[ مبادرة مجتمعية لشق طريق بني محمد وصولاً إلى منطقة الجمرك من محافظة لحج ]
ست سنوات من الحصار الخانق الذي تعيشه محافظة تعز وسط اليمن، سدت الحرب جميع الطرق المؤدية إلى قرابة 4 ملايين نسمة، هم سكان تعز، ولم تترك لهم سوى طريق "هيجة العبد" الوعر والمتهالك والمحفوف بالمخاطر والحوادث المرورية اليومية المميتة.
ومع غياب أي مؤشرات لإمكانية فتح الطرق المعبدة المؤدية إلى تعز، وأمام تنصل الجميع عن مسؤولياتهم الإنسانية والأخلاقية، وتحت ضغط الحاجة الاقتصادية والمعيشية والإنسانية الملحة للسكان، أعادت مبادرة مبادرة مجتمعية لشق طريق "بني محمد - المليوي - الغودرة زريقة الشام"، وصولاً إلى منطقة الجمرك من حافظة لحج، أعادت إلى الأذهان أقدم طريق ظل يربط محافظة تعز بالمحافظات الجنوبية وهو طريق تاريخي عجزت الأنظمة الحاكمة في الشطرين قبل الوحدة (22مايو/أيار 1990) عن إغلاقه أمام حركة المسافرين بين الشطرين.
فريق "الموقع بوست" زار أعمال الشق الجارية في الطريق وعاد بالتقرير التالي:
عدن عدن ياليت عدن مسير يوم
إذا كنت ممن لحقوا مرحلتي الحكم الإمامي لشمال اليمن والاحتلال البريطاني للجنوب وما تلاهما من عقود التشطير وطبعاً الصراعات الحدودية بين الشطرين، أو قرأت عن تلك الحقبة، ستكون زيارتك لهذا الطريق التاريخي رفقة أناس ما تزال أرواحهم وآثارهم ترافقك في كل خطوة وستجد نفسك بمجرد دوران إطارات السيارة من منطقة "سوق المركز" على الطريق الإسفلتي الرابط بين مدينتي تعز والتربة من مديرية الشمايتين متجهاً جنوباً، ماراً ببني شيبة الشرق وصولا إلى أطراف عزلة بني محمد الشرقية تردد بشجن تاريخي أغنية الفنان الراحل أحمد بن أحمد قاسم "عدن عدن ياليت عدن مسير يوم.. شسير به ليلة ما شرقد النوم"، دون أن يساورك شك بأن الشاعر أحمد الجابري، كتب كلمات تلك الأغنية من وحي رحلة من هذا الطريق إلى عدن.
تكتسب هذه المنطقة الكثير من الأهمية ولها كثير من القصص التي يرويها الأجداد عن أسفارهم عبرها، فقد كانت طريق يسافر من خلالها الناس من عُزل: بني محمد، بني شيبة، بني عمر، الزريقة، والعزل المجاورة لها، إلى عدن في مرحلة الانتداب البريطاني وما تلاها، من زمن الحكم التشطير والحكم الاشتراكي للجنوب، حيث كان عناصر "الجبهة الوطنية" المسلحة في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي، يتخذون من هذا الطريق مسلكاً لنقل السلاح والمنشورات الحزبية المحرضة ضد الأنظمة الرجعية والكهنوتية، وأيضاً الهاربين من بطش الحكم الإمامي في الشمال والباحثين عن فرص عمل في عدن والقرن الأفريقي.
"طاهر القميري" أحد الرجال الذين عاصروا تلك الفترة يقول: "كنا نمشي مسيرة راجلة مدتها يومان، نبدأ المشي إلى أن نصل إلى "الجُمرك" ثم نستقل الحمير من هناك لمواصلة المسير بها إلى عدن، فهي أقصر الطرق المؤدية إلى المدينة".
جهود وآمال
تواصل "الموقع بوست" مع رجل الأعمال الحاج عبد الله عبده المحمدي، الذي تردد اسمه مقروناً بعبارات الثناء والامتنان على ألسنة كل من قابلناهم لدوره الكبير في حث رجال المال والخيرين للمساهمة في شق هذا الطريق الحيوي الهام.
