[ مدير مكتب الآثار بمأرب صادق الصلوي ]
بين انعدام الميزانية والمسؤولية ومكتب آثار مأرب في حقيبة منذ 26 عاما تشهد الآثار في المحافظة استيلاء وسيطرة قبلية على كل المواقع الأثرية دون قدرات للجانب الرسمي للتدخل في حماية الآثار التي نهب من احد مواقعها (جدارية تزن اثنين طن من النقوش) في عملية سرقة واحدة، في ظل تغيرات مستمرة تشهدها المعابد الأثرية نتيجة للسرقات والنهب المستمر للآثار في وقت تمتنع السلطات الرسمية عن توفير حماية أمنية رسمية للمواقع الأثرية دون سبب مقنع.
وتتعرض الآثار في مأرب لإهمال كبير من قبل الجهات الرسمية، حيث تتعرض للنهب والسرقة والهمال والاندثار بشكل مستمر في آن واحد، فيما لم تتغير حالة الآثار بعد إدراجها في قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، إذ كان من المفترض أن يتغير واقع الآثار من حيث الحماية والصيانة.
إلى ذلك يعاني مكتب الآثار بمأرب من بين انعدام الميزانية والإهمال بشكل متعمد، لا يوجد مكان يقيم عليه موظفو الآثار وإدارته ووثائقه، حيث انه يحمل المكتب بوثائقه ومستنداته في حقيبة اليد، إضافة أنه لم يتم اتاحة المجال أمام مكتب الآثار بكوادره وطاقمه لتقديم أي خدمة من شأنها أن تحسن من واقع الآثار في المحافظة التي تحتوي على أبرز معالم التراث الانساني في اليمن بشكل عام.
يقول مدير مكتب الآثار بمأرب صادق الصلوي -في تصريح صحفي- أن الآثار لا تقوم عليها حماية على الإطلاق وانه من هنا تكمن الخطورة على بقاء الارث التاريخي في معابد وآثار محافظة مأرب ومحتوياتها من نقوش ونحوت وغيرها من الآثار.
وطالب الصلوي السلطة أن تبسط نفوضها وسيطرتها على الآثار التاريخية لحمايتها من التهريب والعبث والخراب الحاصل في كل المواقع الاثرية .
وحاليا قال الصلوي إن الآثار تخضع لسيطرة القوى القبلية والمواطنين، ومن هو الأقوى يسيطر على المعابد بعيدا عن تدخل الجهات الرسمية او السلطات الامنية الرسمية المنوط بها حمايتها والتحكم بها.
"المواطن عندما وجد ضعف الدولة والسلطة بات اليوم يدعي ان المعابد والاراضي هي ملك له في الوقت الذي لا يحميها ولا يتحمل مسؤوليته تجاه الخراب والنهب والتغييرات المستمرة داخلها" واضاف "انا لم اشاهد ضعف للدولة واقولها بالفم المليان مثل ما نشاهد ضعفها هنا في هذه المناطق" (يقصد في المعابد والمواقع الاثرية بمحافظة مأرب).
وقال الصلوي بحزن "أنا ومكتب الآثار أصبحنا موظفين لدى المواطن الذي يدعي ملكية المعابد، وأصبح المواطن هو من يتحكم بكل شيء وهو من يجني المال من الزوار إلى جيبه الخاص دون أي وجه حق ويتحكم بمفاتيحها ومن يدخل ومن لا يدخل وباتت تستخدم كسلعة للتجارة الخاصة بحسب الصلوي.
وأكد أن مكتب الآثار بمأرب لا يقدر على تنفيذ قرار واحد حول هذه المعابد وقال "ليس لنا أي قرار ولا سلطة انما السلطة الكاملة والقرار هو ما يقر به او يقوم به المواطن الذي يدعي ملكية هذه المعابد وهذا هو الضعف المخزي لوجود الدولة في هذه المناطق".
وبعد أن باتت المعابد بحالة سيئة للغاية اليوم، إذا لم تفرض السلطات الرسمية سيطرتها وسلطتها على هذه المواقع فان المعابد في طريقها الى الانتهاء بين نهب وعبث وبيع وسرقات وتدمير واهمال كل عام اكثر من ذي قبله حد وصف الصلوي.
