[ انهيار بوابة المتحف الوطني في تعز ]
تتعرض المباني والمواقع الأثرية في محافظة تعز إلى الإهمال والاندثار في ظل الحرب التي تشهدها المدينة منذ ست سنوات، كان آخرها مبنى البوابة في المتحف الوطني جراء الإهمال وهطول الأمطار.
وتسببت الأمطار الغزيرة التي شهدها اليمن في الأشهر الأخيرة بانهيار مبنى البوابة في المتحف الوطني في تعز، ثالث كبرى مدن البلاد، في خسارة جديدة تلحق بالتراث اليمني بعد سنوات من الحرب.
يقع المتحف الوطني (أكبر متاحف تعز)، في منطقة العُرضي جنوب شرقي المدينة، وهو يعد واحدٌا من أصل ثلاثة متاحف في محافظة تعز وهي: متحف صالة التاريخي ومتحف قلعة القاهرة.
ومع بداية الحرب في عام 2015، تعرض المتحف الوطني للقصف من قبل مقاتلات التحالف، حين كان ما يزال تحت سيطرة جماعة الحوثي، ثم -لاحقًا- تعرض للقصف أيضا من قبل الحوثيين بعد طردهم منه في يوليو/تموز، من العام نفسه.
وقبل الحرب، كان المتحف يحتوي على نحو 45 ألف قطعة أثرية متنوعة من الحجريات والنقوش والمخطوطات والسيوف والوثائق، إلا أن بعضا منها تعرضت للنهب والتهريب خارج المدينة من قبل عصابات تهريب الآثار لبيعها في الخارج.
التحالف والحوثي.. تدمير ممنهج للآثار
فاروق السامعي صحفي مهتم بالتراث التعزي قال لـ"الموقع بوست" إن بعض الآثار في تعز تعرضت للنهب وذلك بسبب الحرب، وبعضها تعرض للدمار الكلي أو الجزئي، منوهاً أن ذلك يعد خسارة حقيقية ربما لن نحس بها الآن لكن في المستقبل.
وأضاف السامعي أن "عدم وعي الناس ومن يحملون البنادق بأهمية الآثار والتراث والأشياء التاريخية ساهم وسوف يسهم في القضاء على جزء هام من التاريخ، وستفقد الدولة جزءا من هويتها وحضارتها التي كان يمكن لها أن تكون مورداً هاماً لها".
من جانبه الباحث في مجال الأثار منير طلال تحدث لـ"الموقع بوست" عن حجم الدمار الذي لحق بالأثار بتعز قائلاً إن الآثار تعرضت لأضرار كبيرة وذلك يعود ذلك لسببين اثنين، الأول الحرب بسبب غارات التحالف العربي على بعض المناطق الأثرية، وقيام المليشيات الموالية للتحالف بتعز بتفجيرها.
وأضاف طلال أن "مليشيات أبو العباس الموالية للتحالف قامت بتفجير وتدمير بعض المدارس العلمية القديمة، مثل قبة عبد الهادي السودي وقبة الطفيلى وقبة الحُرازي وقبور الملوك الرسوليين في المدرسة الأتابكية"، مشيراً إلى أن التحالف العربي استهدف قلعة القاهرة بعشرة صواريخ جوية دمرت تاج القلعة لتزول ثلاثة أدوار تحتوي على دار الإمارة وحمام بخاري من الزمن الأيوبي والكثير من المعالم الهامة.
وأشار الباحث منير طلال إلى أن ما يؤلمه جداً أن الغارات الجوية لطائرات التحالف على الآثار في تعز تمت بعد انسحاب الحوثيين، في الوقت الذي لم يكن لها أي ضرورة حربية سوى الحقد على تأريخ اليمن وتراثه العريق.
أما السبب الثاني يقول طلال هو الإهمال التام وقيام الأهالي بالبناء فوق المناطق الأثرية وأنه يمكن ملاحظة ذلك في حرم قلعة القاهرة وموقع المدرسة الأتابكية والمدرسة المؤيدية التي اختفت ليبنى فوقها حي سكني عشوائي في ظل غياب الدولة وأجهزتها الرسمية.
وأوضح طلال أن الإهمال للتراث يتضح أيضاً وبصورة جلية في آثار المدينة القديمة (مدينة تعز القديمة)، مشيرا إلى أنه تم تجريف كل البيوت القديمة وإزالة السور والنوب وأغلب الأبواب ولم يتبق إلا القليل الذي يتعرض للتدمير والتخريب المتسارع في ظل الحرب الراهنة.
دعوات للتبرعات لترميم الآثار
وعن المساجد الأثرية بتعز، أوضح القاضي خالد البركاني مدير مكتب الأوقاف والإرشاد في حديثه لـ"الموقع بوست" أن منارة مسجد الأشرفية التاريخي أصيبت بقذيفة في السنوات الأولى من الحرب أطلقها الحوثيون من الاتجاهات التي كانوا يسيطرون عليها، لافتا إلى أن المنارة تعرضت لأضرار كبيرة وهي الآن تزداد سوءاً وضرراً يوماً بعد يوم.
وذكر البركاني أن مكتب الأوقاف والإرشاد بتعز بدأ حاليا بمشروع ترميم منارة جامع الأشرفية التاريخي من الأضرار التي لحقت بها.
وأشار إلى أن العمال قد بدؤوا بوضع السِقالة التي سيعمل فوقها فريق الترميم، وقال إن فريق الترميم مدرب تدريباً عالياً، حيث تدربوا على يد الخبراء الأجانب (الفريق الذي استمر لمدة عشر سنوات في ترميم مسجد الأشرفية في وقت سابق)، وبدوره مكتب الأوقاف أخذ هؤلاء الثلة من العمال وهم الآن من يقومون بعمل الترميمات للمنارة.
