من يعتقد أن فريق الانقلاب في مشاورات الكويت بيده حل أو ربط فهو واهم، هؤلاء مجرد أدوات بيد إيران تحركها كما تشاء، لا أهمية "للفليتة" ولا "للزوكا".
فالحرب ليست كما يتصورها البعض محلية مناطقية أو مذهبية، لكن تم الاستفادة من الصراع القديم بين مكونات المجتمعات المكونة للشعب اليمني، والتي لم تدرك بعد معنى شعب ولا معنى سلطة ولا تؤمن بكل مكونات شعبها.
خلال العقد الأخير كان هناك حديث عن قناة تمتد من الأراضي السعودية إلى شواطئ بحر العرب، كان حديثا لا يمتلك معلومة، ولكنه مشبع بالمخاوف من سيطرة السعودية على حضرموت، كما كانت الأجهزة الأمنية لصالح تروج.
وفي الحقيقة هو مشروع إستراتيجي تسعى من خلاله السعودية الخروج من تهديدات إيران في مضيق هرمز، والذي يلعب دورا إقليميا هاما في التجارة الدولية من القرن السابع قبل الميلاد وحتى اليوم.
وزادت أهمية مضيق هرمز منذ اكتشاف النفط في القرن الماضي، فهو أهم الممرات العالمية للنفط، وبحسب بعض الإحصائيات الدولية يعبره ما بين عشرين وثلاثين ناقلة نفط يوميا، وهو ما يشكل أكثر من 40% من تجارة النفط العالمية، "ويعدَّ المنفذ الوحيد للدول العربية المطلة على الخليج العربي عدا السعودية والإمارات وسلطنة عُمان، وتصدر دول الخليج نحو 90% من نفطها عن طريقه".
ولحساسية العلاقة الخليجية مع إيران كان هناك بحث عن مخارج أخرى تفقد مضيق هرمز أهميته التاريخية إجمالا، ولذا فأوجدت الإمارات طريقا لنفطها عبر إمارة الفجيرة في خليج عمان، وفكرت السعودية بشق قناة من الربع الخالي إلى بحر العرب -وستتمكن قطر والبحرين من الاستفادة من هذه القناة - لتلافي التهديدات الإيرانية بتلغيم عمق مضيق هرمز في حال تعرضت للحرب، وكانت إيران قد طورت صواريخ وقطع بحرية مهددة للمضيق ولتجارة النفط وأمن الخليج.
وقبل أن تعلن السعودية رسميا الخطوات الإجرائية لدراسة مشروع القناة البحرية التي تمتد 1000كيلو متر طولاً، و500 كيلو متر عرضاً، كانت إيران قد نفذت انقلابا عسكريا في اليمن غرضه قطع الطريق على السعودية لتنفيذ هذه القناة، والتي ستجعل من إيران مجرد دولة خلفية لا أهمية استراتيجية لموقعها المطل على مضيق هرمز، وأيضا سيوفر لها هذا الانقلاب الإشراف على مضيق باب المندب الذي لايقل أهمية عن مضيق هرمز من الناحية الإقتصادية، وأكثر منه في الأهمية الجيوسياسية، لأنه ممر دولي بين آسيا وأفريقيا، ويصل المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط.
لم يكن تدخل إيران في اليمن لأجل ذرية الحسين ولا لإنقاذ أولاد فاطمة، بل لأجل مصالح إيران ومن يقف خلفها من الدول كروسيا وشركات نفطية واستثمارية أمريكية وأوروبية.
الصراع على اليمن يعود بنا إلى المربع الأول منذ الحرب الباردة في القرن الماضي، بل إلى أبعد من ذلك، ففي ثمانينات القرن الماضي كان الروس يحلمون من خلال احتلالهم لأفغانستان الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي، لكن إيران مددت أحلامهم بالوصول إلى مضيق باب المندب، نقطة التقاء العرب بالأفارقة والهنود والاتجاه نحو المتوسط وأوروبا.
الحروب الجيوسياسية أعقد الحروب على الإطلاق، وأبعدها مدى واستراتيجية، ففي الضفة الأخرى من مضيق باب المندب توجد قواعد أمريكية وفرنسية وإسرائيلية وإيرانية، استعدادا لأي تطورات عربية محتملة.
في اليمن المُغيَّب عن كل هذا الواقع لعب الانقلاب الدور المرسوم له ليورط شعبنا بحروب غير محسوبة النتائج، وبضحاياها من أبناء شعبنا لن يتم احتسابهم، ولن يأسف لذهابهم أحد، فالحسابات المادية لا مكان للضحايا فيها، وسيتم الحديث عن التعويضات وإعادة الإعمار للضجيج فقط.
كيف نستفيد من هذا المأزق ونخرج بأقل الأضرار؟ هذا هو السؤال الذي لا تملك شرعية هادي جوابا له، فهي محاطة بالمرتزقة والانتهازيين وجوقة المطبلين الذين يزيدون من تعتيم الصورة، ولا يمكنها من التحول من حالة السلبية والخمول إلى حالة الفاعلية والعمل، من أجل مصالح شعبنا الذي تحمل الكثير من التغييب والخذلان.
سيحاول انتهازيو "إقليم البرعي" ومرتزقة "الضافع" عدم الوصول للدولة الاتحادية من ستة أقاليم، فهؤلاء كانوا ومازالوا يعدون أنفسهم وكلاء حصريون للشمال والجنوب، وهم يدركون أكثر من غيرهم أن استقرار الأقاليم والدولة الاتحادية اليمنية سينهي عقد الامتيازات طويلة المدى لمناطق لا أهمية جيوسياسية لوجودها، ولن يرضوا باستقرار مناطقهم لأنها في حال الوصول إلى الدولة الاتحادية، لن تدين للشيخ ولا للسيد ولا للفندم.
ما يجري في تعز لا معنى له إلا إشرافها المباشر على المخا ومضيق باب المندب كأهم موقع في الدولة الاتحادية المنشودة، ومع وجود مقاومة غير متوقعة من أهلها، وظهور قوة ثالثة تنتمي للمستقبل الاتحادي ولا تنتمي للشمال أو الجنوب، كان كل هذا الخذلان لها، من قِبل من يدركون أن الزمن فاتهم، وأن الفيدرالية ستعيدهم مجرد مواطنين بلا إمتيازات عصبوية اثينية أو إيديولوجية أو دينية.
تحديث العقل اليمني بأبعاد اللعبة الدولية على أراضيه، سيخلق جيلا واعيا ينتزع الفرص ولا ينتظر الوعود من أحد، فظهور جيل محمد بن سلمان في الرياض يوازية ظهور جيل بالتفكير نفسه في اليمن، والاستقرار هناك يعني الإستقرار هنا، والشراكة القادمة ستمكن شعبنا من التقاط أنفاسه والعدول من العسكرة السخيفة للمجتمع، والتي أضاعت الفرص في حياة أفضل لشعبنا منذ ستة عقود، إلى فرص الإقتصاد والرفاهية، بالاستفادة من القدرات البشرية الهائلة والموقع الإستراتيجي والعلاقات مع الجوار.