على قائمة التراث العالمي
يقول مدير الآثار بمأرب "إن كان لأحد أن يفرح بإدخال المعابد ضمن قائمة التراث العالمي في منظمة اليونيسكو فهو المواطن الذي يدعي ملكية المعابد، لأنه لا مصلحة ولا قرار للسلطات ولا لغيرهم، المواطن هو الوحيد الذي عليه أن يفرح بذلك كونها سترتفع قيمة المسروقات من آثار هذه المعابد بعد هذا القرار، كما انه سيكون هناك زوار أكثر عما قبل القرار وبالتالي مزيد من جباية الزوار لهذا المواطن الذي يتحكم بالمعابد لذلك نقول يجب على الدولة ان تفرض سلطتها.
وبخصوص مسؤوليته على الآثار في مأرب وبخصوص تجاوب السلطات مع مطالب توفير الحماية للمعابد يقول الصلوي أنه نعم "بالاسم انا المسؤول الاول للآثار لكن بالفعل لا يوجد لدي شيء لأقدمه لهذه الآثار ليس لي قرار، احزن وانا الاحظ ما يتعرض له المعابد واحزن مثل ما يحزن أي وطني على بلاده وارثه وتاريخه " هذا كل شيء.
مكتب الآثار لديه مهام ولديه طاقات ولديه كوادر لكن لا يوجد ميزانية على الاطلاق لمكتب الآثار الميزانية صفر تماما ولم توفر السلطات أي شيء ولم تقوم بأبسط الامور لتوفير مساحه لعمل مكتب الآثار لا ادوات ولا تمويل ولا مكتب حتى للآثار.
قرارات موقوفة دون سبب
وكشف الصلوي أن السلطات في مأرب أخذت بكل الطرق قوى وقدرات المكتب وجعلت المكتب مشلول وتعرض للخذلان وقطعت عنه كل الطرق لكي يقوم بأقل واجب تجاه ارث هذه البلاد، وقال إنه قدم طلبات كثيرة وناشد السلطات لكن لا سمع لمن تناديه هكذا تريد سلطة الامر الواقع اليوم في مأرب ان يكون مصير الآثار بهذه الحالة، حد وصفه.
ويتساءل إن "مكتب الآثار نحمله في حقيبة منذ 26 عام فكيف لاحد ان يطلب من مكتب آثار بهذه الحالة المزرية ان يحمي الآثار ".
وأوضح أنه بعد جهود كبيرة ووساطات الى كبار المسؤولين في الدولة وتحت ضغوط كبيرة اتخذ المجلس التنفيذي بالمحافظة قبل اربعة اشهر من اليوم قرار بأنزال حراسة امنية لحماية المعبدين(معبد اوام – معبد بران) قرار لكنه لم ينفذ وهذا هو العجيب والغريب في هذه الارض "دون أن نعلم أسباب عدم اتخاذ قرار انزال الحماية الامنية، ولن نتوقع انه ينفذ، لأن هناك من يريد بقاء الآثار بين يدي مواطنين يسهل تهريبها وسرقتها ".
وبخصوص اختفاء بعض القطع او تغيرات طرئت على المعابد منذ 26 عام يقول الصلوي أن هناك تغير كبير وواسع بشكل مستمر يطرأ على الآثار والمعابد في مأرب من حيث عمليات النهب والاهمال والتخريب وهذه في كل زاوية من زوايا المعبدين (اوام وبران ).
سرقة اثنين طن من النقوش
وأكد مدير مكتب الهيئة العامة للآثار بمأرب أن معبد أوام تعرضت النقوش للنهب بشكل مهول، حيث سرقت نقوش من جدار معبد أوام يبلغ حجمها (اثنين طن) خلال عام 2021م وتساءل الصلوي"نريد أن نعرف كيف لنقش يزن اكثر من اثنين طن ان تخرج من المعبد دون علم احد وكيف مرت من نقاط التفتيش دون اكتشافها؟".
