[ الغش في امتحانات الثانوية العامة أصبحت ظاهرة علنية في زمن الحوثيين ]
توجه بداية الأسبوع الماضي، أكثر من 450 ألف طالب وطالبة في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المسلحة إلى مراكز الامتحانات لنيل الشهادتين الأساسية والثانوية.
وشهدت العملية التعليمية في مناطق سيطرة الحوثيين، انهيارا كبيرا بعد نزوح وتشرد الآلاف من المعلمين من مدارسهم حينما أوقفت سلطات الحوثيين مستحقاتهم المالية قبل حوالي عامين، مما أثر تأثيرا مباشرا على مستوى التحصيل العلمي لدى تلاميذهم.
ولم تعد ظاهرة الغش في المراكز الخاصة بالطلاب بعد مجيء الحوثيين، عن طريق السرية والكتمان والخوف من اللجان التي كانت تبعثها وزارة التربية والتعليم كما كانت منذُ قبل، بل أصبحت تجري بشكل منظم وبحماية أمنية.
ومنذُ اجتاح الحوثي للعاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2015 شهدت العملية التعليمية انهيارا كبيرا وأصبح تلاميذ المدارس ضائعون وسط التسرب والتشرد وجبهات القتال.
ومن تبقى من الطلاب في مدارسهم يجدون أنفسهم بدون معلمين، أغلب أيام الفصل الدراسي، وإن حضروا فلا يقومون بواجبهم في تقديم الدروس احتجاجا على عدم تسليم رواتبهم المنقطعة منذُ قرابة العامين.
ويرى طلاب المدارس أن ممارسة الغش في زمن الحوثي أصبح واجبا، لأنهم لم يتلقوا دروسهم بالشكل الصحيح نظرا لعدم تواجد غالبية المدرسين أو عدم حصولهم على المنهج الدراسي.
ويحذر مختصون يمنيون من ضياع مستقبل الأجيال القادمة في ظل انتشار ظاهرة الغش، التي أخرجتها جماعة الحوثي إلى العلن وأصبحت تغذيها وترعاها، مما زاد من قناعة أولياء الأمور بأحقية أبنائهم في الحصول على شهادات ولو بالغش، رغم علمهم يتعارض ذلك مع الشرع والقانون.
وتتنوع أشكال ومظاهر الغش في الامتحانات العامة باليمن بين اقتحام لمراكز الامتحانات بقوة السلاح، وتسريب نماذج الامتحانات، والاعتداءات على رؤساء اللجان والمراقبين، وإطلاق النار على المعلمين بسبب رفضهم السماح بالغش، ونشوب فوضى ومشاغبة وتسلق لجدران المراكز الامتحانية، وتجمهر لأولياء الأمور على بوابات ونوافذ اللجان لمحاولة مساعدة أبنائهم، وانتحال شخصية، وتشارك الطلاب في الغش داخل اللجان، وتسهيل الغش من قبل رؤساء وأعضاء اللجان الامتحانية مقابل مبالغ مالية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والواتساب في عمليات الغش في الامتحانات.
الواتساب وسيلة جديدة
وفي ظاهرة غير مسبوقة يستخدم طلاب المرحلتين الأساسية والثانوية تطبيق الواتساب للغش في الامتحانات، ومع تدهور الأوضاع الإنسانية التي ألقت بظلالها على التعليم والعملية التعليمية والتربوية في اليمن.
وبحسب شهود عيان فإن نسبة الغش في الامتحانات بلغت نسبة مرتفعة، ولم يكتفِ الطلاب من الغش بالوسائل التقليدية بل تم استخدام تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت لكثير من الطلاب والطالبات الغش حسب تعبير طلاب المرحلتين.
ويحرص الطلاب على شراء الباقات للتفعيل السريع لشبكة الإنترنت، وبحسب مصادر مطلعة فإن هناك مجموعات خاصة في الواتساب يتم فيها تداول الأسئلة والإجابة عليها بالاشتراك مع بعض المدرسين، حيث يتم التقاط صورة لنموذج الاختبار الخاصة بالمادة ويتم إرسالها لأحد الأشخاص المتخصصين بالمادة، ويقوم بالإجابة على أغلب فقرات الامتحان، وبعد ذلك يتم نشرها في المجموعة الخاصة بالطلاب.
