[ مسافرون منعتهم قوات الحزام الأمني من دخول عدن ]
في الحروب تغدو المسافات أطول ممّا هي عليه في الواقع، وحال السفر بين أي مدينتين يمنيتين في زمن المليشيات بات محفوفا بالمخاطر، ومغامرة. والزمن لم يعد مرتبطاً بطول المسافة فحسب، بل يتعدّاها إلى عدد الحواجز، والنقاط المنتشرة، والظرف الأمني الذي يتغير بين فترة وأخرى وتتغير معه تعقيدات الإجراءات على طول الطرقات.
آ
كثيرة هي صعوبات وتعقيدات السفر بين المدن اليمنية اليوم، ومن أول وهلة يخضع المسافر لمسلسل طويل من الإجراءات والتحقيقات، وعلى طول الطريق تتحول الرحلة إلى حكاية. والمسافر قد يتحول إلى متهم، وينتهي به الأمر إلى الاعتقال والسجن في حال تم الاشتباه به. وإذا ما كان مسافرا من الشمال إلى الجنوب فتكون العنصرية من نصيبه والمناطقيه، وكثيرة هي المشاكل التي أصبحت تواجه المسافرين في بلادهم.
آ
إجراءات السفر في زمن الانقلاب
آ
على مستوى العاصمة صنعاء، تطورت إجراءات السفر، فلم تعد هي تلك الإجراءات التي تتم في نقاط التفتيش، بل أصبحت الإجراءات تبدأ من الحجز والفحص في شركة النقل، وأصبح المسافر يخضع أولا ليوم انتظار، وذلك بهدف حصوله على موافقة من قبل سلطات الانقلاب في صنعاء، والسماح له بالسفر، من عدمه.
آ
وإجراءات السفر في زمن مليشيا الحوثي بحسب توجيهاتها الأخيرة لمكاتب وشركات النقل البري، تؤكد: "يحجز المسافر من مكتب سفريات وسياحة قبل موعد سفره بأيام عديدة ـ يتم رفع الأسماء لسلطة الانقلاب في صنعاء وفق تعميم من قبل المليشيا للمكاتب ـ يتم إرسال الأسماء عبر رقم واتس اب واحد فقط يدير مكاتب السفريات في مناطق سيطرة الانقلاب ـ يوافق أو يرفض جهاز أمني استحدثته المليشيا اسمه جهاز الأمن الوقائي ويرسل الأسماء التي تمت الموافقة عليها والأسماء التي تم منعها من السفر ـ يتم إيقاف المسافرين الممنوعين من السفر في النقاط الحوثية وسجنهم بتهمة مخالفة أوامر سلطة الانقلاب".
آ
على مستوى طريق صنعاء تعز وبعض المحافظات التي تربط المحافظتين، تقوم نقاط التفتيش التابعة للمليشيات بإجراءات تتمثل بالتفتيش وبطلب بطائق الهوية وتمارس ابتزازا واسعا للمسافرين وهو ما أكده بعض المسافرين لـ "الموقع بوست".
آ
وفي طريق صنعاء تعز يتعرض الكثيرون من أبناء تعز للاحتجاز، خصوصا أولئك الذين يحملون بطائق هوية تؤكد انتماءهم لمنطقة شرعب السلام، التي ينخرط معظم أبنائها في صفوف المقاومة. وبحسب شهود عيان يطلق رجال النقاط على أولئك الناس بعض الألفاظ والمصطلحات ومن بينها لفظ "دواعش". وإلى جانب ذلك أحيانا يتم اعتقال شباب بتهمة أنهم جنود في الجيش الوطني في مأرب.
آ
اختطاف المواطنين من الطرقات سمة حوثية، تميزت بها منذ انقلابها على السلطة في 21 سبتمبر في العام 2014م، وإحكام قبضتها الوحشية على مناطق شمالية عدة. لذا يتم اختطاف المواطنين والمسافرين الأبرياء بمجرد الانتماء إلى جغرافيا تتعرض فيها الميليشيات لمقاومة شرسة أبرزها تعز.
آ
في ذمار إجراءات مستفزة
آ
"الموقع بوست" وهو يتتبع تفاصيل المخاطر التي يتعرض لها المسافرون في أغلب المحافظات والمدن اليمنية، توصل إلى معلومات تفيد بقيام مليشيات الحوثي باستفزاز أبناء محافظة ذمار بشكل يومي عند مداخل المدينة وعند مداخل القرى والمديريات، حيث تخضع السيارات والمركبات المارة من مدينة ذمار والتي تقل الأسر العائدة إلى قراها ومناطقها للتفتيش والمضايقات من قبل الميليشيات الحوثية بشكل مستمر، بحسب شهود عيان.
