[ عمال يتبعون الشركة الكندية التي كانت تتولى عملية التنقيب عن الذهب ]
في جبال مديرية أفلح الشام الشاهقة بمحافظة حجة (شمالي اليمن) يبحث العشرات من الشبان عن الذهب في مجموعات متناثرة ليل نهار سعياً للحصول على كميات من المعدن الثمين تنتشلهم من براثن الفقر المدقع وتحقق أحلامهم في الثراء.
تحتضن المديرية النائية أكبر منجم للذهب في اليمن، وهو منجم الحارقة الذي تم إنشاؤه من قبل شركة "كانتكس" الكندية، في عام 1996م بعد اكتشافها ما يزيد على 96 مليون جرام من الذهب.
وتُقدر هيئة المساحة الجيولوجية احتياطي الذهب في منطقة الحارقة بمديرية أفلح الشام, بـ30 مليون طن، بمحتوى يتراوح بين 1- 1.65 غرام ذهب في كل طن من الصخور التي تحتوي على الذهب.
وخلال فترة تنقيب الشركة الكندية التي امتدت إلى نحو 18 عاماً, اكتسب أهالي المنطقة خبرة كافية في طرق البحث والتنقيب عن الذهب، وكيفية استخراجه وتصفيته من الشوائب والاعتماد عليه كمصدر رزق.
تنقيب يدوي
تبدأ عملية التنقيب بالحفر بأدوات تقليدية حتى يتم العثور على الذهب الذي يكون على شكل أحجار صغيرة، بداخلها ذرات يتم طحنها، ثم تبدأ عملية الغربلة لتصفية ذرات الذهب وغسلها بالماء في إناء بلاستيكي، لتصفيتها من الشوائب، ثم تضاف لها مادة الزئبق الصناعي، والذي أصبح يباع علناً في بقالات المنطقة بسعر ثلاثة آلاف ريال للجرام الواحد.
ومنذ عام كامل يستمر حسن وهو شاب يسكن في مديرية خيران المحرق المجاورة لأفلح، في عمليات البحث عن الذهب دون كلل أو ملل، بعد توقفه عن الدراسة في كلية المجتمع بمديرية عبس، بعد تدهور أوضاع أسرته المعيشية وانقطاع راتب والده منذ أكثر من عام.
يقول حسن الذي اكتفى بذكر اسمه الأول لـ"الموقع بوست" نقوم بحفر خنادق في الجبل الذي يتواجد المنجم في قمته متتبعين عروقاً معينة في باطن الأرض، نستدل بها للعثور على الحجارة التي تحتوي الذهب ثم نقوم بطحنها واستخدام مواد لتنقيتها مثل الزئبق لاستخلاص خام الذهب.
ويضيف: عمليات البحث عن الذهب تحتاج لوقت وصبر وجهد كبير، وإن لم يبتسم لي الحظ اليوم فمن المؤكد أن الغد سيكون أجمل، فلدّي قناعات راسخة أن هذه الأرض تحوي كميات كبيرة من الذهب، ولن تبخل علي بقليل منه يغير حياتي إلى الأفضل.
وعن تقديره لكمية الذهب التي حصل عليها خلال الأسبوع الماضي، قال حسن إنه حصل على جرامين من الذهب بعد نحو خمسة أيام من العمل الشاق باعها لأحد تجار الذهب بمديرية عبس المجاورة، واشترى بقيمتها متطلبات أسرته المكونة من ستة أفراد.
أحلام الثراء
الفقر والبطالة وحكايات الناس عن الذهب والحلم بالثراء، أسباب دفعت الشاب جابر علي وعدد من شبان قريته الواقعة في مديرية أفلح اليمن إلى خوض تجربة البحث عن الذهب والتي وصفها بـ”التجربة الشاقة”.
ويتداول السكان قصة أحد أبناء المنطقة الذي عثر على صخرة أسفل المنجم بداخلها كميات كبيرة من الذهب، وبعد قيامه بتصفيتها بالطرق التقليدية باع منها بمبلغ 2 مليون و 700 ألف ريال.
وبلغت مستويات الفقر بمحافظة حجة التي نزح نحو 485 ألف نسمة من سكانها أرقاماً مخيفة بتجاوزها نسبة الـ 80% من عدد سكان المحافظة البالغ عددهم مليونين و104 آلاف نسمة منذ بدء الحرب.
ويؤكد الواقع أن البطالة وطموحات الشباب في تحسين أوضاعهم المعيشية المتردية قادتهم إلى مغامرة البحث عن الذهب في الجبال، والبعض منهم حقق حلمه، والبعض الآخر عاد بخفي حنين.
جابر علي عاد لتوه من رحلة التنقيب عن الذهب والتي استمرت ثلاثة أيام، وروى لـ"الموقع بوست"، جانبا من تفاصيلها: كانت رحلة مرهقة جداً ولم أظفر بشيء، وخسرت أكثر من 5 آلاف ريال بينما حصل صديقي المحظوظ على جرامين ونصف من الذهب.
ويضيف: لقد كانت مغامرة مثيرة وتجربة تستحق التكرار، ورغم أن عملية التنقيب تعتمد على طرق بدائية قديمة، وحلمي الوحيد أن أحصل على جهاز كشف المعادن، لكني لا أعرف إن كان موجوداً في اليمن أم لا، فهو سيسهل لي مهمة البحث عن الذهب.
