تحولت فرحة عشرات اليمنيين للحصول على مساعدات نقدية إلى عزاء كبير، بعدما لقي 90 شخصا على الأقل حتفهم، وأصيب 300 آخرون بحادثة تدافع مروع، أمام مركز لتوزيع هذه المساعدات الرمضانية في العاصمة اليمنية صنعاء، وسط تضامن دولي وعربي واسع، مع البلد الذي يشهد أسوأ أزمة انسانية في العالم بتوصيف الأمم المتحدة.

ومساء الأربعاء (19 أبريل) تجمع مئات الأشخاص لحضور الحفل الخيري الذي أقيم في مدرسة معين في مديرية باب اليمن بصنعاء والذي تم تنظيمه للمقيمين لتلقي تبرعات نقدية بقيمة 5000 ريال يمني (حوالي 8 دولارات أمريكية) توزعها السلطات المحلية.

وعزت بعض وسائل الإعلام سبب التدافع إلى إطلاق النار في الهواء من قبل أفراد مسلحين تابعين لسلطات الأمر الواقع الحوثيين ضربوا كابلًا كهربائيًا أدى إلى انفجار. 

وعزف الكثير من اليمنيين عن مظاهر الاحتفاء بعيد الفطر المبارك الذي وقعت الحادثة قبله بيومين، تضامنا مع أسر الضحايا، والمطالبة بتحقيق شفاف وعادل لكشف ما يجري.

وتصدرت الحادثة وسائل الإعلام الدولية التي أفردت تغطية موسعة، وسلطت الضوء على معاناة اليمنيين، وتأثيرات الحرب المستمرة منذ سنوات في اليمن.

تحرك الحوثيين إعلاميا

على فور تسريب كارثة التدافع إلى وسائل الإعلام، سارعت جماعة الحوثيين بنشر معلومات عن الواقعة المؤلمة عبر متحدث وزارة الداخلية المعين من الجماعة عبدالخالق العجري بتحميل نتيجة سقوط هذه الحصيلة الثقيلة بسبب "التوزيع العشوائي لمبالغ مالية من قبل بعض التجار دون التنسيق مع وزارة الداخلية وبدون تنظيم ".

وأكد أن "فور وصول البلاغ لوزارة الداخلية تحركت شرطة أمانة العاصمة والوحدات المعنية إلى المكان، وتم نقل الوفيات والمصابين إلى المستشفيات وتم ضبط اثنين من التجار القائمين على الموضوع"، بينما تحركت فورا للإشراف على محاضر الاستدلالات الأولية وتولي التحقيقات حول القضية للوصول لجميع ملابسات وتفاصيل الحادثة.

وقامت للجنة مكلفة من رئيس ما يسمى المجلس السياسي التابع للحوثيين مهدي المشاط، من رئيس حكومة الحوثيين عبد العزيز بن حبتور، ورئيس مجلس القضاء أحمد المتوكل، ووزيرا الداخلية عبد الكريم الحوثي الصحة طه المتوكل ورئيس جهاز الأمن والمخابرات اللواء عبد الحكيم الخيواني، بالنزول إلى مسرح الواقعة، لكنه حتى هذه اللحظة لم يعلن أي تفاصيل عن الحادثة الدامية.

ونشر القيادي بجماعة الحوثي، محمد علي الحوثي صورة من موقع التدافع على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر، قائلا بتعليق: "حادثة التدافع مصاب أليم ومأساة جديدة وصورة قاتمة سببها الأول العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الاماراتي وحلفائه"، محملهم مسؤولية ما حدث ومسؤولية الواقع المرير الذي يعيشه الشعب اليمني.

وأعلن ورئيس الهيئة العامة للزكاة التابعة للحوثيين شمسان أبونشطان تقديم مليون ريال لكل أسرة من أسر ضحايا التدافع بمدرسة معين بصنعاء، فيما ستتكفل الهيئة بعلاج جميع المصابين في المستشفيات ودفع مبلغ 200 ألف ريال لكل مصاب، فضلا عن دفع 50 مليون ريال لتغطية احتياجات المصابين ودفع كل ما يلزم حتى يتماثلوا للشفاء

أما زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي ذهب إلى أن حادثة التدافع حادثة التدافع لفتت نظر الجميع إلى معاناة اليمنيين التي كان يعانيها وفاقمها الحرب على مدى 8 سنوات، محملا ما اسموه "العدوان" مسؤولية مفاقمة المعاناة، مطالبا أولا إلى التصدي لناهبي الثروات، في إشارة إلى الحكومة المعترف بها.

وقال إن "التبرعات الواسعة التي يقوم بها بعض التجار والجهات الشعبية يجب أن تكون بالتنسيق مع سلطات حكومته غير المعترف بها لتفادي ما حصل نتيجة العمل العشوائي.

كما تجدد الحادثة المؤسفة إلى ضرورة التحرك الجاد في المجال الخيري والاهتمام بالفقراء، بما في ذلك إخراج الزكاة والاهتمام بهذا الجانب ضمن الأعمال الإغاثية التي تخفف معاناة الفقراء، بحسب الحوثي.