آ
ويقول جهاد عبد الله الأهدل، وهو من أبناء ذمار بأن عملية التفتيش، التي تقوم بها المليشيات، مستفزة، وتستمر أحيانا لنصف ساعة وأكثر، وكثيرة هي الصعوبات التي يواجهها المسافرون في حواجز التفتيش التي أقامها مسلحو الحوثي في مداخل ومخارج ووسط المدينة بسبب الازدحام الشديد.
آ
اللهجة تعرض المسافرين للمضايقات
آ
في حديثه مع الموقع بوست يقول محمد سرحان، إنه يحاول أكثر من مرة أن يغير من لهجته ومن لغة كلامه، أثناء سفره ومروره بالمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حيث إن الحوثيين يركزون في على لهجات المسافرين، وبناءً على تحديد هويتهم ومناطقهم من خلال الحديث يبدؤون إجراءاتهم التعسفية بحق المسافرين.
آ
وتتميز لهجة تعز والمحافظات الجنوبية عن غيرها من اللهجات في مناطق الشمال وشمال الشمال، لذا من السهل تمييز أصحاب تعز والجنوب عن غيرهم من المسافرين، ولهذا عادة ما يكونون أكثر عرضة للمضايقات.
آ
وبحسب ناشطين حقوقيين، فإن العناصر المسلحة من الميليشيات الحوثية في العادة تكون في سن المراهقة ولم تحصل على التعليم الكافي، لكنها وجدت فرصة عمل مع الميليشيات وترى أي شخص ينتمي إلى أي منطقة تحضر في صلب المقاومة الشعبية، بمثابة عدو وأحيانا يتم التعامل مع المسافرين على هذا الأساس ويتم الاعتداء عليهم والزج بهم إلى سجون سرية.
آ
ويؤكد شهود عيان بأن المسافرين عبر محافظة ذمار بالآلاف يومياً خاصة أن مدينة ذمار تعتبر همزة الوصل بين مناطق الشمال والجنوب والوسط، لذا تعج طريقها الرئيسية بالمسافرين، وبذات القدر يتعرضون للمضايقات المستمرة من قبل المليشيات.
آ
سفر شبيه بالتهريب
آ
لقد تأثرت الرحلات الداخلية بين المحافظات اليمنية، بسبب الحرب الدائرة في العديد من المحافظات والتي زادت من معاناة المسافرين والعاملين في مجال النقل البري، بصورة كادت أن تشل حركتها.
آ
وبسبب الظروف الأمنية البالغة التعقيد، يؤكد الكثير من العاملين في نقل المسافرين، على تغيير مسار الرحلات وتغيير الطرقات، فلم تعد الطرق الرئيسية المعتادة هي الطرق التي يسلكها العابرون والمسافرون، خصوصا في تلك المناطق والمدن التي صارت ضمن مناطق المواجهات والمعارك. على سبيل المثال، بسبب الحرب الدائرة في جبهة نهم الواقعة شرق صنعاء، تم تغيير مسار الطريق ليعبر المسافر في ثلاث محافظات (ذمار، البيضاء، مأرب).
آ
وتتفاقم المشاكل والصعوبات التي تواجه العاملين في هذا المجال بالتنقل بين المحافظات مع وقع المواجهات واحتدامها واقترابها من الخطوط الرئيسية التي تصل بين المدن.
آ
فضلاً عن ذلك يشكي الكثير من سائقي سيارات الأجرة، والذين يعملون في نقل المسافرين بين المحافظات من وعورة الطرق وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وعدم استقرارها، والذي يترافق مع الوضع المعيشي الصعب للمواطن.
آ
وبحسب عاملين في مجال النقل، وأصحاب سيارات الأجرة، تراجعت حركة الرحلات البرية الداخلية بشكل كبير، وهذا التراجع في الرحلات البرية بين المحافظات تزامن مع ساعات طويلة يقضيها المسافر للوصول إلى وجهته، نتيجة التفتيش الدقيق والشبيه بانتقال المسافر من دولة إلى أخرى.