ويؤكد في حديثه لـ"الموقع بوست" أن غالبية العائدين من رحلة التنقيب لا يكشفون عن حجم ما حصلوا عليه من الذهب، بينما البعض منهم يدعي إنه لم يحصل على شيء، خشية الحسد.. بحسب قوله.
ورغم اختلاف أقوال من التقاهم "الموقع بوست" عن كمية الذهب التي حصلوا عليها من عمليات التنقيب، إلا أن الإقبال المتزايد على عمليات البحث عن الذهب في المنطقة يفسر جاذبية وإغراء المعدن النفيس ومردوداته المالية أيضاً.
ثروة مهدورة
الكميات البسيطة التي يحصل عليها المواطنون من الذهب بوسائل بدائية، سلطت الضوء على الكميات الضخمة التي كانت تحصل عليها شركة "كانتكس" الكندية، والتي اتهمها بعض الأهالي بنهب ثروة منطقتهم المحرومة من أبسط الخدمات.
وفي ذلك الشأن، تعللت الشركة في السابق بحسب إفادات الأهالي لـ"الموقع بوست" ببعض العوائق والمشاكل التي اعترضتها بعض أبناء المديرية والمشائخ والوجهاء ممن لهم أملاك في جبل “الحارقة” بأنها كانت السبب في تأخر عملية الاستكشاف.
ويقول الأهالي إن الشركة الكندية لم تتوقف عن العمل، خلال مدة تجاوزت 18 عاماً، سوى عام 2000 فقط، مؤكدين أنها ظلت مستمرة في التنقيب حتى خلال حروب صعدة الست وثورة فبراير 2011م.
ورغم السنوات الطويلة التي عملت فيها الشركة في التنقيب عن الذهب والكميات الكبيرة التي تم استخراجها إلا أن منطقة الحارقة بشكل خاص، ومديرية أفلح بشكل عام، ظلت محرومة من أبسط الخدمات كمشاريع المياه والكهرباء والطرق والصحة وغيرها.
وواجهت الشركة الكندية منذ السنوات الأولى من تنقيبها في منجم الذهب في المديرية النائية انتقادات واسعة من السكان، الذين اتهموها باستنزاف موارد المياه، وتلويث المنطقة، وعدم بذل أي شيء لتحسين مستويات المعيشة هناك.
وتوقفت الشركة عن التنقيب في منجم الحارقة بمديرية أفلح الشام بمحافظة حجة, بعد انقلاب مليشيا الحوثي واستيلائهم على السلطة في عام 2014م في حين ظلت بعض معدات الشركة في المنجم الذي يحرسه أحد أبناء المنطقة.
نهب منظم
يرتبط جبل الحارقة بمديرية أفلح الشام، والذي يتواجد به أكبر منجم للذهب في اليمن، بسلسلة جبلية تمتد إلى مديرية كشر المجاورة، والتي تحتوي جبالها على كميات كبيرة من الذهب والمعادن النفيسة.
وكشف سكان محليون عن عمليات نهب منظمة يشهدها جبل مجاور للمنجم يتبع منطقة بني داوود بمديرية كشر من قبل مليشيا الحوثي، في حين لم يتدخل مشائخ القبائل لحمايته من السرقة؛ كونهم يشاركون فى النهب المنظمة دون حسيب ولا رقيب.
وأوضحوا في حديثهم لـ"الموقع بوست" بأن شاحنة تقوم بشكل مستمر بنقل كميات من الصخور من جبل بني داوود الذي يقال إنه يحوي كميات أكبر من الكميات الموجودة في منجم الحارقة ونقلها إلى محافظة صعدة بالتواطؤ مع نافذين من أبناء المنطقة.
وأكدوا أن عمليات النهب تتم بإشراف مباشر من قبل خبير سوداني في مجال التعدين كان يعمل مع الشركة الكندية قبل توقف أعمال التنقيب في منجم الحارقة، ومهمته فحص العينات، وتحديد أماكن الحفر، لشبان من أبناء المنطقة يعملون بالأجر اليومي.
ولفتوا إلى وجود مصالح مشتركة بين السكان الذين يعملون في البحث عن الذهب، والنافذين الحوثيين الذين يشترون مخلفات الحفر عن طريق الخبير السوداني، ليتم نقلها مع الكميات المنهوبة إلى محافظة صعدة لتنقيتها في فرن مخصص لذلك.
وأشاروا إلى أن مشائخ المنطقة يغضون الطرف عن عمليات نهب ثروة البلاد مقابل عمولات محددة من قبل مليشيا الحوثي، بالإضافة إلى شق طريق ترابي إلى القرية التي يوجد فيها الجبل المليء بالذهب بحسب اتفاق الطرفين.
مغامرات الشبان في البحث والتنقيب عن الذهب في جبال أفلح الشام, وانعدام الوعي بأهمية الحفاظ على ثروة الشعب ونهب مليشيا الحوثي المنظم للذهب من جبال كشر، بمحافظة حجة, كلها عوامل ستسهم في المستقبل القريب في استنفاد مخزون المنطقة من هذه الثروة الوطنية.