[ شكّل طرفا الانقلاب مجلسا لإدارة السلطة بينهما ]
ازدادت الخلافات بين طرفي الانقلاب (أتباع الرئيس السابق علي صالح والحوثيين) في الآونة الأخيرة بشكل ملفت، رغم التحالف بينهما الذي فرضته الضرورة، وانتقلت الخلافات من الدوائر الضيقة إلى الفضاء العام، وتشمل الاعتداءات الجسدية، والصراع على المناصب، بالإضافة إلى التراشق الإعلامي، وتبادل الشتائم والاتهامات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
صحيح أن ظروف المرحلة الراهنة لن تؤثر على التحالف بين الطرفين، لاسيما وأن الحرب التي تشنها السلطة الشرعية، بمساندة دول التحالف العربي، ما زالت مستمرة ضد الانقلاب، لكن استمرار وتراكم الخلافات يكشف الكثير من المستور لدى الانقلابيين، سواء خلال المرحلة الحالية، أو مرحلة ما بعد الحرب.
وقد يبدو للبعض أن الخلافات بين طرفي الانقلاب طبيعية، وأنها مجرد خلافات فردية ومحدودة ولا يمكن أن تؤثر على التحالف بينهما، لكن عند استقراء طبيعة التحالف "المُر" بين الطرفين، وتباين الأهداف من وراء الانقلاب على السلطة الشرعية، والصراع على المناصب، كل ذلك يعني -باختصار- أن الانقلابيين يُعَرُّون أنفسهم بأنفسهم، وأن الخلافات فيما بينهم تعكس الوجه القبيح لأهداف كل طرف منهما ومشروعه التدميري للبلاد.
التحالف المُر
لم يكن التحالف الطارئ بين أتباع الرئيس السابق علي صالح وأتباع عبد الملك الحوثي قائمًا على أسس إيجابية من أجل خدمة الوطن، كما أنه لم يحمل مشروعًا نهضويًا يهدف إلى إنقاذ البلاد وتحقيق نهضة اقتصادية وعمرانية، أو يسعى إلى تحقيق الرفاهية وترسيخ الديمقراطية وغير ذلك، ولكنه كان تحالفًا مُرًا فرضته الضرورة والهدف المشترك من أجل تدمير الوطن، واحتكار السلطة والثروة، والقضاء على تطلعات الشعب اليمني التي عبّر عنها خلال ثورة 11 فبراير 2011.
وبما أن المشروع الأساسي للتحالف المذكور يسعى إلى تدمير البلاد، فإنه من الطبيعي أن تظهر الخلافات بين طرفيه، وتتصاعد لغة الشكوى والأنين من طرف، ولغة الغطرسة والتخوين والاحتقار من الطرف الآخر، فالتحالف قام على أسسٍ سلبية، ولذلك ليس مستغربًا أن يتربص كل طرف بالطرف الآخر، وذلك لانتفاء الجانب الأخلاقي، أي أن طرفي الانقلاب مثلهما مثل لصّين اشتركا في سرقة كنز، ثم اختلفا على تقاسمه فيما بينهما.
وهناك عدة أسباب تؤكد مرارة التحالف بين أتباع علي صالح وأتباع عبد الملك الحوثي، أي أن كل طرف قَبِلَ بالتحالف مع الطرف الآخر على مضض، ومن أهم هذه الأسباب، حالة عدم الثقة الكاملة بين الطرفين بسبب آثار حروب صعدة الست، واعتقاد كل طرف أن الطرف الآخر يريد أن يستخدمه كـ"ورقة" أو "شماعة" يعلق عليها أخطائه وجرائمه، بالإضافة إلى خشية كل طرف أن ينقلب ضده الطرف الآخر في حال تحقق لهما النصر، وينفرد بالسيطرة على السلطة والثروة.
والعامل الوحيد الذي ساعد طرفي الانقلاب على التحالف سريعًا، يتمثل في التجانس المذهبي والاجتماعي، إلا أن هذا التجانس لم يصمد طويلًا، وذلك بسبب البعد العنصري والسلالي لدى قيادات الجماعة الحوثية، الذين يدعون النسب الهاشمي، ويحتقرون أبناء القبائل الموالين لصالح، باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، ويطلقون عليهم مسمى "الزنابيل"، ما يعني أن الخلافات -بتعبير أوضح وأكثر دقة- ليست بين المؤتمريين والحوثيين، ولكن بين "الزنابيل" و"القناديل"، بحسب التوصيفات العنصرية لجماعة الحوثيين، التي لا تؤمن بالحزبية والعمل السياسي، بسبب نشأتها المنغلقة والمسلحة والعنصرية والظلامية.
