[ تراجعت نسبة إقبال الطلاب على الجامعات اليمنية بشكل عام ]
بشكل ملفت وبارز وعلى لافتات كبيرة الحجم تنتشر على امتداد شوارع صنعاء إعلانات الجامعات الخاصة التي تتسابق على الكسب والربح في زمن لم يعد التعليم ضمن قائمة اهتمامات الناس وضمن قائمة أولوياتهم، خصوصا بعد توقف رواتب ما يقارب مليون يمني منذ ما يقارب العام، ناهيك عن توقف أعمال مئات الآلاف الآخرين.
وإذا كان الكثيرون أصبحوا عاجزين عن الالتحاق بالتعليم الحكومي بشكل أو بآخر فكيف سيكون لهم القدرة على الالتحاق بالتعليم في الجامعات الخاصة، وطبقا لشهادات كثيرة، وتقارير منظمات دولية، فإن ملايين اليمنيين حرموا من التعليم الأساسي والتعليم العالي، وتتعدد الأسباب بهذا الشأن ولكن أبرزها هو توقف الرواتب.
ومن هذا المنطلق وطبقا لحديث العديد من الشباب، وحديث مصادر في الجامعات الخاصة، فإن الجامعات الخاصة شهدت تراجعا كبيرا في نسبة الالتحاق أولا، وثانيا شهدت تراجعا في العملية التعليمية نفسها، كما أنها صارت تواجه ظروفا صعبة خصوصا في ظل عدم قدرة الكثير من الطلاب على الالتزام بدفع الرسوم في الوقت المقرر والمتفق عليه.
سباق محمومآ
أحد مؤشرات تراجع التحاق اليمنيين بالتعليم العالي في الجامعات الخاصة، هي تلك العروض التي تروج لها الجامعات، فعلى لوحات إعلانها في شوارع صنعاء وضمن حملاتها الإعلانية في مواقع التواصل الاجتماعي تقول جامعة "سارع إلى التسجيل واحصل على تخفيض بنسبة 30 بالمئة"، وأخرى تقول "سارع في التسجيل واحصل على تخفيض بنسبة 50 بالمئة"، وناقص فقط تقول جامعة "سارع في حجز مقعد دراسي واحصل على آخر مجانا". هكذا تحولت الجامعات إلى ما يشبه دكاكين وتحول معها المقعد الدراسي إلى سلعة تجارية الهدف منه كسب المال والربح لا أقل ولا أكثر.
كثيرة هي المؤشرات التي تؤكد نسبة تراجع الالتحاق بالتعليم العالي في اليمن وكثيرة هي الشهادات التي حصل عليها "الموقع بوست" أثناء حديثه مع الكثير من الطلاب.
اقرأ أيضا: صراع مؤتمري حوثي في جامعة صنعاء والحوثيون يفرضون سيطرتهم على المناصب
عندما بدأ محمد عبده مهيوب دراسة الطب البشري في إحدى الجامعات الخاصة في العاصمة صنعاء قبل ثلاثة أعوام كان يخطط لنيل درجة البكالوريوس بسرعة ومواصلة دراسته العليا ليصبح أستاذا جامعيا وطبيبا ذات مستوى عالي، لكن بدلا من ذلك كانت دراسته بطيئة وتسببت له الكثير من الحرج حيث اضطرت والدته بيع ما تملكه من أساور ذهبية لدفع رسوم جامعته.
وفي حديثه مع "الموقع بوست" قال محمد "الظروف صعبة جدا ووالدي توقف عن العمل في شركة ستار للهندسة والتقنيات وهي الشركة التي كانت تعمل في التصفية والهندسة مع الشركات النفطية، وهذه الشركة توقفت تماما عن العمل، الأمر الذي أجبرني الآن على التوقف عن مواصلة التعليم وأصبحت عاجزا عن دفع ما يقارب ستة آلاف دولار الرسوم السنوية لجامعتي".
الظروف الاقتصاديةآ
يعتبر محمد واحد من آلاف الطلاب اليمنيين، أو من سيصبحون طلاباً، والذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى التعليم العالي في ظل سلسلة من التعقيدات الاقتصادية والمعيشية. حتى قبل الحرب، كانت اليمن أفقر بلد في الشرق الأوسط. وهي تواجه الآن نقصاً في الغذاء والإمدادات الطبية والكهرباء. وتضطر حوالي 80 في المئة من الأسر للاستدانة أو اقتراض المال بهدف إطعام أطفالها. تأكل الأسر الآن كميات أقل وتختار أغذية أرخص أو تضطر لتخطي وجبات الطعام، بحسب تقرير جديد أصدرته منظمة اليونيسف.
