قبل وفاة الإمام أحمد حميدالدين بسبع سنوات أجرى عملية في نهاية الأمعاء الغليظة في روما وفشلت العملية وأصيب بشلل في الأعصاب المتحكمة بخروج البراز حسب ما يذكر الدكتور عبدالرحمن البيضاني في كتابه "أسرار اليمن".
كان من الممكن أن يتغوط الإمام أحمد على نفسه دون أن يشعر، وصارت انفعالاته مثل آلامه لا تتوقف، وهنا فكر الطبيب الإيطالي "توفولون" بإعطائه حقنة موروفين وهي حقنة مسكن ومخدر معاً، ووجد الإمام في هذا النوع من العلاج السحر الكامن والسعادة الكاملة، كانت الحقنة تشعره بسعادة رهيبة وتجعله يعيش في عالم وهمي، ومريح.
مع مرور الوقت وصل الإمام إلى درجة الإدمان على الموروفين وتطور الأمر من حقنة واحدة في اليوم إلى خمس، وعشرة، وعشرين حتى وصلت إلى 50 حقنة في اليوم الواحد، وحين وجد أهل القصر يسخرون منه أجبرهم على تعاطي الموروفين حتى يدمنوا مثله، ولكي يصبح المتحكم الأول بها، فيعطي كل منهم حسب قربه ورضاه عنه.
كان الإدمان قد أخذ يضرب في نفسية الإمام أحمد ويدمرها بقسوة،
وإذا لم يتعاطى حقنه المعتادة يخرج عن طوره ويفقد وعيه، حتى أنه عندما كان في الحديدة وكان في غرفته يصيح من تأخر الحقنة ودخلت احدى جواريه المحببات إلى قلبه تعطيه العشاء فنظر إلى يدها وليس معها الحقنة، فأستل سيفه من الجدار وضرب رأسها حتى شطره نصفين.. فسحبها الحرس إلى الخارج وأعطوه الحقنة وهدأ واستراح ثم تعشى وبقي يشرب قهوته وحين رأى بقايا الدم على السجاد سألهم ما هذا؟
قالوا له لقد كنت غاضباً من تأخر الحقنة وفعلت بالجارية فلانة كذا كذا.. فبكى بكاءاً شديدا وأغلق غرفته على نفسه 20 يوما لا يقابل فيها أحد، ولا يسمح لأحد بالدخول باستثناء الجواري اللواتي يحملن الطعام والخمور الفرنسية الفاخرة.
كان يأكل ويسكر ويحقن بالموروفين ويمارس الجنس مع طابور من الزوجات والجواري، كل هذا وهو في جناحه في حالة غضب لا يقبل دخول أحد.
وعلى ذكر الخمور يقول الطبيب الروسي الذي كان في مستشفى الحديدة انه بعد إصابة الإمام بثلاث طلقات في العملية البطولية التي نفذها الهندوانة واللقية والعلفي تم إحضار الطبيب الروسي إلى قصر الإمام بالقوة وطلبوا منه انتزاع رصاصة من بطنه فقال لهم لا امتلك أدوات فأحضاروا حقيبته الطبية وفيها مشرط ومقص، فقال لهم لا امتلك مخدر للمريض ومعقم لهذه الأدوات، فصوبوا البنادق إلى رأسه وهددوه بالقتل إذا لم ينقذ الإمام.
فقال لهم هل هناك خمر؟
قالوا نعم واحضروا زجاجتي خمر فرنسية، فأخذها وقال مستغرباً: خمر في بيت الإمام ؟!!
فرد الإمام بصوت غاضب: ومن الفاخر !.
ثم أفرغ الطبيب الروسي نصف قارورة خمر في وعاء لتعقيم أدوات الجراحة، والنصف الآخر سقاه للإمام كاملاً حتى يغيب عن الوعي، ثم أجرى العملية واستخرج الرصاصة من بطنه.
وفي عام 1959 انتقل إلى روما ليتعالج من آثار الرصاص ومن إدمان الموروفين، ونجح الأطباء في تخفيف الجرعات إلى 20 جرعة، ولاحقاً -بعد أن وصل اليمن- كانوا يعطوه جرعات كثيرة وهمية ليس فيها مادة الموروفين حتى يتخفف من الإدمان، فاكتشفت بنت أخته المعروفة بأسم "بنت حجر" تلك اللعبة وجلبت له موروفين حقيقي، وبهذا سيطرت على قلبه ووجدانه، وبدأت تتحكم في كل شيء وتوجه وتأمر وتنهى، والإمام يوقع فقط، ووصل الأمر أنها كانت ترفع إلى الإمام بقراراتها ممهورة بتوقيع "بنت حجر" فقال لها الإمام لا تكوني تكتبي اسمك لأن هذا يستفز بعضهم، ولكن اكتبي بأسم "سيدي عبدالمحسن" فكانت مذكرات وتوجيهات وأوامر "سيدي عبدالمحسن" تعد بمثابة قرارات عاجلة النفاذ في كل مفاصل الدولة.
وفي ربيع 1960 سرت في تعز شائعة أن الإمام صار كتلة لحم لا أكثر، عجوز عاجز عن القيام بأي شيء، فتحركت النفس الفرعونية في داخله وقرر إسكات تلك الشائعة فخرج في الظهيرة يركب فرسه الضخم، وفي يده اليسرى لجام الفرس، وفي اليمنى بندقيته "زاكي الكرام" وظل يجول في شوارع تعز ومديرية صالة التي اتخذها مقراً وعاصمةً له.
كان ربيع تعز لا يزال بارداً، والرياح الخفيفة تداعب وجه الإمام وتزيد في نشوته.. كانت نفسه تمتلئ بالغرور كخزان وقود.. تُشْبِعَه نظرات الناس في الشوارع، والنساء اللواتي يسترقن النظر من أمام بيوتهن وشرفاتهن، و"أحمد يا جناه" يجوب شوارع تعز بمفرده، لكن نشوته لم تدم طويلاً، فقد أحس برطوبة ولزوجة في أسفله!.
كان البراز والدم قد تسربا من مؤخرته فعاد مسرعا إلى قصره ليجد نفسه مستلقياً على بطنه أمام طبيبه الروسي يجارح مؤخرته صباحاً، و"سيدي عبدالمحسن" تشبع جسده بالموروفين بقية اليوم.