تباين الأهداف
عندما تحالف الحوثيون مع علي صالح للانقلاب ضد السلطة الشرعية، لم يتم الاتفاق بينهم على الهدف الأساسي من الانقلاب، أو الخطوة التالية بعد نجاح الانقلاب، ذلك لأن كل طرف يدرك أن للطرف الآخر هدفًه الخاص من الانقلاب ولا يمكن أن يتنازل عنه أو المساومة به مهما كانت التحديات.
يتمثل هدف علي صالح من الانقلاب في استعادة السلطة التي رأى أنها أُفلتت من يده، بغرض توريثها لنجله أحمد وأحفاده من بعده، وهذا الهدف يعمل علي صالح من أجله منذ سنوات كثيرة. أما الحوثيون، فإن هدفهم من الانقلاب يتمثل في استعادة نظام الحكم الإمامي البائد لأجدادهم الأئمة الزيديين، وهم يعملون من أجل هذا الهدف منذ عشرات السنين، تحت مظلة الجمهورية.
والواضح أيضًا أن التضحيات الجسيمة التي قدمها علي صالح وأتباعه لم تكن من أجل أن يحكم اليمن عبد الملك الحوثي، وأن التضحيات التي قدمها الحوثيون لم تكن من أجل أن يحكم اليمن أحمد علي عبد الله صالح، فلكل طرف منهما أهدافه الخاصة به، إلا أن التحالف المُر بينهما فرضته الضرورة، ولن ينتهي إلا عندما تنتهي الضرورة، سواء حُسمت الحرب لصالحهم، وهذا مستحيل، أم حُسمت لصالح السلطة الشرعية.
الصراع على المناصب
وإذا كان هدف كل طرف من طرفي الانقلاب هو السيطرة الأبدية على السلطة والثروة، فإنه من الطبيعي أن تبرز الخلافات بشكل مبكر بين الطرفين، رغم أن الحرب لم تُحسم بعد، والإيرادات المالية لم تعد كما كانت لتثير أطماع كل طرف، وأيضًا فالمناصب والوظائف التي يتصارعون حولها هي مناصب ووظائف مؤقتة ستنتهي بمجرد القضاء على الانقلاب.
وإذا افترضنا أن الانقلابيين تمكنوا من السيطرة الكاملة على البلاد، وعلى السلطة والثروة، فإن حربًا عنيفة ستنشب بينهم على السلطة، وسيطغى لون الدم على المنشآت الحكومية وشوارع العاصمة صنعاء، وستسيل الدماء بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ اليمن، حتى يتمكن طرف من القضاء على الطرف الآخر.
كما أن الصراع على المناصب بين طرفي الانقلاب، يعني أن الانقلابيين لم يكن يهمهم مصلحة الوطن والمواطن، وإنما تهمهم مصالحهم الشخصية. فرغم الحالة المأساوية التي أوصلوا إليها الشعب، ونهب البنك المركزي، ونهب التجار والمواطنين، وتخليهم عن التزاماتهم، إلا أنهم لم يكتفوا بكل ذلك، بل فكل طرف يريد الاستئثار بكل شيء دفعة واحدة، وحرمان شريكه الآخر من كل شيء، فكيف سَيُقَدِّمون خدمات للمواطنين ويتعاملون معهم بسخاء وهم غير قادرين على تقاسم المنهوبات فيما بينهم؟
الحصاد المُر
ويمكن وصف خلافات الانقلابيين المستمرة والمتزايدة، بأنها حصادًا مُرًا لتحالفٍ مُر، وأن الخلافات ستظل مستمرة، والكثير منها سيتم التستر عليها، لكن لا يمكن أن تصل إلى المواجهات العسكرية بين الطرفين، بسبب استمرار الحرب التي تشنها السلطة الشرعية، وبمساندة دول التحالف العربي، ضد تحالف الانقلابيين.
ومنذ بداية الانقلاب، حاول الحوثيون الاستحواذ على كل شيء، وأقصوا أتباع علي صالح، المحسوبين على جناحه في حزب المؤتمر، فأراد صالح أن يستخدم "السياسة" لترويض حلفائه الحوثيين، وإشراك أتباعه في "الكعكة"، من خلال تشكيل ما يسمى "المجلس السياسي"، و"حكومة الإنقاذ الوطني"، وتفعيل الشراكة بين طرفي الانقلاب، لكن كل ذلك لم يفد أتباع صالح.
ازدادت نقمة الحوثيين على أتباع علي صالح، الذي ما زال يواصل تدليله للحوثيين، ربما بغرض الحفاظ على تحالفه معهم، وربما لشعوره بأنهم أصبحوا أكثر منه قوة وعددًا، وتمكنهم من استقطاب العدد الأكبر من أتباعه، ولهذا فهو يخشى أن يقضوا عليه شخصيًا إن لم يودعوه السجن أو يخفوه قسريًا، باعتباره قاتل سيدهم حسين الحوثي، وربما أيضًا لخشيته من أن يدفع الصدام معهم إلى حرب بينية، تؤثر على حربهم ضد السلطة الشرعية.