في حديث مع "الموقع بوست" يقول إبراهيم عبد الله الطيار "منذ عامين تقريبا والعملية التعليمية في الجامعات الحكومية اليمنية والجامعات الخاصة تتراجع بشكل كبير ومخيف، بسبب الحرب وظروف الناس الاقتصادية، وأنا كطالب جامعي في جامعة خاصة شعرت بأن العملية التعليمية في الجامعات الخاصة تضررت بشكل غير عادي وأستطيع القول إنها أصيبت بالشلل".
اقرأ أيضا: رفع رسوم التعليم الموازي في جامعة صنعاء.. كيف تلقاه طلبة الجامعة وأكاديميوها؟
ويتابع الطيار "أنا طالب في جامعة خاصة كنت معتمدا في مصاريفي على راتب أخي ووالدي فعندما انقطع الراتب صرت غير قادر على الالتزام في دفع الرسوم للجامعة، ولذا أنا ما زلت مستمرا في التعليم واتحمل كل الظروف وصرت مديونا بسبب ذلك للجامعة في جزء من الرسوم ومديون لأصدقاء كثيرين اضطررت للجوء إليهم لإقراضي قليلا من المال كمواصلات وقيمة مستلزمات وكتب، ومن المتوقع أن أتوقف عن المواصلة هذا العام خصوصا إذا ما استمرت التعقيدات في محلها".
عجز في دفع الرسومآ
قال (ع. ه. م) أستاذ في كلية اللغات في جامعة (س.م. د)، وهي جامعة خاصة في صنعاء "لقد ترك أكثر من نصف طلابنا الجامعة. قمنا بالفعل بخفض الرسوم الدراسية بأكثر من 30 في المئة وسمحنا للطلاب بالدفع على أربعة أقساط بدلاً من اثنين، لكن العديد من الطلاب غير قادرين على تسديد ذلك".
كما قامت الجامعة بخفض رواتب الأساتذة بنسبة 40 في المئة بهدف خفض النفقات، بحسب المتحدث لـ"الموقع بوست" الذي قال "من شأن أي تخفيضات أخرى أن توقف عملنا".
هجرة العقولآ
وفي الواقع، تقول تقارير إن المئات من أساتذة الجامعات الخاصة والحكومية على حد سواء قد فروا من البلاد للعمل في أماكن أخرى.
وتؤكد مصادر في إدارة احدى الجامعات الخاصة لـ"الموقع بوست" بأن هجرة العقول من أهم الصعوبات التي تواجهها الجامعات اليمنية الخاصة والحكومية مما يعمل على ندرة في تخصصات مهمة، موضحة أن ذلك جعل الجامعات الخاصة تلجأ إلى خريجي الماجستير للتدريس فيها.
وتتحدث تقارير رسمية بأن الجامعات الخاصة التي تستقطب 25 في المئة من طلاب التعليم الحكومي، تقبل طلابا في مستويات متدنية عن المستويات المطلوبة في الجامعات الحكومية. وتلفت تلك التقارير إلى أن الجامعات الخاصة تركّز على قبول أكبر عدد ممكن من الطلاب في مختلف التخصّصات، بغض النظر عن المعدّل أو سنة الحصول على الشهادة الثانوية أو مكانها، بهدف الكسب المادي السريع.
وتؤكد إحدى التقارير الصادرة عن "المجلس الأعلى لتخطيط التعليم" وجود "خلل هيكلي في نظام التعليم العالي الحكومي والخاص في غلبة الملتحقين بالتخصّصات النظرية والأدبية بنسبة 64.1 في المئة من إجمالي الملتحقين، مقارنةً بنحو 35.9 في المئة في التخصّصات التطبيقية، إذ إن غلبة التخصّصات الإنسانية ستؤدّي إلى انعكاسات سلبية على سوق العمل متمثّلة في العبء الذي تشكّله على سوق العمل ورفده بعناصر غير قادرة على الاندماج والمشاركة في الإنتاج".