آ
وتماما يحدث ذلك في تعز، حيث أصبح المسافر الذين يريد دخول مدينة تعز، يعبر طرقات وعرة تستغرق منه 8 ساعات بدلا من عشرة دقائق كان يحتاجها المسافر من مفرق شرعب على سبيل المثال إلى وسط المدينة، فأصبح بسبب الحصار المطبق على المدينة من قبل مليشيات الحوثي يعبر طريق طويلة وبعيدة تكلفه وقتا وجهدا وتكاليف، فإلى جانب أنه يستغرق في الرحلة ثماني ساعات يدفع المسافر ما يقارب سبعة آلاف ريال مقابل تنقله إلى المدينة.
آ
السفر إلى المحافظات الجنوبية الأكثر تعقيدا
آ
يواجه المسافرون من المحافظات الشمالية إلى المحافظات الجنوبية تعقيدات بالغة، لم يسبق أن عرفها المسافرون على مدى عقود طويلة، وإجراءات لم يعرفها أبناء الشمال حتى إلى ما قبل الوحدة أو أي زمن.
آ
وبرزت في الفترة الأخيرة، المعاناة التي يتعرض لها المسافرون من تعز إلى عدن، حيث تمارس بحقهم اعتداءات ومضايقات واسعة وكثيرة. خصوصا في نقطة مصنع الحديد والتي تتكرر فيها الممارسات التعسفية بحق المسافرين.
آ
يقول مفيد أحمد وهو أحد الذين سافروا إلى عدن خلال الأسبوع الماضي لـ "الموقع بوست": "السفر إلى عدن أصبح أشبه بالسفر إلى المريخ تمر تعز إلى عدن بأكثر من 100 نقطة تفتيش وفي كل نقطة تبرز بطاقتك وترد على أسئلة كلها نسخ لصق من أين أنت وين رائح وأيش معاك وأين تشتغل مع قليل لكاعة وسخرية واحتقار، وهات تلفونك وتفتيش مقزز أشبه بالسرقة خاصة نقطة الدعيسة ومفرق شرعب حق المتحوثين يقومون بتفتيش أشبه بالسرقة قده كيس داخله شامبو وصابون نسيم بلاس يمسك الكيس ويفتش عشان لو حصل حاجه صغير يأخذها للجيب المهم ولو ما حصل عليك حاجه يرجع يقول لك هات حق القات، تخيل أنت كل هذه الجعثة تتكرر معك طوال 100 نقطه سوى التابعة للحوثين أو الشرعية".
آ
ويضيف "أما صاحب الباص الي فاهم على نفسه يصرف له خمسة آلاف أبو 250 وبكل نقطة خرج 250 أو 500 على حسب خبرته بأصحاب النقاط ".
آ
ويتابع "ليس كذا وبس كمان المعاناة أنك طول الطريق ما تحصل لا مسجد ولا بقالة من نقيل حيفان إلى أن تصل نقطة الفرشة تموت عطش وحصر، ولو طلعت مغفل ما أكلت بالحوبان وإلا في منطقة ورزان تموت جوع".
آ
من جهته يقول رفيق صالح "أصبحت الطريق من تعز إلى عدن مغامرة أشبه بمغامرة مهربي الهروين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أيام حرب فتنام، وهي مغامرة مرعبة يقدم عليها المسافر الذي ضاقت به ظروف الحياة المعيشية فيواجه مشقة ربما هي أكثر تعقيدا من الحصول على لقمة العيش، في بلد أكلت فيه الحرب الأخضر واليابس".
آ
ويضيف في حديثه لـ "الموقع بوست" إن "ما يتعرض له المواطنون من أبناء المحافظات الشمالية في مداخل عدن وخصوصا نقطة مصنع الحديد يسيء للجنوب بأكمله ويظهر أبناء الجنوب بشكل عنصري ومناطقي".
آ
ويتابع "كل من يملك هوية شخصية تثبت انتماءه للمحافظات الشمالية يتم إنزاله بشكل عنصري فج مترافق مع ألفاظ بذيئة، روحوا يا دحابشة، حرروا تعز لو أنتم رجال" مؤكدا إننا "منعنا من الدخول عند نقطة الحديدة بعد أكثر من محاولة في حين كان هناك أشخاص قبلنا مر عليهم أكثر من ثلاثة أيام وهم يفترشون الأرض بين البرد في الصحراء، عل رحمة من السماء تنزل على أولئك الجنود فيسمحون لنا بالعبور إلى عدن".
آ