أمين عام الأمم المتحدة.
حاول ولد الشيخ في إحاطته تغييب عملية تبادل الأسرى والمخطوفين بين المقاومة الشعبية والجيش الوطني بتعز مع ميليشيات الحوثي/صالح وكانت النتيجة 116 مقاتل ميليشاوي مقابل 76 مواطن معتقل لدى الحوثي، وتغييبه لهذه العملية ليس لأنها تجاوزته واشتغلت بصلح قبلي خارج طاولة مشاورات الكويت، لكن لأنها محفوفة بالفضائح التي تنال من القيمة الأخلاقية للحوثيين.
وقراءتي لعملية التبادل هذه أن الميليشيا الحوثية سعت من خلالها لتحقيق خمسة أهداف هي:
أولاً وقبل كل شيء؛ هناك محاولة إيرانية لحرمان الكويت من أي دور ريادي في الملف اليمني وبدليل أن الحوثيين اختاروا عملية تبادل الأسرى خارج طاولة مشاورات الكويت.
ثانياً تعمدت الميليشيا تفكيك ملف الأسرى والمختطفين وإفراغه من مضمونه، وذلك عن طريق تجزئته، مرةً بالإفراج الأحادي في عمران، ومرةً بالوساطة القبلية بتعز.
ثالثاً لأن عملية التبادل جاءت خارج دور الأمم المتحدة وفيها تهميش واضح لشخصية ودور المبعوث الأممي؛ فإن الميليشيات الحوثية قادرة على معاودة اختطاف الناس من مساكنهم وشوارعهم ومقرات عملهم بسبب أن التبادل جاء خارج الإشراف الدولي، بمعنى أنه لا يوجد وثيقة ملزمة وقع عليها الحوثي وبالتالي هو متحرر من القيود والالتزامات الدولية.
رابعاً سيلتبس الأمر على المجتمع الدولي وسيتم المساواة بين القاتل والضحية، بين المقاتل الحوثي والمواطن التعزي الأعزل المخطوف دون جريرة.
خامساً تسعى الجماعة الحوثية للخلط بين المسارين القانوني والسياسي، وتريد الآن كسباً سياسياً مقابل إفراجها عن مواطنين أبرياء.
أما المقاومة في تعز فقد وقعت تحت ضغط الأهالي الذين يريدون تمرير الصفقة للإفراج عن أقاربهم، ثم إن المقاومة اشتكت مراراً من تكاليف النفقات على الأسرى الحوثيين بتغذيتهم والتنقل بهم إلى الأماكن الآمنة، فضلاً عن ضغط غربي تسبب به ولد الشيخ والأمم المتحدة حين سوقوا بأن الحوثيين لديهم نواياهم طيبة وأفرجوا عن معتقلين في إب وعمران فيما الجانب الحكومي متعنت، وفي هذا مغالطة كبيرة إذ يتم المساواة بين جناة وجانحين اجتماعياً وبين مواطنين عُزّل وأبرياء.