وهناك طرق أخرى يستخدمها الطلاب في الغش، لكن الأخطر من ذلك هو تسريب الامتحان قبل دخول الطلاب والطالبات إلى قاعة الامتحانات عبر مجموعة في الواتساب تشرف عليها جهات تتبع وزارة التربية والتعليم في حكومة الحوثي في ظاهرة تنبئ بتفخيخ التعليم في اليمن.
اختلالات تراكمية
يذهب مستشار المنظمة العربية للتربية "طاهر الشلفي"، إلى أن ظاهرة الغش في التعليم هي نتاج لاختلالات تراكمية واتباع سياسات خاطئة وقصور كبير للعمل المؤسسي في أهم قطاعات التنمية.
وقال "الشلفي" في تصريح لـ "الموقع بوست"، إن الجميع يعلم بأن هناك مسؤولية تشاركية في استفحال ظاهرة الغش لتصبح كحق مكتسب ليس للطلبة فحسب، فنرى أولياء الأمور ووجهات اجتماعية و نافذين في الدولة يعملون بكل السبل لإفشال كامل الخطط والآليات المتبعة لتنفيذ اختبارات الطلبة بنجاح.
وأكد أن هناك حلقات إدارية تسلسلية في الهرم الإداري للتعليم مشاركة بنسب متفاوتة في إيجاد وتوسع ظاهرة الغش، فالقصور باعتماد آلية واحدة لقياس التحصيل العلمي والمتمثلة في الاختبار التحريري للطالب تمثل عامل مساعد للغش.
ورأى "الشلفي" أن الأهم في تسهيل وتكريس ظاهرة الغش لدى الطلبة هي القيادات الإدارية المدرسية ومن ثم المعلمون أنفسهم الذين باعوا ضمائرهم سواء في أداء مهنتهم على الوجه الأمثل أو الاسترزاق أثناء الاختبارات في تسهيل الغش.
واعتبر انعدام الكتاب المدرسي وغياب أعداد كثيرة من المعلمين نتاج لانقطاع المرتبات وعوامل أخرى من أسباب توسع الغش لكن الأهم هو ما أعلن عنه وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة التربية والتعليم أن هناك أكثر من 300 مدير مدرسة مؤهلاتهم يقرؤون ويكتبون.
وأضاف كما أشارت البيانات إلى أن أكثر من 4000 ألف مدير مدرسة يحملون الثانوية والإعدادية، مشيرا إلى أن هذه الأسباب ساعدت في توسع ظاهرة الغش لتصبح كحق مكتسب.
ودعا "الشلفي" الجميع إلى العمل بكل جد وبمهنية عالية في سبيل محاربة ظاهرة الغش من خلال إصلاح الاختلالات المتراكمة في التعليم بشكل عام إدارية وفنية ومنهجية وأهمها الإدارات المدرسية.
وأكد على أهمية تطبيق اللائحة التي تنص على تنفيذ العقوبة على كل من سهل أو شارك في عملية الغش والعمل على تنفيذ حملات توعوية في كافة وسائل الإعلام حول الأضرار الناتجة عن الغش في التعليم على الطالب والمجتمع والتنمية ككل.
العنصرية والمحسوبية في الغش
يقول الطالب محمد عبدالرحمن، إنه كل يوم يذهب إلى المركز الامتحاني، وهو لا يعرف سوى اسم المادة التي سيختبرها فقط.
وتحجج محمد في تصريح لـ "الموقع بوست"، أن معظم المواد لم يدرس منها سوى القليل بسبب غياب المدرسين وعدم توفر المناهج الدراسية، مشيرا إلى أن كل تلك الأسباب عرقلة العملية التعليمية وسببت إحباطا كبيرا في صفوف الطلاب.
من جانبها شكت الطالبة غدير خالد من تردي عملية التعليم في مدرستها، وانتشار ظاهرة الغش بشكل مخيف بعد أن كانت أحد المدارس النموذجية.
وأفادت غدير في تصريح لـ"الموقع بوست"، أنها كانت تتمنى أن تدرس موادها في معاهد خصوصية لأن اغلب مدرساتها لم يحضرن خلال فترة الدوام، لكن ظروفها المادية كما تقول كانت صعبة مما سيدفعها للانخراط في ظاهرة الغش خوفا من حصولها على معدل متدني مقارنة بزميلاتها.
