في الحلقة الأولى من هذا التحليل، تناولنا، الحيثيات والظروف المرافقة لتشكيل المجلس السياسي المكون من تحالف "الحوثي والمخلوع"، ومدى تأثير ذلك على العلاقة بين الطرفين، في الوقت الحالي، في حين نورد في الحلقة الثانية، مستقبل العلاقة بينهما مستقبلا.
فرغم الخلافات بين المخلوع علي صالح وجماعة الحوثيين، والتي هي في الأساس خلافات سياسية (يعتقد الحوثيون أنهم الأولى بالسلطة وفق معتقداتهم المذهبية، ويريد علي صالح أن يستلم نجله أحمد السلطة)، لكن المؤكد أن العلاقة ستستمر إلى أجل غير معلوم، للأسباب التالية:
أولاً، من المبكر الحديث عن خلافات بين صالح والحوثيين حول السلطة، لأنه من المستحيل أن يرضى الشعب اليمني بأن ينفرد أحدهم بالسلطة، وكذلك الأمر بالنسبة للسعودية وحلفاءها العرب، سواء في المرحلة الراهنة أو مستقبلاً، ما لم يكن ذلك عبر صندوق الاقتراع، ولفترة محددة، بحسب القوانين، وبما يتلاءم مع مبدأ التداول السلمي للسلطة.
ثانياً، سيستمر تحالف الطرفين لعدم وجود مبررات قوية للافتراق، ولعدم إمكانية حصول أي طرف منهما على حليف قوي بديل، ويتشارك معه نفس التوجهات والسياسات والمشاريع الهدامة، خاصة وأن طرفي الانقلاب مرفوضين من قبل مختلف فئات الشعب، ومرفوضين أيضاً من قبل دول الخليج، وخاصة السعودية، ذات التأثير الخارجي الأكبر في الشأن اليمني.
ثالثاً، التجانس المذهبي والاجتماعي لأتباع علي صالح وجماعة الحوثي من شأنه أن يسهم في إطالة أمد التحالف واستمرار العلاقة بينهم، سواء تم حل الأزمة الحالية سلمياً، أم حسمت عسكرياً، ذلك أن عمق حالة العداء بين قطبي التحالف وبقية فئات الشعب اليمني لا تشجعهم على الافتراق، حتى وإن اختلفوا سياسياً.
رابعاً، سيحاول المخلوع علي صالح الاحتفاظ بتحالفه مع الحوثيين حتى وإن اضطر لتقديم تنازلات كبيرة لهم، وذلك بعد أن خسر مختلف حلفاءه الواحد تلو الآخر منذ تسلمه السلطة وحتى خروجه منها، حيث اعتاد على التحالف مع الأطراف القوية في حالات ضعفه، ولن يعود إلى حالة من القوة تدفعه للتخلص من الحوثيين وإنهاء تحالفه معهم، خاصة وأنهم أبرز طرف يمكنه من خلالهم الانتقام من خصومه السياسيين، وارتكاب الجرائم ضد مختلف فئات الشعب المعارضة له.
وأخيراً، الحوثيون هم صنيعة علي صالح بامتياز، فهو من سمح لهم بداية بتأسيس تنظيم الشباب المؤمن، ودعمه بأموال الشعب، وسمح لمؤسسيه بالدراسة في إيران، ودعمهم بالمال والسلاح أثناء حروب صعدة الست، وكان يوجه قطاع مهم من الجيش بمحاربتهم بغرض التخلص منه، وسلمهم معدات عسكرية ثقيلة ومهمة أثناء الثورة الشعبية وقبيل البدء بعملية هيكلة الجيش، وسهل لهم السيطرة على العاصمة صنعاء ومدن أخرى بتواطؤ ومساعدة قوات الجيش والأمن ومشائخ القبائل وقيادات حزب المؤتمر الموالية له.
استفاد الحوثيون كثيراً من دعم علي صالح لهم، وأسهم تواريه عن المشهد، وتصدرهم الإعلامي والعسكري، في استقطاب شريحة واسعة من أنصار علي صالح، ويبدو أن صالح يحاول استرداد خسائره الاجتماعية والسياسية من خلال ترميم علاقته بالحوثيين، وإمالة بوصلة تحالفه معهم باتجاه يمكنه من تحقيق هدفه، فالحوثيون هم الخاسر الأكبر من الاتفاق على تشكيل مجلس سياسي، بعد أن خسروا كثيراً من مقاتليهم، ثم خسروا اللجنة الثورية، والإعلان الدستوري، وخسروا أيضاً مسمى ثورة، وعليه، يمكن القول إن الاتفاق على تشكيل مجلس سياسي بين الانقلابيين الهدف منه تقاسم الخسائر، وسيستمر التحالف بينهم ما دامت الخسائر مستمرة، ولن ينتهي إلا عندما يبدأ الصراع على المكاسب، هذا إن كانت هناك مكاسب فعلاً.