[ صورة تظهر إطلاق الأعيرة النارية في الهواء في حفلات الأعراس باليمن ]
لم يدر بخلد شفيقة محمد على (55 عاماً) عندما كانت تقوم بعملها المنزلي المعتاد جوار منزلها في قرية "الهجمة "عزلة المقارمة مديرية الشمايتين بمحافظة تعز، قبيل مغرب الخميس الماضي، أن السماء لا تمطر قطرات ماء غالباً فقط ولكنها تمطر أعيرة نارية وموتا طائشا أحياناً، وأنها على موعد مع مأساة حزينة مغلفة بزغاريد فرح إلا حينما شعرت بجسم غريب اخترق ظهرها ليستقر في الحوض من جسمها ليحولها إلى رقم جديد في سجل طويل من الأرقام عنوانه "ضحايا الأعيرة النارية العائدة من الهواء التي تُطلق في الأعراس".
أفراح وأتراح
كذلك لم يكن في حسبان أهل العروس والعريس وضيوف الفرح أن نيران أسلحتهم الملعلعة في السماء بكثافة قد منحت "شفيقة" في منزلها القريب دعوة غير مقصودة لزفة المعاناة الدامية، ولم يعد الوجوم والشعور بالأسف قادراً على إسكات أنين "شفيقة " الدامي.
في الشأن ذاته قال عبد الكريم، شقيق "شفيقة"، لـ"الموقع بوست"، إن أخته نقلت فوراً إلى مستشفى خليفة بمدينة "التربة"، ولخطورة حالتها تحتاج إلى عملية جراحية لإخراج المقذوف الناري من "الحوض" طلب منه الأطباء نقلها إلى المدينة وهي الآن ترقد في مستشفى "الصفوة" الخاص.
"عبد الكريم" الذي فشلت كل محاولاتنا في أخذ صورة "لشقيقته" حملت نبرة صوته تسامحاً مع صاحب العرس مغلباً حق الجورة والقربى، ومطالباً بإطلاق سراح والد العريس المحتجز لدى إدارة أمن مديرية الشمايتين ، وقال إن خسائره لعلاج أخته بلغت حتى الآن نصف مليون ريال وظروفه المادية صعبة.
الأمن يوضح
وعن دور الجهات الأمنية في مكافحة ظاهرة إطلاق النار في الأعراس، أوضح العقيد محمد العليمي في تصريح لـ"الموقع بوست" أن تلك الظاهرة من الظواهر السلبية التي تقلق السكينة العامة ويسقط بسببها ضحايا أبرياء نتيجة الأعيرة العائدة من الهواء.
وأشار إلى أنه في الفترة الأخيرة، وبحسب البلاغات المقيدة لديه، تزايد أعداد الضحايا خصوصا في مواسم الأعياد حيث تشهد القرى حفلات زواج كثيرة مصحوبة بإطلاق ناري كثيف.
وعن دور الأجهزة الأمنية في الحد من هذه الظاهرة ومكافحتها، قال العقيد العليمي: "لا يوجد نص قانوني يحدد العقوبة على المتهم في هذه القضية والذي يكون عادةً صاحب العرس وهو متسبب وليس متهماً مباشراً، ومع ذلك أقرت اللجنة الأمنية عقوبة 100 ألف ريال غرامة وسجن خمسة أيام لصاحب العرس، إلا أن تلك المحاولة لم تحدث تأثيراً فعلاً، وتبقى مكافحة هذه الظاهرة مرهونة بالأساس على وعي الناس واستشعارهم للنتائج السلبية لإطلاق النار في الأعراس".
كما أنه -بحسب العليمي- لا بد من تظافر جهود مختلف شرائح المجتمع ونخبه والوجاهات الاجتماعية وخطباء المساجد والإعلاميين للقيام بحملة توعية والتنبيه بمخاطر إطلاق النار في الأعراس.
الجاني هو الضحية
في حديثه لـ"الموقع بوست"، قال الشيخ بجاش الزريقي إن الأسباب التي أدت إلى استفحال ظاهرة إطلاق النار في الأعراس وتحولها إلى مشكلة تؤرق الجميع معزياً تعود إلى ثقافة المجتمع الخاطئة والذي يرى في كثافة إطلاق النار دليلاً على فخامة العرس وتميزه.
ولفت إلى أن هناك من يشكون من الظاهرة ومخاطرها لكنهم لا يتورعون عن التفاخر بإطلاق النار حين يقيمون أعراسهم فالمجتمع هو الجاني والضحية في آن معاً.
وقال الشيخ الزريقي: "لمكافحة هذه الظاهرة المقيتة يجب قبل كل شيء توقيع عقد اجتماعي ملزم بين المشايخ وعقال الحارات والوجاهات الاجتماعية بإشراف السلطة المحلية والجهات الأمنية يجرم إطلاق النار في الأعراس ويحاسب المخالفين لذلك الاتفاق، كما يجب على الجهات الأمنية صياغة مذكرة التزام وتعهد توزع على الأمناء الشرعيين يوقع عليها العريس عند عقد القران وتلزمه بإقامة عرس بدون إطلاق نار مع فرض عقوبة رادعة في حال المخالفة".
محاولة ناجحة
أجمع كل من استطلع "الموقع بوست" آراءهم أن ظاهرة إطلاق النار في الأعراس ظاهرة دخيلة على المجتمع "التعزي" المعروف بحضارته وثقافته المدنية، ومستواه التعليمي وسرعة استجابته مع أي إجراء ينسجم مع تلك الميزات الحميدة ويترجمها على أرض الواقع، وهو ما كسب رهانه الشيخ "إياد القرشي" شيخ عزلة "القريشة" مديرية الشمايتين الذي سن ميثاق شرف بين أبناء عزلته لإقامة أعراسهم بدون إطلاق نار فكانت التجربة ناجحة ومثار إعجاب الجميع (حاولنا خلال إعداد هذا التقرير التواصل مع الشيخ إياد القرشي إلا أن تلفونه كان مغلقاً).
من المؤكد أن "شفيقة " ليست سوى اسم أضيف إلى عشرات الأسماء في سجل عنوانه المحزن "ضحايا الأعيرة النارية الراجعة نتيجة إطلاق النار في أعراس أبناء محافظة تعز".
ومع بقاء المشكلة بانتظار صحوة مجتمعية وحزم حكومي يظل هاشتاج " #لاتقتلونا_بأفراحكم " على مواقع التواصل الاجتماعي هو صرخة ناشطي محافظة تعز التي ما فتئت تفاخر بمدنيتها ووعيها وتحلم بأعراس بلا سلاح ولا ضحايا.