[ الصراع العسكري يعطّل الاستفادة من الثروات الهائلة في البلاد (مروان نعماني/فرانس برس) ]
مع استمرار تهاوي العملة اليمنية وتداعياتها المتفاقمة على مختلف الجوانب الاقتصادية والمعيشية والإنسانية، يتواصل حرمان اليمن من استغلال موارده الاقتصادية النفطية والغازية والاستفادة من عائدات تصدير الغاز الطبيعي المسال المتوقف منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد.
وخسرت اليمن ما يزيد على 6 مليارات دولار كان يمكن أن تضخ في خزينة الدولة خلال هذه السنوات من الحرب، حسب بيانات رسمية، وهذا بحساب الأسعار السابقة في تعاقدات بيع الغاز المسال، ومع تعديل الأسعار فإن المبلغ سيتضاعف عدة مرات.
وفق خبراء ومسؤولين في القطاع النفطي في اليمن تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن توقف مشروع الغاز الطبيعي المسال تسبب في خسارة اليمن لحصتها الخارجية في أسواق الغاز الطبيعي المسال وارتفاع تكاليف إعادة العمل بهذا المشروع نتيجة توقف خطوط الإمدادات الرابطة بين مناطق الإنتاج في حقول صافر بمأرب وميناء التصدير في شبوة جنوب شرقي اليمن مع تحويل الإمارات وحلفائها في المجلس الانتقالي الجنوبي لميناء التصدير الخاص بالغاز المسال بلحاف إلى ثكنة عسكرية.
وأدى توقف تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى إهدار كميات ضخمة من الغاز المسال في حقول صافر النفطية في مأرب "قطاع رقم 18" والذي يتم حرقة في الهواء لعدم القدرة على إنتاجه.
وكلف مشروع بلحاف الإستراتيجي لتصدير النفط والغاز الطبيعي المسال اليمن نحو 5.4 مليارات دولار، إذ تصل كمية الإنتاج الكلية للمشروع إلى 6.7 ملايين طن متري سنويا، وكان مقرر تصدير نحو 2500 ناقلة غاز خلال الخمس والعشرين عاما القادمة بمعدل يتراوح بين 100 و105 ناقلات كل عام. وتقول التوقعات الرسمية أن المشروع كان مقررا أن يساهم في رفد الإيرادات العامة بحوالي 30 - 50 مليار دولار خلال 25 سنة القادمة.
ويعتبر بلحاف أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ اليمن، ونقطة تحول مهمة ومحطة رئيسية في مسار الاقتصاد الوطني اليمني وسبباً في دخول اليمن نادي الدول المصدرة للغاز الطبيعي في العالم، لكن ما يتعرض له من عبث يتطلب جهدا شاقا ومكلف ماديا لإصلاحه وإعادة تشغيله.
ويؤكد الخبير الفني والهندسي في الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، أحمد حارث، أن هناك صعوبة بالغة في إعادة العمل بهذا المشروع في هذه الظروف الصعبة الراهنة التي تمر بها اليمن بسبب تدمير البنية التحتية الخاصة بهذا المشروع وارتفاع خسائره وتكاليف إعادة الإصلاح والتشغيل.
خصوصاً أن المشكلة كما يقول حارث لـ"العربي الجديد"، لا تقف عند حدود خروج منشاّة التصدير عن سيطرة الحكومة اليمنية، إذ إن المناطق الواقعة بين خطوط الإمداد والتصدير بين محافظتي شبوة ومأرب مناطق عسكرية محفوفة بالمخاطر والصعوبات والتعقيدات التي لا تسمح بإعادة ربط خطوط الإمداد بميناء التصدير.
وخسرت اليمن احتياطيا نفطيا كبيرا بسبب الغاز المسال، وبالتالي تجد هناك من ضاعف هذه الخسارة بتعطيل وتدمير هذه المنشآت الاستراتيجية التي تحتاج إليها البلاد في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها.
وقامت الإمارات منذ عامين تحديدا، بتحويل ميناء بلحاف على ساحل البحر العربي في شبوة الذي يقع عليه أكبر ميناء لتصدير الغاز المسال في اليمن، إلى ثكنة عسكرية ومركز تدريبي لمجاميع يتبعون المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تدعمه، حيث تصر على إبقاء الميناء تحت سيطرتها مهما كان الثمن.
رئيس مركز الإعلام الاقتصادي (مستقل)، مصطفى نصر، يؤكد من جهته أن تأثيرات توقف تصدير الغاز المسال لا تتمثل فقط في حرمان الموازنة العامة للدولة من العملة الصعبة، وإنما له تأثيرات اّخرى في إهدار كميات كبيرة من الغاز المصاحب لإنتاج النفط.
ويبدي نصر في حديثه لـ"العربي الجديد"، أسفه لتوقف تصدير الغاز المسال دون وجود مبررات كافية بهذا التوقيت، إذ يرى أن لهذا الموضوع أبعاداً سياسية وإقليمية وليست فقط أمورا فنية ترتبط باستقلالية القرار الحكومي مع اختلاط الأمر السياسي بالاقتصادي.
ويعتقد رئيس مركز الإعلام الاقتصادي أن تصدير الغاز الطبيعي المسال كان يمكن أن يشكل في هذه الظروف التي تمر بها اليمن رافدا أساسيا من العملة الصعبة في ظل أزمة تدهور سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية.
وتشير بيانات رسمية اطلعت عليها "العربي الجديد" إلى أنه في حال استئناف تصدير الغاز الطبيعي المسال الذي بلغت حصة الحكومة منه 753.5 مليون دولار عام 2014، فسيكون بالإمكان تغطية البنك المركزي اليمني بجزء مهم من العملة الصعبة التي تمكنه من الإيفاء بالتزاماته في تغطية احتياجات السوق النقدية بالعملة الصعبة، إلى جانب صرف رواتب موظفي الدولة وتغطية نفقات بعض الجهات الخدمية.
ولن يقتصر الأثر الإيجابي لاستئناف إنتاج وتصدير النفط والغاز على دفع المرتبات، بل سيمتد إلى كل المؤشرات والموازين الاقتصادية الكلية بما في ذلك تمويل واردات السلع الأساسية بسعر الصرف الرسمي، وتهدئة تقلبات سعر الصرف والحد من موجات التضخم واستئناف الدورة النقدية في الاقتصاد وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية في البلاد.
وبدأ اليمن إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال عام 2009، وساهمت عائدات صادرات الغاز فقط بحوالي 6.9% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة عام 2014. وفي عام 2015، انخفضت كمية صادرات الغاز الطبيعي المسال بحوالي 80.3% مقارنة بما كانت عليه عام 2014 بسبب مغادرة الشركات المنتجة للبلاد، وبالتالي، توقف إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال منذ 3 أبريل/نيسان 2015.
ويختلف الخبير في مركز الأبحاث النفطية والغازية وائل الشوافي مع الطرح الذي يرى صعوبة إعادة تصدير الغاز الطبيعي المسال، إذ يجزم أنه من الناحية الفنية، توجد جاهزية كاملة لاستئناف تصدير الغاز، ولكن هناك حاجة كما يؤكد لتوفر الإرادة السياسية، وتأمين الحماية الأمنية للبنية التحتية للغاز، وكذلك توفير حماية أمنية للسفن التي ستقوم بنقل شحنات تصدير الغاز.
ولكن من غير المحتمل وفق حديث الشوافي لـ"العربي الجديد"، أن تعوض إيرادات الغاز التدهور الحاصل في إيرادات النفط الناجم عن انخفاض كميات الإنتاج إلى حد كبير.