[ غريفيت المبعوث الأممي إلى اليمن ]
لا تريد الأمم المتحدة الاعتراف بفشلها الذريع في الأزمة اليمنية. وبدلاً من تغيير الخطط تلجأ للإطاحة بالمبعوثين، وكأننا أمام إدارة نادٍ رياضي يعشق تغيير المدربين، ويعلق شماعة فشل مشروعه على رجل واحد. وحتى يحين موعد تسمية رابع مبعوث، يتعين على الأمم المتحدة أن تعيد تقييم أدائها في اليمن، وأن تُفتش جيداً عن سبب الفشل الحاصل، وهل يعود ذلك إلى تعقيدات الأزمة التي يُدفع لها بمبعوثين مغمورين، أم أن ضعف شخصية الوسيط الدولي وعدم قدرته على فهم جذور المشكلة، هو السبب الرئيسي في ما يجري.
تتعامل الأمم المتحدة مع اليمن كحقل تجارب لمبعوثين يمتلكون خبرة كافية في العمل الإنساني ومتواضعة في الشأن السياسي. فالموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد جاء من موقع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والبريطاني مارتن غريفيث عمل أكثر في البرامج الإنسانية، من اليونيسف إلى برنامج الأغذية العالمي، فيما المنصب السياسي اليتيم له كان مستشاراً للمبعوث الأممي في سورية لفترة قصيرة.
بغض النظر عن الخبرات السابقة، وخصوصاً أن الفترة التي يقضيها المبعوث تكفل له فهم تعقيدات المنطقة بأكملها وليس اليمن فحسب، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن الاستراتيجية الأممية في إدارة الأزمة كانت عقيمة، وخصوصاً أن المغادرين يتحولون بعد رحيلهم إلى عباقرة في إدارة النزاعات ويطرحون مبادرات جريئة. ويقدّم مبعوثو الأمم المتحدة أنفسهم كوسطاء، مهمتهم التوفيق بين طرفي النزاع، حيث يلجأون إلى أسلوب التدليل. وبدلاً من التعامل بمبدأ حوار بين سلطة انقلابية وحكومة معترف بها، يلجأ المبعوث إلى مساومة كل طرف من أجل تلبية مطالب الطرف الآخر. مثلاً، غريفيث، الذي كان يقول إنه مجرد وسيط وليس لديه قوة عسكرية تمكّنه من فرض الحلول، تحول إلى مفاوض، خصوصاً عندما كان يتنقل من عاصمة إلى أخرى، محملاً بالشروط الحوثية للحكومة الشرعية والقيادة السعودية، والعكس.
إذا كان دور المبعوث الأممي هو الاكتفاء بمهمة الوسيط، فهذه قضية بمقدور شيخ قبلي من مديرية أرحب أن ينفذها بنجاح. وإلا لماذا يقدم إحاطات شهرية لمجلس الأمن، ويلتقي سفراء الدول الكبرى؟ إذا كانت مشاوراتك معهم فاشلة، فلماذا لا تفصح عن هوية المعرقل وتلوح بالمساءلة؟ خرج غريفيث عن دور الوسيط بشكل تام، وأقر، في مقابلة سابقة مع موقع أخبار الأمم المتحدة، بالتعاطف، مشيراً إلى ضرورة "إيجاد طريقة لتلبية تطلعات القائد". تعاطف رضخ فيه لابتزاز الحوثيين، ولجأ للمساومات باستجداء الشرعية والتحالف السماح بدخول سفن النفط بالتقسيط إلى ميناء الحديدة وتعديل بنود رفع الحصار. وجراء هذا التدليل، طالب الحوثيون المجتمع الدولي بالتعامل معهم على اعتبار أنهم السلطة الشرعية في اليمن. وقالوا على لسان نائب "وزير خارجيتهم" حسين العزّي إنه "من الجيد أن يدرك العالم هذه الحقيقة، ولو بعد 100 عام، فهم ليسوا على عجلة من أمرهم". هل ستجرؤ مليشيا انقلابية على أن تطرح أمراً كهذا لولا الخلل الأممي والدولي والرضوخ للابتزاز والمهادنة طيلة السنوات السابقة؟ وإذا كانت الإجابات الحوثية التي يتلقاها المبعوثون من هذا القبيل، فلماذا يخدع المتفائل غريفيث اليمنيين ويقوم ببيع الوهم، عندما كان يزعم وجود تقدم ملحوظ في عملية السلام، رغم أن الكتاب يُقرأ من عنوانه.
هذه المرة، يريد اليمنيون مبعوثاً محبطاً، نكدياً، ولا خبرة له سوى ضخ الطاقة السلبية، مبعوثا يتحول إلى صداع في رأس أطراف النزاع، فالحديد لا يكسره سوى حديد. لا جدوى من مواعظ غريفيث، والقول إن الأمل "مكوّن أساسي في عملية السلام"، وأنه لولا الأمل لشعر الناس بالإحباط من عدم وجود حل للأزمة.