[ نموذج للكرت الذي اعتمده الحوثيون بدلا عن البطاقة الشخصية ]
"في مصلحة الأحوال المدنية بالعاصمة صنعاء شعرت بالغياب التام للدولة، ووصلت إلى قناعة بأن ما حدث أكبر مما كنا نتوقع، فنحن الآن بلا هوية، ومجهولون داخل بلدنا، وهذا مالم نكن نتوقعه يوما ما".
هكذا قال الشاب أسامة قائد لـ"الموقع بوست" وهو يتحدث عن حاله عند تردده على مصلحة الأحوال المدنية، والمعاناة التي عاناها لمدة أسبوعين في سبيل الحصول على بطاقة هوية، ولم يجدها في نهاية المطاف.
ورقة خفيفة أُطلق عليها "استبيان" هي ما حصل عليه هذا الشاب، الذي جاء طالبا استصدار بطاقة هوية شخصية، والتي تصرف في العادة لمن يتجاوزون سن الثامنة عشرة في اليمن، وفقا للقوانين المنظمة لهذا الأمر.
وحصل محرر "الموقع بوست" على نسخة من ذلك الكرت، وننشرها مرفقة بالمادة بعد محو بيانات الشخص الذي سمح لنا بتصويرها، بعد إخفاء بياناته، وهو عبارة عن كرت خفيف وشفاف، ويحتوي على ذات البيانات التي توجد في البطاقة الشخصية المعروفة والمقرة رسميا لجميع اليمنيين، لكنها تحمل صفة كرت وليس بطاقة كما هو معمول.
وتعد بطاقة الهوية في اليمن إحدى أهم الأرواق الثبوتية التي يحملها الشخص للتعريف بنفسه أمام الجهات الرسمية والخاصة، وفي مختلف شؤون الحياة عندما يتطلب الأمر إبراز الهوية الشخصية للفرد.
وتخضع مصلحة الأحوال المدنية لوزارة الداخلية اليمنية، وهي الجهة المخولة بمنح الهوية للأشخاص الذين استوفوا شروط الاستحقاق، وهي عبارة عن كرت إلكتروني يتضمن جميع بياناته الشخصية، ولها فترة انتهاء محدودة.
اقرأ أيضا: تجارة مليشيا الحوثي بالمختطفين.. وسيلة مربحة للثراء الفاحش
يقول أسامة لـ"الموقع بوست" إن العاملين هناك أبلغوه بأن الكروت الإلكترونية لم يعد لها وجود لديهم، بسبب نفاد الكمية داخل اليمن، وعدم قدرة الجهات المختصة على استيراد كمية جديدة، بسبب ما وصفوه بالحصار على اليمن.
دفع أسامة ما يقارب 9 آلاف ريال (40 دولارا تقريبا) مقابل استخراج بطاقة هوية، وحصل في النهاية على تلك الورقة الخفيفة، وكانت الصدمة الحقيقية والفعلية -وفق أسامة- أن تلك الوثيقة غير مقبولة لدى الجهات الخارجية التي رفضتها في ملف تقديمه على منحة دراسية، مشيرا إلى أن هذه الوثيقة غير معمول بها خارج حدود العاصمة صنعاء.
لماذا الأحوال المدنية؟
تعتبر الأحوال المدنية من المؤسسات التي سيطرت عليها مليشيا الحوثي منذ اجتياحها للعاصمة صنعاء بقوة السلاح في سبتمبر/أيلول من العام 2014، ووضع الحوثيون يدهم عليها، وعينوا شخصيات موالية لهم هناك، باعتبارها مؤسسة إيرادية تدر الملايين من الريالات مقابل الخدمات التي تقدمها للجمهور في اليمن.
مصادر في الأحوال المدنية، قالت لـ"الموقع بوست" إن حجم الفساد والعبث بهذا القطاع لا يمكن تصوره، فالبطاقة التي تحولت إلى كرت ورقي لا يكلف طباعته 50 ريالا، أصبحت تباع بـ9 آلاف ريال، وجميع هذه المبالغ تذهب لنافذين ومسؤولين حوثيين.
متاجرة وسوق سوداء
مصادر في مصلحة الأحوال المدنية أكدت لمحرر "الموقع بوست" وجود بطائق إلكترونية محدودة العدد، لكن يجري المتاجرة بها بشكل مهول من قبل المشرفين التابعين لمليشيا الحوثي، ويتم بيعها بأسعار باهظة لمن يضطرون لقطعها كالمسافرين خارج اليمن، أو الحاصلين على عقود عمل خارجية.
وطبقا للمصادر فإن سعر البطاقة الإلكترونية يبدأ من 20 ألف ريال وصولا إلى 30 ألف ريال، وتتم هذه الصفقات بعد أن يقدم الشخص مبررات منطقية تعكس حاجته الاضطرارية للحصول عليها.
