[ راجح باكريت محافظ محافظة المهرة السابق ]
عامان وأربعة أشهر قضاها راجح باكريت محافظا لمحافظة المهرة الواقعة في شرقي اليمن، وهي فترة تبدو في طبيعتها قصيرة المدى، لكنها كبيرة قياسا بما خلفته من تداعيات ونتائج بالنسبة للمهرة ولليمن بشكل عام.
عين باكريت محافظا في نوفمبر من العام 2017 بقرار من الرئيس عبد ربه منصور هادي خلفا للمحافظ السابق محمد عبد الله كدة، وتسلم حينها مؤسسات المحافظة الرسمية وهي متماسكة محافظة على بقائها جراء الانهيار الذي أحدثه الانقلاب الذي تعيشه اليمن منذ أواخر العام 2014م.
جاء باكريت إلى منصبه كمحافظ من خارج العمل الحكومي ومؤسسات الدولة، وكان لهذه الخلفية تأثيراتها على أدائه طوال الفترة التي قضاها في منصبة، وبرزت نتائجها في طريقة إدارته للمحافظة، والتي نجم عنها العديد من التداعيات التي تشكل إرثا كبيرا فوق طاولة سلفه الجديد محمد علي ياسر.
كان قرار تعيينه بشفاعة من المملكة العربية السعودية التي يقيم فيها الرئيس هادي، وتزامن قرار التعيين مع البدايات الأولى لوصول القوات السعودية إلى المهرة، وكانت حينها محدودة الانتشار باقية داخل مطار الغيضة، ولكن مع توليه لمنصب المحافظ بدأت تدريجيا بالتوسع والانتشار حتى أصبحت كل المهرة بمديرياتها ومنافذها تحت قبضتها.
كان ذلك التوسع وما أعقبه من ممارسات هو الدافع الأكبر لارتفاع الأصوات المنددة بالوجود السعودي، والتي تطورت لاحقا لتنصهر في ما بات يعرف بلجنة الاعتصام السلمي التي نظمت الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية في أكثر من مديرية للتعريف بانتهاكات السعودية وممارساتها، بأسلوب جمع بين السلمية والنضال الجماهيري لمختلف أطياف المجتمع المهري في بلد تشهد ربوعه حربا وترتفع فيه صوت البندقية والرصاص.
وبخطوات تدريجية، منح باكريت السعودية ما تريد، وصارت هي المتحكم الرئيسي بتفاصيل المشهد العام للمهرة، وتزامن ذلك مع جملة من المتغيرات التي خلقت واقعا جديدا يدركه أبناء المهرة قبل غيرهم.
في عهد باكريت، قفزت المهرة لتتصدر العناوين الأولى داخل اليمن وخارجه كساحة اضطراب، وبؤرة فوضى خلافا لسجية المجتمع المهري المحافظ، وهوية المهرة كجغرافيا بعيدة عن مجمل الصراع الدائر في اليمن، فقد حضرت القوات السعودية وحضر معها باكريت وكان ثالثهما جذوة الصراع التي لم تنتهِ، رفع خلالها أبناء المهرة شعار سيادة الدولة اليمنية وعلمها الجمهوري معلنين تمسكهم بالشرعية اليمنية، بينما راح الطرفان الآخران يخوضان معركة بأهداف خفية غلافها مكافحة التهريب للسلاح ومقاصدها السيطرة المطلقة على المهرة وتنفيذ الأجندة التاريخية للسعودية.
ولم تتوقف التداعيات عند هذا الحد، بل شهدت المهرة للمرة الأولى تواجدا مكثفا للمليشيات المسلحة القادمة من خارج المحافظة، وحملات اعتقال ومطاردة للنشطاء، وأوامر منع لمسؤولين من الدخول إلى المدينة، وانقسام المجتمع المهري نفسه وهو الذي ظل متماسكا لعقود، وقرارات إقالات استهدفت الكفاءات الوطنية وجلبت نقيضها، ولأول مرة يسقط قتلى من أبناء المحافظة جراء هذا العبث كما حصل في منطقة الأنفاق.
التداعيات طالت أيضا المال العام الذي تعرض للنزيف في أكبر عملية فساد تشهدها المحافظة، وهو ما وثقته وتحدثت عنه وثائق رسمية كشفت جزءا فقط من عمليات الاختلاس للمال العام وتبديد الميزانية العامة للمحافظة في مجالات صرف هدفت لشراء الولاءات والنفوذ، ناهيك عن حالة الفساد الأخرى التي كانت تمارس في منافذ المحافظة وتذهب لجيوب ذات الشبكة المقربة من باكريت.
أما عن التنمية في عهد باكريت، فالزائر للمهرة قبل تعيينه سيرى أنها ذاتها بعد تعيينه، لا فارق يذكر، وجل ما استطاع تقديمه كان وعودا في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، تضاف لذات الوعود التي قدمها برنامج الإعمار السعودي ولم يتحقق منها شيئا على أرض الواقع.
لقد عانت المهرة أضعاف ما تعانيه بقية مدن الجمهورية اليمنية، مرة بإهمال السلطات الحكومية المتعاقبة لها، ومرة أخرى بسوء الإدارة التي عانت منها إبان فترة تولي راجح باكريت، والتي تحولت إلى فرصة مهدورة كان يمكن فيها تلافي الكثير، والنهضة بالمحافظة، خاصة بما تمتلكه من مقومات، وبعدها عن جغرافيا الصراع في اليمن، ووجود جار حريص عليها كسلطنة عمان.
ومثلما كانت البداية جاءت النهاية، ذات الجهة التي دفعت بالمحافظ باكريت إلى منصبه، كانت هي ذاتها التي تدخلت لإقالته، ويبدو حاليا كورقة خريف سقطت بعدما انتهى ربيعها، بينما تلوح الفرصة من جديد أمام المحافظ الحالي محمد علي ياسر لتلافي ما يمكن تلافيه في المهرة.
إنها لحظة فارقة في تاريخ المهرة والأيام حبلى بالتفاصيل.