قبل أيام مضت حلت الذكرى الثانية لانطلاق أقوى عملية عسكرية عربيةغرد النص عبر تويتر، وبعد أيام ستحل الذكرى الأولى لتعثر المفاوضات السياسية اليمنية بين طرفيْ الحرب، منذ أن بدأت بالكويت في 23 أبريل/نيسان 2016 واستمرت قرابة 100 يوم.. وانتهت بالفشل.
البحث عن مغانم السلطة والسعي للحصول على ثغرة أو قناة لتمرير المشروع الانقلابي كان هو العنوان البارز لمشاورات الكويت، بطلب من الانقلابيين وضغط أممي ودولي كبير، مضافاً لذلك محاولة المساس بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي باعتبارها أخرى قلاع الشرعية بعد أن تشرذم البرلمان بين الطرفين، وإذا ما اهتزت شرعية هادي فإن الطرفين سيتساويان في عدم الشرعية.
عاصفة إسقاط الأقنعة
مثلّت عاصفة الحزم القوة الضاربة التي قصمت ظهر المشروع الإيراني في الجزيرة العربية وأخرجت خبثه إلى العلن، بعد تصريحات استعلائية افتتحها ممثل طهران في البرلمان علي رضا زاكاني بعد يومين فقط من الانقلاب في 21 سبتمبر/أيلول 2014، إذ قال إن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة بيد إيران بعد بغداد وبيروت والمنامة.
وأقل إيجابيات عاصفة الحزم أنها أسقطت أقنعة كثيرة يمنية وعربية ودولية؛ ففي اليمن انقسم كثير من الشخصيات الوطنية والقوى السياسية والاجتماعية بين مؤيدين لعملية استعادة مؤسسات الدولة من أيدي عصابات الانقلاب، وداعمين لمبررات الاصطفاف السلالي والمناطقي والمذهبي، أو الطاعة العمياء للرئيس السابق وحزبه المؤتمر الشعبي، غير آبهين بالقيادة الشرعية ولا بالتآمر على النظام الجمهوري، وأيضاً غير مدركين خطورة التحالف مع المشروع الإمامي الكهنوتي المدعوم من المشروع الأميركي الإيراني في المنطقة.
وعربياً تمثلت إيجابية عاصفة الحزم في أنها خلقت تحالفاً عربياً عسكرياً موحداً لأول مرة في التاريخ العربي الحديث يمكن البناء عليه مستقبلاً، ونجاحه لن يتمثل في إعادة الشرعية باليمن وإنقاذ الشعب من فخ الطائفية الذي نسجه الحوثيون، بل سيمثل تهديداً حقيقياً لليد الأميركية الطولى في المنطقة العربية والتي اعتادت التصرف في قرارات ومصائر الدول دون إذن!
وهناك إيجابية أخرى في أن عاصفة الحزم أسقطت أقنعة أنظمة عربية كثيرة لا تزال ترى في إيران "جارة طيبة" يمكن التعايش معها، وتتعامى عن أن ترى مخالبها تلتهم سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن.. وتوزع خلاياها الخبيثة في كل الخليج.. وتخطط للبقية!
ودولياً أسقطت عاصفة الحزم ما كنا نود أن نراه ساقطاً عارياً كالفضيحة، وهو زيف ادعاءات المجتمع الدولي المتشدق بالمدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة.. كل ذلك تلاشى كفقاعة صابون.
فرأينا الانقلاب على الرئيس الشرعي، القتلى المدنيون بالآلاف، تجنيد الأطفال بالآلاف، عشرات السجناء من الصحفيين والنشطاء الحقوقيين، كثير منهم قتلتهم المليشيا الحوثية، واقتحمت مكاتبهم وصادرت أدوات عملهم، تفجير منازل الخصوم، الاعتداء على المنشآت العامة من مدارس ومستشفيات ومحطات كهرباء ووقود وطرقات، سرقة المساعدات الإنسانية، منع فرق العمل الدولية ولجان الإغاثة بما فيها التابعة للأمم المتحدة من أداء عملها.
كل ذلك وأكثر لم يحرك الأمم المتحدة لإدراج الحوثيين في قائمة المنظمات الإرهابية، ولم يقنع مجلس الأمن بتنفيذ قراره (2216) الصادر تحت الفصل السابع بحق الانقلابيين باليمن في أبريل/نيسان 2015. وكل ذلك أيضاً لم يقنع منظمات دولية كبيرة بأن تكتب تقريراً واحداً فيه مصداقية تحفظ به ماء وجهها، مثل منظمة العفو الدولية وأوكسفام البريطانية.