وقال الصلوي أنه لابد من عملية تحقيق في حادثة اختفاء الجدارية التي نهبت "تحقيق مع المواطن الذي يدعي ملكية المعابد ومع من يعملون معه في الحراسات الشكلية, وكذا تحقيق مع السلطات ومع الجميع، كيف للنقوش ان مرت دون علم احد حتى اليوم؟ مالم فإننا جميعا سنكون متورطين في هذه الحادثة وهذه مسؤوليتنا جميعا".
عمليا السرقات للمعابد بحسب الصلوي بدأت منذ العام 2011، واستغل اللصوص وتجار الآثار ضعف الدولة الذي أيضا بدأ مع بداية الاحداث السياسية في البلد في عام 2011م، واللصوص ليس فقط المحليين من المواطنين، انما أيضا أجانب فهم الذين يقومون باستقبال الآثار واغراء المواطنين على شراء القطع بمبالغ عالية مما يدفع المواطنين إلى البحث عن الآثار لبيعها لذلك هنا سلسلة من اللصوص لهذه الآثار من يمنيين واجانب .
أهمية المعابد
معبد بران بشكل خاص يعكس القدرات المعمارية للإنسان القديم وفي دلالتها أنها قامت على حافة الصحراء وليس على ضفاف الأنهار كما في مصر أو العراق بحسب الصلوي، وهذا يكسب الآثار في مأرب أهمية كبيرة وتدل على قدرة الانسان القديم في التغلب على قسوة البيئة الصحراوية المتقلبة المحيطة بالمكان .
بخصوص أهمية أدراج المعالم الأثرية في مأرب على قائمة التراث العالمي لدى اليونيسكو، يقول الصلوي إن له أهمية كبيرة وان جاء متأخرا، وأن هذه المواقع ستحظى بإهتمام دولي من حيث الحماية أو الصيانة و الترميم وسيعطي المعالم شهرة ويكون له مردود في المستقبل من حيث تدفق السياح من العالم لزيارة معالم مأرب .
وتعد هذه مرحلة جديدة تدخلها الآثار اليمنية والمأربية بشكل خاص، ولكن السؤال بحسب مدير مكتب الآثار :هل نحن في آثار مأرب قادرين على مواكبة هذه المرحلة الجديدة ؟ "والجواب لدي انا كمدير للآثار في مأرب اننا لسنا مستعدين على الاطلاق لمواكبة المرحلة وما يتطلبه إدراج هذه المعالم على قائمة اليونيسكو، لكونها تتطلب إمكانيات كبيرة وهي لا تتوفر لدينا في الوقت الحالي. وعلى السلطات اليمنية والسلطة المحلية بمأرب أن يتحملون مسؤوليتهم الكاملة تجاه هذه المرحلة.
والدليل على أننا غير مستعدين لمواكبة المرحلة الجديدة للآثار أنه منذ إدراج معلم مأرب على قائمة اليونيسكو لم ينعكس شيء على أرض واقع المعالم من قبل السطات المحلية او الحكومية " لا جديد" وهذا بحسب الصلوي يهدد بقاء الآثار على قائمة اليونيسكو.
احتياجات التحسين
واقترح الصلوي أن تخصص الحكومة اليمنية ايرادات يوم واحد من انتاج النفط والغاز لصالح الآثار وتحسين واقعها المخزي وذلك ليحفظ ما تبقى منها من الاندثار.
وتحتاج معالم مأرب الأثرية الكثير من العمل من حيث إعادة بناء الأسوار وحمايتها وكذا صيانة المعالم وتوفير الحماية او الحراسة الأمنية الحكومية الرسمية لجميع المعلم وبشكل دائم لتسيير عمليات الزيارات وتوجيه الزوار إلى الأماكن الصحية وتزويد المعلم بكاميرات المراقبة وأدوات الظل والاستراحة وما إلى ذلك، بحسب الصلوي.
وكانت منظمة اليونيسكو قد أعلنت مطلع العام الجاري إدراجها رسميا لآثار مملكة سبأ ضمن قائمة التراث العالمي وقائمة التراث العالمي المهدد بالانهيار .