ومن هنا يبدأ الضباط المعنيون بتقديم العروض للشخص بطريقة سرية وبتكتم بالغ، الأمر الذي نشط السوق السوداء في هذا الجانب، وحول العملية إلى وسيلة من وسائل التربح والثراء الغير مشروع، بإشراف وموافقة من الحوثيين الذين يتولون إدارة شؤون العاصمة صنعاء.
اقرأ أيضا: شعارات الحوثي تغرق صنعاء وتُزيف وعي اليمنيين
مصدر في مصلحة الأحوال المدنية -طالب بعدم الإفصاح عن هويته في سياق تصريحه لـ"الموقع بوست"- أكد أن الممارسات الجارية في المصلحة أضرت بسمعتها، ولا يستطيع الموظفون هناك الاعتراض على ما يجري حتى لا يتعرضوا للأذى من قبل عناصر مليشيا الحوثي المسيطرة على المصلحة.
وسخر المصدر من مزاعم الحوثيين في المصلحة وحديثهم عن نفاد البطائق الإلكترونية، وعدم قدرتهم على استيراد كميات جديدة بسبب الحصار.
واستشهد على ذلك بوجود مؤسسات محلية تستورد تلك البطائق بانتظام دون أي عراقيل، كالبنوك التجارية التي لم تتوقف عن منح عملائها تلك البطاقات على سبيل المثال، وفق المصدر، مؤكدا أن عملية استيرادها ليست صعبة.
ذلك دفعنا للتوجه إلى أحد المصارف اليمنية، طلبا للإيضاح، وقال أحد المسؤولين الذي طلب إخفاء هويته والبنك الذي يعمل فيه، بأنهم يستوردون تلك البطائق من خارج اليمن بشكل مستمر، تلبية للطلب المتزايد عليها من عملائهم دون أي عراقيل، وكشف بأن هذه البطائق يمكن إعدادها محليا، لكنها لا تكون بنفس الجودة للبطائق التي يتم استيرادها.
كروت هشة
البطاقة الورقية التي صار الحصول عليها من أحوال مدنية صنعاء ليست مشكلتها أنها مكلفة فقط، بل إنها سريعة التلف وكبيرة الحجم، حيث يؤكد الكثيرون ممن تحدث إليهم "الموقع بوست" بأنهم لا يستطيعون أن يحملوا هذه البطائق في جيوبهم أو في حافظاتهم الشخصية، وأنها خفيفة جدا وفي حال تعرضت لقليل ممن الماء أو للحرارة تتعرض للتلف وبأسرع وقت.
اقرأ أيضا: الأرحام.. "الوجوه" التي غيبتها حرب المليشيات في عيد الفطر داخل اليمن
وتحول وضع بطاقة الهوية التي ابتدعتها مليشيا الحوثي إلى طريق طويل مليء بالصعوبات والعراقيل، ودفع هذا الكثير من الناس ممن يحملون بطائق إلكترونية سابقة إلى عدم التهاون بوثائقهم الشخصية، مخافة عدم حصولهم على "بدل فاقد"، حيث لم يعد سهلا للحصول على وثائق جديدة كما كان في السابق.
صعوبات جمة
يؤكد عارف خالد علي، وهو أحد الشباب الذين تخرجوا حديثا من الثانوية وذهب للحصول على بطاقة هوية من أجل التقدم للدراسة جامعة صنعاء، بأنه لم يواجه صعوبات وعراقيل عند تقديم طلبه مرفقا بذلك "الاستبيان"، وعزا ذلك إلى أن الجامعة نفسها خاضعة لسيطرة الحوثيين، وليس لديها مانع من التعامل مع ذلك الكرت، واعتبر ذلك وجها من أوجه الترويج للفساد، وتسهيله من قبل المليشيا، حتى يتم بيع المزيد من تلك الكروت بأسعار باهظة.
وفقا لـ"عارف" الذي تحدث لـ"الموقع بوست"، فإن المشكلة التي يواجهها تتعلق بعدم قبول ذلك الكرت من قبل غالبية البنوك والمصارف المحلية، والتي تطالب ببطاقة الهوية الإلكترونية، وترفض تلك الكروت.
موسم الأوراق
ليست هذه الكروت المسماة بـ"الاستبيان" وحدها من طالتها يد العبث من قبل الحوثيين، فقد لجأت الجماعة إلى نشر قسائم ورقية كبديل للمبالغ المالية التي تصرف بدلا عن المرتبات والأجور لكثير من موظفي الدولة، وهي سوق مربحة بالنسبة للمليشيا، وتدر عليها ملايين الريالات شهريا.
والأمر نفسه ينطبق على جوازات السفر التي تاجرت بها المليشيا بمبالغ خيالية للمواطنين، وعند نفادها قامت بطباعة جوازات جديدة وتوزيعها في المحافظات التي تسيطر عليها، لكن تلك الخطوة اصطدمت بإعلان الحكومة الشرعية عدم قبولها، وبالتالي جرى رفضها لدى السفارات الخارجية.