عسكرياً حصاد العامين الماضيين تمثل في حضور قوي وفاعل للجيش الوطني والمقاومة على الأرض اليمنية، فقبل انطلاق عاصفة الحزم كانت الجماعة الحوثية تنتشر على الأرض كالطاعون، على عكس انحسارها اليوم وتراجعها من الساحل إلى الجبل.. وأصبح بإمكان مدفع المقاومة القادم من "نهم" شرق صنعاء القدرة على ضرب قصر الرئاسة وسط العاصمة.
حصاد عامين من الحرب
ليس للحرب وجه مشرق إلا في نظر تجار الحروب، أما دعاة السلام ورجال الدولة فلا يرون الحرب إلا وسيلة للخراب والدمار وإن خاضوا غمارها مكرهين وخرجوا منها منتصرين، ذلك أن هزيمة هؤلاء الشرفاء تعني تمكن الأوغاد من الانتصار وتدمير كل شيء والانتقام من كل من وقف في طريقهم.. وانتصار الشرفاء يعني الالتزام بإعادة إنتاج وبناء ما خلفته الحرب وفي مقدمته إعادة بناء الإنسان، وهكذا تأكل الحروب أعمار الشعوب.
على هامش فعاليات الدورة الـ34 لمجلس حقوق الإنسانالأممي في جنيف؛ قدم المرصد اليمني لانتهاكات حقوق الإنسان -وهو منظمة مستقلة- تقارير مفصلة عن مخلفات الحرب خلال الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2014 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2016، خلصت إلى وجود (774) حالة انتهاك لحقوق الإنسان ارتكبتها مليشيا الحوثي وصالح في (20) محافظة.
ووثقت الفرق الميدانية (107) حالات وفاة داخل سجون المليشيا خلال العاميين الماضيين، و(44) حالة وفاة تحت التعذيب داخل سجونها، و(44) حالة إعدام بالرصاص الحي لمعتقلين، و(168) حالة استخدام لمعتقلين ومختطفين دروعا بشرية تسببت في مقتل (14) مختطفا بينهم الصحفيان عبد الله قابل ويوسف العيزري، اللذان سجنتهما مليشيا الحوثي في مخزن سلاح بمدينة ذمار رغم معرفتها أنه هدف عسكري لطيران التحالف، وبنفس الطريقة وبذات المكان قضى القيادي في حزب الإصلاح أمين الرجوي.
وبلغت حالات الإيذاء الجسدي والنفسي التي ارتكبتها المليشيا في (21) محافظـة (489) حالة من أصل (519) حالة، أدت إلى فقدان الذاكرة لدى ستة معتقلين، وفقدان حاستيْ البصر والسمع لدى سبعة آخرين معظمهم فـي محافظتيْ تعـز ولحج، وأربعة معتقلين أصيبوا بالشـلل الكلي.
وكان اللافت في التقرير أن فئة العمال أخذت الخانة رقم واحد في قائمة حالات التعذيب الموثقة وذلك بعدد (206) حالات، تلاها العسكريون بـ(155) حالة، ثم النشطاء المدنيون بـ(145) حالة، ويليهم السياسيون بعدد (131) حالة، و(43) معلماً، و(30) إعلامياً، و(25) طالباً، و(23) طفلاً، و(24) شيخاً قبلياً، وخمس حالات لكل من الأطباء والمحامين، وثلاث لخطباء المساجد.
وكشف التقرير الثاني حول "الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي في اليمن" عن وجود (5092) حالة انتهاك موثقة، منها (4882) اعتقالا تعسفيا، و(210) إخفاء قسريا، ارتكبت غالبيتَها مليشيا الحوثي وصالح بعدد (4841) حالة انتهاك.
وجاءت محافظة صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيا في صدارة قائمة تلك الانتهاكات بـ(693) حالة، تليها محافظة البيضاء التي تشهد مواجهات بين المليشيا والقوات المسلحة التابعة للحكومة الشرعية مسنودة بالمقاومة الشعبية بـ(655) حالة، ثم محافظة إب الخاضعة كليةً لسيطرة المليشيا بـ(539) حالة، فالحديدة بـ(506) حالة.
ورصد التقرير مقتل (2737) مدنيا في عموم المحافظات بينهم (531) طفـلاً و(203) امرأة، و(1910) قتيلاً قتلوا بقصف ميليشيا الحوثي وصالح على أحياء سكنية. وجرح (7270) شخصاً خلال عام 2016 منها (5579) تقع مسؤوليتها على مليشيا الحوثي وصالح، وتتوزع البقية على الأطراف الأخرى.
