[ يعيش النازحون على مساعدات بسيطة ]
في منطقة صحراوية برباط لحج إلى الشمال من العاصمة المؤقتة عدن، يقع واحدٌ من أكبر المخيمات التي استقر فيها نازحو الحديدة، الذي فروا من لظى المعارك العسكرية هناك إلى لظى النزوح والتشريد والجوع، حيث وصل عدد الأسر بالمُخيم إلى أكثر من 110 أسر وهو رقم متصاعد بشكل يومي، إلا أن القائمين على المخيم أوقفوا التسجيل والاستقبال حتى يتم نصب الخيام الإضافية.
وفي صفوف منتظمة نُصبت الخيام التي لم تخفف وطأة الحر والرطوبة بقدر ما كتمت الهواء عن أجساد النازحين النحيلة، والتي ليس لها حيلة سوى القبول بما هو موجود، في ظل غياب الدور الحكومي نظراً لمحدودية الإمكانات، وحضور متواضع للمنظمات فهو لا يرقى لمستوى ما يحدث، لكن وبشكل عام يُشكل وضع قاطني مخيم الرباط حالة أفضل مقارنة بالنازحين الآخرين الذين توزعوا في مديريات العاصمة المؤقتة عدن، فهؤلاء يجدون ما يسد رمقهم حتى وإن كان بعضا من الخبز والعدس الغير مطهو جيداً، وكذا تتوفر لهم مياه الشرب الباردة، وعيادة طبية صغيرة أنشأتها مؤسسة الشوكاني الراعية للمخيم.
وفي ساعات الصباح الأولى تبدأ حياة المخيم بالبزوغ عقب ساعات الليل التي حاول فيها النازحون النوم رغماً عن حرارة الأجواء بداخل الخيام التي لا تحمي من لسع البعوض.
طوابير مختلفة تبدأ منذ السابعة صباحاً، فوجبة الإفطار المكونة من روتي وقليل من العدس، وهي نفسها وجبة العشاء، تحتاج للوقوف في طابور طويل، ويحمل كل واحدٍ بطاقة صرفها القائمون على المخيم بهدف تنظيمه، ففي البطاقة معلومات حول الأسرة وعددها وعليه تتبين حصتهم من الروتي والعدس، وإلى جانب طابور الإفطار طابور آخر للحصول على الثلج والمياه، ويليه طابور ثالث لكنه أبعد نسبياً وهو طابور دورة المياه، ففي المخيم الذي تقطنه أكثر من 100 عائلة لا توجد فيه سوى سبعة حمامات.
وخلال نزولنا للمخيم التقى بعدد من النازحين الذين أجمعت كل تصريحاتهم على مناشدة المنظمات الدولية والمحلية بالنزول إليهم، وتوفير احتياجاتهم خصوصاً ما يتعلق بالتغذية والتهوية والتطبيب، فمن بين النازحين عشرات ممن يعانون من أمراض مزمنة وبحاجة لأدوية وعلاجات.
معاناة مستمرة
عدنان علي، وهو نازح من حارة السلام بمدينة بالحديدة، وصل إلى المخيم مطلع يوليو الجاري بعد أن زادت حدة التوترات بالحديدة وانتشار ميليشيا الانقلابيين بين حواريها.
يُفيد عدنان وهو أب لأربع بنات وطفل، ويعاني من مشاكل صحية بالقلب، أن حياته وأسرته بالحديدة كانت مستقرة فبالرغم من كونه غير موظف حكومي، إلا أنه كان يعمل بالأجر اليومي بالسوق سواء عند بائعي القات أو الخضار حيث يساعدهم مقابل مبالغ بسيطة لا تتجاوز الدولارين باليوم الواحد.
"لم يبت أولادي بالحديدة ولو يوماً واحداً دون عشاء، لكنهم الآن يتضورون جوعاً أمامي، وأنا عاجزٌ عن عمل أي شيء، فما يُقدمه لنا القائمون على المخيم من طعام لا يستسيغه الأطفال نظراً لرداءته، يضيف عدنان في حديثه لـ"الموقع بوست".