في حديثه لـ"الموقع بوست" أشار المحمدي إلى أن طول الطريق المزمع شقه يبلغ حوالي 80 كيلومتر، يبدأ من "بني محمد " مديرية الشمايتين بمخافظة تعز مروراً بـ"المليوي" و"الغودرة" وصولاً إلى الجمرك وهي النقطة الحدودية التي كانت تفصل بين الشمال والجنوب سابقاً.
وقال إن العمل في شق هذا الطريق قد بدأ منذ شهرين تقريباً وبجهود ذاتيه من أهالي "زريقة الشام" ودعم بعض فاعلي الخير وتم شق حوالي 10 كيلومترات من مفرق بني محمد باتجاه الجنوب الشرقي إلى ما بعد منطقة "الرجيح" من زريقة الشام.
وعن التكلفة الإجمالية لشق الطريق وما تم صرفه حتى الآن وكذلك المدة الزمنية لإكمال عملية الشق، قدر المحمدي التكلفة الإجمالية لشق الطريق بمبلغ 117 مليون ريال يمني وما تم إنفاقه حتى الآن مبلغ 12 مليون ريال، منها 6 ملايين دعم من رجال الخير والباقي مساهمة من أهالي "المليوي" و"الغودرة " والذين من فرط حماسهم تبرع البعض منهم بنصف راتبه رغم عوزهم وفقرهم.
وتوقع المحمدي أن يستغرق عملية الشق والتسوية فترة لا تزيد عن سبعة أشهر فيما لو توفر الدعم اللازم واستمر العمل بنفس الوتيرة.
وعبر المحمدي في ختام تصريحه عن شكره لكل الخيرين والأهالي الذين يساهمون بالجهد والمال في أعمال شق الطريق، متمنياً أن تضطلع الجهات الحكومية في محافظتي تعز ولحج بمسؤوليتها والمساهمة في إنجاز الطريق، شاكراً محافظ المحافظة نبيل شمسان الذي زار الطريق الثلاثاء الماضي وكلف المهندس مهيب الحكيمي وكيل المحافظة بإعداد دراسة كاملة لمشروع شق الطريق والتكلفة المالية المطلوبة.
كما علم "الموقع بوست" أن محافظ محافظة لحج أحمد عبد الله تركي قد وجه مذكرة لوزير الأشغال العامة والطرق باعتماد الطريق ضمن خطط الوزارة للعام الحالي 2021.
ما الذي ستقدمه الطريق؟
بحسب المهندس عيسى البذيجي، أحد مهندسي المشروع، فإن مسار الطريق سيتحول بمنطقة "المركز" بمديرية الشمايتين لتمر عبر بني شيبة الشرق بني محمد، وسيتم تلافي المرور في مدينة "التربة" ما يعني تقليص المسافة الإجمالية من 190 كم إلى 152 كم فقط، مما سيوفر مسافة قدرها 38 كم وزمن يُقدّر بساعتين من وقت الرحلة ناهيك عن تحاشي الكثير من حوادث السير وانقلاب الشاحنات والانهيارات الأرضية التي كانت تشهدها منطقة "هيجة العبد".
يضيف البذيجي في حديثه لـ"الموقع بوست" بالقول: "أما على المستوى الإنساني ستساهم الطريق في التخفيف من زحمة السير وستعمل على دخول المواد الغذائية بسهولة ويسر إلى تعز".
طريق الخلاص
ليست وحدها الحروب والصراعات السياسية وقوانين التشطير سابقاً من أكسبت طريق "بني محمد، المليوي، الغودرة، الجمرك" أهمية خاصة، وإنما أيضا لكونها الطريق الأقرب إلى القلب وإلى عدن والطريق الوحيدة التي ظلت مشرعاً للمسافرين بين محافظتي تعز وعدن عبر مختلف الحقب، فيما لو وصلت أعمال شقها حتى نهايتها كما يتوقع الأهالي فإنها ستكون طريق الخلاص الرديف لمحافظة تعز التي سد الحصار عنها كل المنافذ والطرق.