مطالبات بالتحقيق

ودعت نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية غرازيا كاريشيا سلطات الأمر الواقع الحوثية إلى التحقيق بشكل سريع وشامل ومستقل وحيادي وشفاف وفعال في كيفية وقوع حدث خيري في كارثة أودت بحياة العشرات وجرح المئات. 

وقالت "كاريشيا" إن يجب أن تكون هناك عدالة لضحايا هذا الحادث المروع الذي كان من الممكن تفاديه والذي أودى بحياة الكثير من الناس، وتقديم الجناة المشتبه بهم إلى العدالة في محاكمات عادلة، مطالبة الحوثيين على الامتناع الفور عن أي شكل من أشكال التدخل في إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.

وبدوره، أعرب المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) عن بالغ أسفه وحزنه الشديدين بسبب الحادثة المأساوية التي تشير إلى كارثية الأوضاع الإنسانية التي تعيشها البلاد بسبب الحرب، وما آلت إليه أوضاع اليمنيين بفعل ممارسات جماعة الحوثي التي أوقفت رواتب الموظفين العموميين وتسببت في شلل الحياة الاقتصادية بفعل الجبايات والإتاوات والتضييق على التجار ورجال الأعمال، ما أسفر عن اتساع رقعة البطالة وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

وأشار المركز في بيان إلى أن جماعة الحوثي لم تكتف بكل تلك الممارسات؛ بل اتجهت إلى احتكار الأعمال الخيرية ضمن أنشطة هيئات وكيانات تنشئها لتبرير ممارساتها، وألزمت التجار ورجال الأعمال بتوريد ما يقدمونه من أموال للأعمال الخيرية والإغاثية إلى تلك الهيئات والكيانات.

وطالب المركز المجتمع الدولي لإنشاء لجنة لإجراء تحقيق عاجل ومحايد، والكشف عن كل الملابسات التي أدت إلى هذه المأساة، وإحالة المسؤولين المباشرين وغير المباشرين إلى المساءلة، ومنع إفلاتهم من العقاب.

تضامن دولي واسع

عبر ‏المبعوث الأمم المتحدة لليمن هانس غروندبرغ في تغريدة على حسابه في تويتر عن شعوره ببالغ الألم والحزن بشأن واقعة التدافع المأساوية التي حدثت في صنعاء عشية عيد الفطر المبارك.

وأعربت بعثة الاتحاد الاوروبي عن تعازيها القلبية لأسر الضحايا المأساوي الذي وقع الليلة الماضية في ‎صنعاء وأسفر عن مقتل 78 شخصا على الأقل، فيما قدم السفير البريطاني لليمن بخالص العزاء لأسر ضحايا ‎حادثة التدافع في صنعاء، قائلا ""إنها مأساة مؤلمة في وقت من المفترض بهِ أن يحتفي العالم بعد أيام بقدوم العيد".

كما أعربت السفارة الفرنسية في اليمن عن وقوفها إلى جانب الشعب اليمني في هذا الوقت العصيب، وقدمت خالص تعازيها لأسر ضحايا مأساة ‎صنعاء، التي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى. 

وعزت مصر الجمهورية اليمنية، وشدد المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير أحمد أبو زيد على تضامن مصر الكامل مع حكومة وشعب اليمن في هذا الظرف الأليم.

توجيهات حكومية

ووجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في كلمه له بمناسبة عيد الفطر حكومته بالتنسيق مع المنظمات الدولية ووكالات الاغاثة لتقديم يد العون للمصابين واسر ضحايا هذه الواقعة المروعة، مقدما خالص التعازي، واصدق المواساة لعائلات ضحايا التدافع المؤلم في صنعاء الذي اودى بحياة العشرات من الباحثين عن مساعدات انسانية للبقاء على قيد الحياة.

ودعا مجلس الوزراء اليمني في بيان نشرته وكالة "سبأ" الحكومية المجتمع الدولي إلى فتح تحقيق شفاف لمعرفة أسباب هذه الكارثة والنكبة التي حلت بالعاصمة صنعاء وأهلها وسكانها، مؤكدا أنها "ما كانت لتحدث لولا امعان الحوثيين في تجويع الناس وسلب اراداتهم والسيطرة على مقدرات الحياة المختلفة، وانتهاجها لسياسة التجويع التي انتهجها الائمة الكهنوتيين عبر تاريخهم.

وأضاف أن ما حدث من كارثة مؤلمة هو جزء من المعاناة اليومية التي يعيشها شعبنا اليمني منذ الانقلاب الحوثي أواخر العام 2014م، ونهبها لمرتبات المواطنين وفرض جبايات اثقلت كواهلهم وايصالهم الى مستنقع الجوع والفقر.

وحذر الحوثيين من محاولات التغطية على هذه الكارثة الكبرى او استغلالها كعادتها في نهب القطاع الخاص، مستهجنا إصرار قيادات الجماعة على استثمار الكوارث التي تصنعها وتتورط فيها ضد أبناء الشعب اليمني وتحويلها الى منصة للمزايدات والاستثمار السياسي على حساب أحزان المواطنين المنكوبين، في محاولة مفضوحة للتهرب من المسؤولية، حد قول البيان.