ويقول عدنان إن النزوح إلى عدن لم يكن مُخطط له سابقاً، بل مفاجئاً، وقد كلفه الكثير، فمع اشتداد موجة النزوح من الحديدة بفعل التطورات العسكرية زاد جشع سائقي السيارات والباصات والذين باتوا يطلبون من (8 إلى 10) آلاف ريال مقابل نقل الراكب الواحد من الحديدة إلى عدن، واستطاع عدنان توفير ذلك المبلغ بعد أن باع بعضاً من الذهب كان لزوجته.
ويذكر "هربنا بأنفسنا وبعض من ملابسنا في حين تركنا كل متاعنا و أملاكنا التي لا نملك غيرها في هذه الحياة، ولا نعلم إذا ما كنا سنعود إليها ونجدها أم لا".
وعن سبب اختياره عدن وجهةً للنزوح، أفاد،" نعلم أن عدن محررة وفيها أمان فتوجهنا نحوها، لنجد أنفسنا بعد ذلك في هذا المخيم الذي يقع في ضواحي عدن الشمالية.
ويوضح في سياق حديثه لـ"الموقع بوست"،" نعيش في هذا المخيم أوضاعاً صعبة فليس لدينا سوى ما يقدمه لنا القائمون على المخيم أو المنظمات؛ مستدركاً وإذا نقصك شيء فلا تستطيع الحديث معهم وطلبهم فلم نعتد أن نكون شحاذين، بل وأخشى أن أتعرض للإهانة لذا فأنا ألزم الصمت.
وأثناء حديث عدنان مع مراسل "الموقع بوست" كانت ابنته تبكي بعد أن رأت بائع آيسكريم فيما والدها لا يملك ولو فلساً واحداً.. وبعد تنهيدة قصيرة قال،" لم أجد نفسي عاجزاً كما هو وضعي الآن، ولم يسبق لي أن ذليت نفسي لأحد.. لكن الأطفال يحرجوك فهم ليسوا قادرين على الصبر والتحمل مثلنا نحن الكبار.
أمراض وليدة
ونتيجة للأجواء الحارة وغياب الكهرباء ومراوح الهواء ومحدودية دورات المياه، بدأت بعض الأمراض الجلدية تظهر على الأطفال تقول أم وليد.
وتُضيف لـ"الموقع بوست" بأن الدخول للحمام ليس بالأمر السهل فهناك سبعة حمامات فقط، ما يستدعيك للوقوف في طوابير مختلطة، فالحمامات السبعة هي للجميع نساء ورجال.
من الغربة إلى النزوح
علي أحمد عُبيد، أحد المغتربين اليمنيين الذين عادوا إلى محافظاتهم بعد أن ضاقوا ذرعاً بالسياسات المشددة تتخذها المملكة العربية السعودية تجاه اليمنيين، وبعد عودته قام بشراء سيارة تاكسي لتكون بذلك مصدرا لدخله وأسرته، وهي ذات السيارة التي نقلتهم خلال رحلة النزوح إلى ضواحي عدن.
يُفيد علي في حديثه لـ"الموقع بوست" أطفالنا بحاجة للحليب وكبار السن ممن يعانون من الأمراض المزمنة لا يجدون حبة دواء، أما ما يقدمه لنا المخيم من تغذية فهو عدس غير مستوٍ.
نعامل في مخيم النزوح وكأننا لسنا من بني البشر، يذكر علي، متسائلاً هل علينا أن نخرج لشوارع عدن لنشحذ حتى يلتفت إلينا المسؤولون، وناشد رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي والحكومة بالنظر لما يعيشونه من مآسٍ والتوجيه بتوفير احتياجاتهم.
* ملاحظة: خلال اليومين الفائتين وصلت عدد من المنظمات للمخيم، وتم توزيع سلل غذائية من مركز الملك سلمان، وبعض الفرش والناموسيات.