أجمل ما في اللقاء التلفزيوني للثنائي "رحمة وعلي" أنه أسقط ورقة التوت عن كليهما.
في طريقها إلى نيل بركات الرضا السلالي توجهت رحمة حجيرة بالسؤال التالي للداعية الصوفي علي الجفري: جماعة الأقيال تحرض ضد الهاشميين في أغلب وسائل الإعلام وهذا له تأثير على النسيج الاجتماعي، وهذا من عمل الحداثيين؟!
والأقيال هم جميع اليمنيين المعتزين بهويتهم وحضارتهم اليمانية.
وفي موازاة سؤالها الملغوم بالعنصرية قدم علي الجفري باقة من خرافاته وتدليساته مفسراً آيات قرآنية في غير موضعها، ومستشهداً بأحاديث مكذوبة على رسول الله.
ثم رحمة تسأل علي الجفري: معقول بعد 1400 سنة لا تزال الأنساب محفوظة؟!
فيرد علي الجفري باعتباره نسخة مضروبة من عيال الرسول: الله يقول "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت" وينتقل للأحاديث "النبوية" مباشرة.
ما علاقة هذه الآية بإدعاء النسب إلى رسول الله؟!
لا جواب لديه!.
ولماذا يصر أدعياء النسب على الجهر بعصيان الله ومخالفة قوله تعالى"مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" ؟!.
هل رأيتم آية أشد وضوحاً وصراحة من هذه؟! آية عظيمة لا تحتاج شرح ولا تفسير.
ثم ينزلق الجفري إلى الاستشهاد بحديث ضعيف يقول (كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ سَبَبِي وَنَسَبِي) وهو من أكثر الأحاديث التي أخذت جدلاً بين العلماء، لأنه يتعارض مع قول اللهُ تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ} فهل تتصورون أن محمداً عليه الصلاة والسلام سيقول كلاماً يخالف كلام ربه جلَّ وعلا ؟!.
وكم مرة قال الله تعالى: "لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ" و "وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ".. إذاً ثمة وعد إلهي أن يوم القيامة أعمال لا أنساب.
ثم أن هذا الحديث عُرِضَ على الإمامين البخاري ومسلم ورفضانه، ولم يروه أحد غير الطبراني وأحمد في مسنده، وسنده بين الضعيف والحسن.
وهذا الحديث يتعارض مع قول صحيح صريح لرسول الله حين قال لأهله في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم: "يا بَني عَبدِ مَنافٍ، لا أُغني عنكم من الله شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ، لا أُغني عنكَ من الله شيئًا، ويا صَفيَّةُ عمَّةَ رسولِ اللهِ، لا أُغني عنكِ من اللهِ شيئًا، ويا فاطمةُ بنتَ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، سَليني ما شِئتِ مِن مالي، لا أُغني عنكِ من اللهِ شيئًا".
فهل سيترك رسول الله كلام ربه ويترك أهل بيته ويتفرغ يشفع للجفري الذي لا تربطه به صلة؟!
يستمرأ علي الجفري التزحلق الناعم عبر قناة "اليمن اليوم" وبنفس لم ينقطع، يخرج من الحديث الضعيف إلى الاستشهاد بحديث موضوع مكذوب، بسردية متواصلة حتى يبهر المستمع ويجعله في حالة ذهول وأمام مفترق طرق، إما أن يصدق ترهات الجفري أو يكذب أحاديث نبيه!!
هذه المرة يستشهد الجفري بحديث "كلُّ بَني آدمَ ينتمونَ إلى عصبةِ أبيهِمْ، إلا ولدَ فاطمةَ، فإنِّي أَنا أبوهُمْ وعصبتُهُمْ". يقول راوي الحديث: وهذا حديث موضوع بالاجماع لأنه منقطع السند، ولأنه يخالف قول الله تعالى: "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ".
