[ أحد مهرجانات احتفال جماعة الحوثي بالمولد النبوي ]
تحرص جماعة الحوثي منذ سيطرتها على الدولة في سبتمبر/أيلول 2014، على تصدر الاحتفالات بذكرى المولد النبوي التي تصادف الثاني عشر من ربيع الأول كل عام.
تبدأ الجماعة بالتحضير للاحتفال بهذه المناسبة من وقت مبكر في مناطق سيطرتها المختلفة، وتجبر المواطنين على القيام بذلك بطرق مختلفة.
تلزم جماعة الحوثي المواطنين بالتبرع لتمويل احتفالاتها، كما تأخذ جبايات من أصحاب الشركات والمؤسسات والمحال التجارية.
وتفرض على أصحاب المنازل والمحال التجارية تعليق قطع من القماش الأخضر احتفالا بالمناسبة، وتكثف كذلك دروسها الدينية التي تحاول من خلالها غسل أدمغة المواطنين للقتال في صفوفها، وإقناعهم بأفكار مذهبية تتبعها الجماعة.
وتكتسي كثير من المؤسسات باللون الأخضر، وكذلك الشوارع التي يغلب على إضاءتها إن توفرت اللون الأخضر، ويقوم بعض أنصارهم برش ذلك اللون على أجسادهم خاصة في يوم الاحتفال بالمناسبة.
وأدت تلك الممارسات إلى انزعاج المواطنين خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها خاصة في مناطق سيطرتهم بسبب انقطاع رواتب الموظفين، لكن لجوء الحوثيين إلى القوة في فرض وجودهم جعل كثيرا من الناس يصمتون إزاء ما يحدث.
أما اليمنيون خارج مناطق سيطرة الحوثيين، فيحاولون كشف تلك الممارسات، وفضح أساليب الجماعة التي تستغل تلك المناسبات لخدمة أجندتها وشرعنة وجودها، غير آبهة بالوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه ملايين المواطنين.
تضليل وتناقض وانكشاف
من خلال متابعة المحلل السياسي فؤاد مسعد لاحتفالات الحوثيين والمغالاة الحاصلة بها، يقول إن الجماعة تعتمد بدرجة رئيسية على تضليل الرأي العام بادعاء التمسك بالمقدسات الدينية مثل ذكرى مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والقضايا الكبرى التي تتصدر اهتمامات الشعوب العربية والإسلامية كالقضية الفلسطينية، ومزاعم محاربة أعداء الأمة ومناصرة الدين الاسلامي.
ويكشف ذلك كما يوضح لـ"الموقع بوست" هو شعارهم المسمى "الصرخة"، وكذلك مسمياتهم المختلفة فهم يطلقون على أنفسهم اسم "أنصار الله"، وكذا حربهم على اليمنيين التي يسمونها "المسيرة القرآنية"، برغم أنها ترتكز على ارتكاب الجرائم التي تشمل القتل والتدمير والتهجير وتدمير المساجد وتفجير المدارس والمنازل، في تناقض واضح.
ويفسر مسعد حرصهم على إظهار أنفسهم حماة للدين وحراسا على المعتقدات الدينية لعموم الشعب اليمني المعروف بكونه مجتمع محافظ ومتمسك بتوجيهات الدين الإسلامي، ويعتز بالتزامه بالمبادئ والمعتقدات الدينية، وقيامهم بتلك الممارسات المبالغ فيها، هو من أجل تضليل قطاع معين من اليمنيين خصوصا في مناطق سيطرتهم، وسيما من الأشخاص الذين لم يتلقوا قدرا كافيا من التعليم، حيث تنتشر خرافات الحوثيين وتنطلي دعاياتهم في المناطق الأكثر جهلا.
ويشير مسعد إلى اعتماد الأئمة -الذين هم أجداد الحوثيين- لذلك الأسلوب، مؤكدا أن دولتهم الزيدية هي النموذج الذي تعمل الجماعة حاليا على استنساخه من جديد بعد ما قضت عليها ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر قبل نحو ستين سنة.
وبرغم كل جهود الحوثيين تلك، إلا أن المحلل السياسي اليمني مسعد يؤكد أن نجاحهم في نطاق محدود فإنه مكشوف أمام جميع اليمنيين، "فلا أحد يصدق أن العصابات المسلحة التي تقتل وتنهب وتنتهك كل الحقوق ليست جديرة بتمثيل قيم السلام والعدالة والأخلاق التي هي عماد رسالة الدين الإسلامي والرسول الكريم"، حسب تعبيره.
استغلال ورد فعل عكسي
مع ارتباط اسم جماعة الحوثي -بشكل خاص- بالمولد النبوي وذلك منذ انقلابها على الدولة، يعتقد الكاتب الصحفي والباحث فهد سلطان أن من حق أي جماعة أو تيار أو حزب أن يحتفلوا بمناسباتهم، لكن الإشكالية هي أن يعتري ذلك تصرفات وممارسات تتنافى مع طبيعة المناسبة كما يحدث الآن.
وأوضح في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن المولد النبوي وغيره من المناسبات، تحولت إلى نوع من الابتزاز وجمع الأموال بالقوة، وخلط الجانب السياسي مع الديني في استغلال واضح للثاني بغرض فرض أجندة معينة والمزايدة على الآخرين، لافتا إلى أن الاحتفالات الدينية كانت منذ القدم وتتم بجو من الاعتدال والاحترام وليس كما يحدث اليوم.
ومن وجهة نظر سلطان، فالأمر الخطير الذي يحدث، هو تولد رد فعل عكسي لدى المواطنين، فبدلا من احترامهم لهذه المناسبات، أصبحوا الآن يتخوفون منها لأن أموالهم ستؤخذ منهم بالقوة، ومشاركتهم بالاحتفالات ستكون إجبارية وليس بطريقة تعكس مدى حبهم للمناسبة.
وأضاف "التمييز الطائفي الحالي الذي يحاول الحوثيون إظهاره في مناطق سيطرتهم، ومحاولتهم احتواء تلك الجغرافيا باللون الأخضر، يجعل نظرة الناس سلبية لهذه المناسبة أيضا بسبب ما يتخللها من ممارسات إجبارية".
واعتاد اليمنيون ومعهم المسلمون في مختلف الدول العربية على إحياء ذكرى المولد النبوي بطريقة معتدلة، إذ يقومون بعمل بعض الدروس الدينية التي تُعرف أكثر بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالدين الإسلامي ووسطيته، فيما يقوم البعض منهم بالاحتفال في قاعات وإنشاد بعض الأناشيد الدينية التي تعبر عن حبهم للرسول.
وتحرص جماعة الحوثي على الاحتفال بمختلف المناسبات حتى الوطنية منها، والتي كان بعضها سببا في القضاء على الأئمة.