وأكدت الطالبة أنها بذلت مجهودا كبيرا في المذاكرة والاجتهاد، وأنها تتمنى لو أن مدرستها تكون خالية من الغش وتكون خالية خلال الامتحانات من المظاهر المسلحة وفوضى المرافقين للطلاب.
وأبدت "غدير" تذمرها الكبير من التمييز الذي يجري داخل الفصول، من خلال إدخال مدرسين مختصين لحل دفاتر بعض الطالبات بحجة أن والدها استشهد في جبهات القتال، أو انها ابنة أحد المشرفين أو المسؤولين.
ويوجد تذمر واتهام من قبل الطلاب وأولياء الأمور لوزارة التربية والتعليم في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا بالخضوع لبعض التوجيهات الصادرة من بعض الجهات والمخالفة لقانون التعليم والمتمثلة بمنح شهادات إتمام المرحلة الأساسية والثانوية لعدد من الطلاب دون أدائهم للامتحانات وبمعدلات نجاح عالية تحت مبرر أنهم في واجب وطني في بعض المواقع والأحداث التي تمر بها البلاد، وهذا الأمر يشرع لبقية الطلاب الغش من وجهة نظرهم.
الغش وباء ينخر في جسد التعليم
تقول الإخصائية الاجتماعية "حنان علي"، إنه في الأعوام السابقة كانت تتوارد أخبار وإشاعات أن هناك انتهاكا للحق التعليمي أثناء الاختبارات في المناطق النائية ويجن جنون المهتمين والمسؤولين عليها باعتبار أنها كارثة تعليمية حقة.
وأفادت "علي" في تصريح لـ "الموقع بوست"، أما في وقتنا الحالي وبالأخص بعد الحرب التي تطحن البلاد منذُ أكثر من ثلاثة أعوام فحدث ولا حرج ماذا يمكن لنا أن نقول أو أن نتحدث عن ظاهرة الغش، التي انتشرت بشكل وبائي في كل مكان يمكن أن ينسب للتعليم أو المراكز التعليمية الأساسية والثانوية أو حتى للتعليم العام والصفوف الاعتيادية.
وبينت التربوية "حنان علي"، أننا لاحظنا مؤخرا زيادته بشكل كثيف كل عام وصرنا نسمع عنه من أفواه الطلاب والطالبات وأولياء الأمور والمراقبين للجان الاختبارات وكأنه أمر أصبح من ضرورات العام الدراسي.
ولفتت إلى أن هناك شريحة من الطلاب لا زالت حريصة على تلقي دروس مكثفة في المواد العلمية في معاهد ومراكز تعليمية تعمل مثل هذه البرامج للطلاب تلافيا للنقص الشديد والتدني التعليمي في المدارس خاصة المدارس الحكومية التي أحبط معلموها وباتوا أقل اهتماما بالعطاء التعليمي بسبب انقطاع مستحقاتهم المادية.
وأكدت أن التربويين والمهتمين بالتعليم داخل البلاد يجهدون أنفسهم في البحث عن حلول تحد من وباء الغش في مدارس البلاد، لكن للأسف تقابل جهودهم بإهمال من الجهات المختصة.
وأوضحت أن "معظم الطلاب يلجؤون لوسيلة الغش للتخلص من ما يسمى شهادة عامة، ليتفاجأ المجتمع بعدها بجيل من الشباب بلا علم حقيقي وبلا شباب واع بحق".
وأضافت أن "كل تلك الشرائح من الشباب التي ترعرعت خلال دراستها على ظاهرة الغش، ستدخل مجالات تعليمية أكبر وهي خاوية تماما من العلم الأساسي الذي يجب أن تتلافاه في المدارس وهم من وجه نظري يصبحون كارثة وعاله على أسرهم وعلى البلاد".
واختتمت الإخصائية الاجتماعية حنان علي تصريحها برسالة للدولة دعتها فيها إلى الحرص ولو قليلا على هذا الجانب وتنبته بنية صادقة باعتبار أن الأجيال الآتية ومعلميهم هم اللبنة الحقيقية لبناء الوطن علما وعملا.