فهل سيخالف رسول الله كلام ربه جلَّ وعلا إرضاءً لأدعياء النسب القادمون من أصفهان وصعدة والعراق بعد 1400 سنة؟!
سلم الانزلاقات كانت درجاته قصيرة وناعمة ولم يتمكن علي الجفري من إمساك نفسه وظل في حالة هرولة وبنفس لم ينقطع ذهب يستشهد بحديث ضعيف لم يروه أحد غير الترمذي في ضعيفه وهو: "أحبُّوا اللَّهَ لما يَغذوكم من نعمِهِ، وأحبُّوني بحبِّ اللَّهِ وأحبُّوا أهْلَ بيتي بحبِّي"، وعلي الجفري هنا لم يلاحظ أن رسول الله قال أهل بيتي وأن الله قال "أهل البيت" ولم يقل الله أو رسوله كلمة "آل البيت"…لماذا؟!
لأن أهل بيتك هم من تعول أنت: زوجاتك وبناتك وأولادك.
أما "آل البيت" فهم الأتباع، وإلا كيف يقول الله عن فرعون ﴿أَدخِلوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذابِ﴾ وفرعون كان عقيم، قطيع الذرية لا ينجب؟!!
لدى الجفري استعداد تام لأن يعتسف آيات ويختلق أحاديث كل ذلك من أجل أن يوفر لنفسه حالة من القداسة النبوية، باعتباره صاحب عمامة متصلة السند برسول الله كما قال ذات نشوة.
حتى في حديث رسول الله صلى يسلم مع معاذ بن جبل استخدم لفظ "أهل البيت" وليس "آل البيت" لأن الآل هم الاتباع، والحديث كما في صحيح ابن حبان وصححه الألباني كذلك، عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه لمَّا بعَثه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى اليَمنِ خرَج معه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يوصِّيه - معاذٌ راكبٌ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تحتَ راحلتِه - فلمَّا فرَغ قال : ( يا معاذُ إنَّك عسى ألَّا تَلقاني بعدَ عامي هذا لعلَّك أنْ تمُرَّ بمسجدي وقبري ) فبكى معاذٌ خَشَعًا لفِراقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ التفَت صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نحوَ المدينةِ فقال : ( إنَّ أهلَ بيتي هؤلاءِ يرَوْنَ أنَّهم أَوْلى النَّاسِ بي وإنَّ أَوْلى النَّاسِ بي المتَّقونَ مَن كانوا وحيث كانوا اللَّهمَّ إنِّي لا أُحِلُّ لهم فسادَ ما أصلَحْتَ وايمُ اللهِ لَيَكفَؤونَ أمَّتي عن دِينِها كما يُكفَأُ الإناءُ في البَطحاءِ).
لقد ظل الجفري يتدحرج على درجات السلم الحريري بنعومة، وعند آخر السلم وصل إلى مبتغاه، رجله لامست الحرير في أسفل السلم، كان واثقاً أنه قد سلب حس المستمع وأقنعه بقدسيته، عليه الآن أن يمد يداه في الظلام، ويتحسس الجدار بهدوء، استمر في المشي بخطوات وئيدة، وهو يتمتم بكلمات صوفية مبهمة، الجدار بارد كثلاجة موتى، لا شيء دافئ هنا غير أنفاس الجفري، تحسس الجدار أكثر حتى وصل إلى مقبض الخزانة، شده بإحكام وصاح: ولنا خُمس الخمس في كل المذاهب!.
وهنا لابد من مغادرة هذا المشهد السريالي وتوضيح التالي:
ما قاله الجفري زور وبهتان بحق الدين
والمذاهب التي افتت بخُمس الخُمس لأبناء الأسرة الهاشمية، والتي قدمت فتواها يوم كانت الأسرة الهاشمية لا تزال سلالة نقية وواضحة، عددهم لا يتجاوز 2000 شخص حتى نهاية القرن الثالث الهجري.