ووثق التحالف اليمني الحقوقي مقتل (288) مدنياً جراء الألغام الفردية والمضادة للدروع، بينهــم (60) طفلاً و(16) امرأة، وإصابة (434) آخرين بينهم (58) طفلاً و(15) امرأة، كلهم ضحايا الألغام التي زرعتها المليشيا.
كما سجل التحالف مقتل (137) مواطناً جراء التعذيب والإعدامات الميدانية والتصفية الجسدية وعمليات الاغتيال، بينهم (12) إعلامياً وناشطاً ومعارضاً سياسياً، وتوفي (45) منهم تحت التعذيب.
ودفعت المليشيا بـ(4960) طفلاً مجنداً إلى معاركها العسكرية معظمهم من محافظات ذمار وعمران وصعدة. ورصـد فريـق التحالف (17136) ضحية للإبعاد القسري تسببت المليشيا في إبعادهم، و(731) قـرار تعيين واستبعاد وظيفي.
وتشير الأرقام إلى وقوع (3371) انتهـاكاً واعتداء على المنشآت العامة (مدارس ومستشفيات وطرقات وجسور ومحطات طاقة وأقسام شرطة وسدود) وممتلكات خاصة، منها تفجيـر منازل الخصوم والمعارضين لسلطة المليشيا.
الحصاد السياسي
مع غروب إدارة باراك أوباما عن البيت الأبيض تنفست القيادة الشرعية في اليمن الصعداء، بعد ضغط شديد قاده وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري لتبني وجهة نظره للحل السياسي بين الفرقاء اليمنيين، وتقديمه خريطة باسم اللجنة الرباعية (أميركا، بريطانيا، السعودية، الإمارات).
وهي خريطة ملبية لكل مطالب الانقلابيين وفيها عقاب قاسٍ للقيادة الشرعية، فـ"خريطة كيري" التي تبناها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبهمة وتؤسس لحروب في المستقبل، وتجبر القيادة الشرعية على تسليم رقبتها ورقاب الشعب اليمني إلى المليشيا.
ولم تقدم "خريطة كيري" أي شيء يمكن البناء عليه، فهي ببنودها الثلاثة عشر غامضة، وتتعامل بخفة مع معضلة السلاح رغم إدراكها أنه سبب كل الحروب وأداة لكل الخراب، وأنه النقيض لبناء الدولة المدنية.
ومع ذلك رأت هذه "الخريطة" أن يتم تغييب الدولة من المعادلة السياسية القادمة وتشكيل حكومة مناصفة بين الطرفين، يسبقها تقديم نائب الرئيس الحالي الفريق علي محسن استقالته ثم تعيين نائب جديد تنقل إليه صلاحيات رئيس الجمهورية.
وهذا النائب يكلِّف شخصية وطنية متفق عليها بتشكيل حكومة وطنية مناصفة بين طرفي الحرب... هكذا قال البند الرابع من "خريطة كيري"، وهو البند الوحيد الواضح في آليته، رغم أنه في المحصلة يدعو إلى خروج الرئيس ونائبه ورئيس حكومته بتقديمهم استقالاتهم مقابل دخول مليشيات صالح والحوثي!
أما السلاح -وهو ذخر أمراء الحرب في سنواتهم القادمة- فقد رأت "خريطة كيري" أن يتم تسليمه إلى طرفٍ ثالث من قيادات عسكرية ممن لم يشتركوا في هذه الحرب، بمعنى أن الحكومة التي سيكون الانقلابيون نصف أعضائها لن يتم التعامل معها لأنها المعادل الذي يجب تغييبه، بل يجب أن يذهب هذا السلاح على ضخامته إلى طرف ثالث... من هو؟ ما حدود صلاحيته؟ كم مدة بقائه؟ من الضامن له؟! هذا ما لم تجب عليه "خريطة كيري".
ومع قدوم إدارة دونالد ترمب؛ لا تزال أبصار الجميع شاخصةً نحو البيت الأبيض في انتظار ما ستجود به قريحة إدارة جمهورية، أغلب أعضائها من دعاة المشروع الإسرائيلي القريب سراً من المشروع الإيراني في المنطقة.
وبالتالي فإن القيادة الشرعية اليمنية لن يكون أمامها غير مخرج وحيد، وهو إثبات وجودها الفاعل والديناميكي في المناطق المحررة، وعزل كل مشتبه في تواطئه مع الانقلابيين ومحاسبة كل متورط في الفساد، خاصة في المؤسسة العسكرية. وعندها سيثق الشعب في أنه يقاتل تحت راية قيادة شرعية حاسمة وحازمة، وستدور عجلة النصر سريعاً!
* نقلا عن الجزيرة نت