وبعد 11 قرن فقط صار عددهم 60 مليون بني آدم يقولون جدهم الرسول!!
بينهم 13 مليون فارسي مجوسي يقولون جدهم الرسول وهم ليسوا عرب أصلاً !!!
بينهم 5 مليون يمني في الشمال فقط يقولون جدهم يحيى الرسي.. كيف لرجل واحد أن تصبح سلالته خلال 1200 سنة 5 مليون إنسان؟!
أين سلالة اليمنيين الذي عاصروه.. اعطوا كل واحد منهم 5 مليون أسوةً بالرسي وتأملوا النتيجة كم؟!
كوكب الأرض لن يكفي اليمنيين وحدهم.
أسألوا علماء الجينولوجيا وعلماء الإحصاء، سيسخرون من سؤالكم قبل الإجابة عليه.
لا أنكر النسب الهاشمي في كل العالم ولا أقبل هذه الأرقام الفلكية.
ما يفعله الجفري وابن عمه الحوثي هو تحليل للنصب واللصوصية باسم الدين بحجة ما قالته المذاهب الأربعة!.
المذاهب تحدثت في هذه الجزئية عن زمانها ومكانها وليس عن القرن الواحد والعشرين، تحدثت عن زمن الحروب والفتوحات والغنائم.
يا علي الجفري
تأمل الحكمة الإلهية البالغة حين جعل لمحمد صلى الله عليه وسلم 11 عم اسلموا ثلاثة منهم فقط (العباس وجعفر وحمزة) وثمانية في جهنم حتى لا يَمُنَ علينا بني هاشم أنه لولا هم لما كان الإسلام.
وتأمل حكمة الله حين جعل نصرة نبيه على يد الضعفاء والفقراء والمساكين: بلال الحبشي وصهيب الرومي وعمار بن ياسر العنسي، ثم الأوس والخزرج.
تأمل في القرآن الكريم، لم ينزل الله سورة مكتملة تذم شخصاً بعينه وأسمه إلا عم رسول الله "أبولهب"، ولم ينزل الله سورة كاملة تحقر قبيلة بذاتها وأسمها إلا قبيلة رسول الله "قريش".
لا خُمس في الإسلام ولا ولاية ولا وصاية، كل خلافنا مع من يقول ذلك أننا نريد هذا الدين عالمي ويريدونه عائلي.
لو كان دين عائلي لما كان "أبوطالب" في جهنم، وقد ثبت في حديثين في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو ينتعل بنعلين يغلي منهما دماغه"، والحديث الآخر عن العباس بن عبدالمطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"، وروى مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عنده عمه أبو طالب، فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه".
لو كان للعصبية الأسرية مكانة في الإسلام لكانت العصبية الهاشمية نفعت "أبوطالب".. إذ لا عصبية ولا طبقية ولا خُمس ولا أفضلية، وتذكر وأنت تقول لشخص ما "يا سيدي" معتقداً أنه من طبقة أعلى منك أنك تطعن في عدالة الله أنه لم يخلق الناس سواسية، والطعن في عدالة الله شرك يودي بصاحبه إلى جهنم.
عليك أن تعظم نبيك وتنزهه عن الترهات وتحويله إلى مادة للسخرية بين الناس، كزعمك أن رسول الله أخرج يده من القبر لكي يسلم على شخص اسمه أحمد الرفاعي، ثم تتفلسف بأن هناك فرق بين حدوث ذلك والإيمان بإمكانية حدوث ذلك!!
لم يحدث ذلك ولا إيمان بإمكانية حدوث ذلك، لأن من مات ودفن لن يعود إلى ظاهر الأرض إلا يوم النفخ بالصور.. ومن ينكر خروج يد رسول الله تسلم على الرفاعي ليس لديه مشكلة مع الدين -كما تزعم- بل هو مؤمن حقاً ومنزهاً ومعظماً لنبيه الكريم.