وذكر أيضا أن العمل سوف يستمر لمدة ثلاثة أشهر متواصلة.
وأضاف "مسجد المظفر التاريخي ومسجد المعتبية تضررا أيضا من الحرب وأن مكتب الأوقاف والإرشاد حالياً يبحث عن داعم لمشروع ترميم المسجدين".
ودعا البركاني الجميع للوقوف مع مكتب الأوقاف والإرشاد للحفاظ على الرموز الدعوية والتاريخية والتي -حد قوله- إذا أصيبت بضرر سيكون من الصعب جداً تلافيه، مشيراً إلى أن حماية المساجد الأثرية لا تقتصر على مكتب الأوقاف فقط وإنما مسؤولية يجب على الجميع أن يشارك فيها.
كما دعا الجمعيات والهيئات لتقوم بجمع التبرعات لصالح ترميم المساجد، كما تقوم بجمع التبرعات لصالح بناء المساجد، منوهاً أنه يجب على المواطنين أن يساهموا بترميم المساجد الأثرية وليس فقط أن يقتصر الدور على انتظار أموال الأجانب وتمويل فروع البنك الدولي والمنظمات الدولية العاملة في مجال التراث.
وفي لقائه مع "الموقع بوست" تحدث رمزي الدميني مدير عام الهيئة العامة للآثار والمتاحف في تعز عن الأضرار التي لحقت بالمتحف الوطني في المدينة، قائلا إن المتحف الوطني الذي يتكون من عدد من المباني التاريخية والأثرية تعود إلى حقب وأزمنة مختلفة تعرض لأضرار جسيمة نتيجة لعوامل مختلفة منها تعرضه للقصف خلال سنوات الحرب ومنها التدهور والإهمال لبعض المباني والتي لم تخضع لأي أعمال ترميم أو صيانة سابقة على أسس علمية منهجية.
وذكر الدميني أن هناك عوامل طبيعية كان لها تأثيرات إضافية على تلك المباني منها الأمطار ونمو أشجار "الطوالق" العشوائية التي عملت على تفكيك الجدران، حيث أنها تنمو على الجدران وتتوسع من خلال جذورها داخل "المداميك" التابعة للجدران، مشيراً إلى أن سقوط بوابة المتحف ما هي إلا جزء من دمار المباني التي خلفها.
وعن انهيار بوابة المتحف الوطني اعتبرها الدميني إلى جانب المباني التي خلفها واحدة من الممرات الرئيسية التي تؤدي إلى المتحف الوطني، محذراً من كون التأخير في ترميم البوابة وما خلفها من المباني يشكل خطراً كبيراً على مصادر التراث الثقافي الموجودة في المتحف الوطني.
عجز السلطات
وقال إنه يجب على الجميع أن يعلموا مدى شحة إيرادات السلطة المحلية في ظل الحصار المطبق على المدينة والذي جعل السلطة المحلية غير قادرة على القيام بترميم هذه المعالم الأثرية المتضررة بشكل عام في المدينة، كون هذه الأعمال تحتاج لميزانيات كبيرة مما يجعل الهيئة العامة للآثار والمتاحف تطلق نداء استغاثة لـ"اليونسكو" وكافة الصناديق والمنظمات المعنية بحماية التراث الثقافي في مناطق الصراع للتدخل لإنقاذ المعالم الأثرية.
وأضاف "لا بد من عمل دراسات عاجلة هندسية وأثرية للمباني المتضررة في المتحف الوطني والمعالم الأخرى في المدينة لغرض الحصول على تمويل".
ولفت إلى أن صندوق التراث العالمي (WMF) يقوم حاليا ترميم مبنيين فقط بما يشكل 20% من مباني المتحف الوطني المتضررة، كما أن عمل الصندوق في المبنيين على مراحل متباعدة، وهو ما يستدعى -بحسب الدميني- تدخل بعض المنظمات بجانب صندوق (wmf) للعمل على ترميم كافة المباني وإنقاذها من الاندثار في فترات وجيزة تسمح للقائمين على المتاحف بتجهيز وتأهيل وافتتاح المجمع والمتحف في تعز خلال الثلاث السنوات القادمة.
وأورد أن وزارة الثقافة والسلطة المحلية تتعاونان مع الهيئة العامة للآثار والمتاحف من خلال تقدم الدعم المعنوي وتسهيل إجراءات عمل الصندوق القائم على الترميم في المتحف، كما تعمل على تأهيل المتحفين وكان لها دور في حفظ وحماية ممتلكات التراث الثقافي المسترجعة خلال سنوات الحرب.
وأردف أن "المتحف يحتاج إلى ترميم كافة المباني والملحقات الداخلية في نطاق المجتمع المتحفي كما يحتاج إلى تجهيز مخازن مؤهلة بأنظمة حماية وأجهزة مراقبة وغيرها من الاحتياجات المتبعة في كافة المتاحف العالمية من توثيق علمي لكافة القطع الموجودة في المتحف والإعداد والتجهيز للعرض المتحفي لكافة مباني المجتمع المتحفي، وعمل سور يحيط بالمجتمع بهدف تأمين المتحف وضم بعض المباني الأثرية والتي هي بحوزة وزارة الدفاع والموجودة في نطاق المجمع المتحفي وضمها إلى المجمع المتحفي، وهنا يقول الدميني يبرز دور وزارة الثقافة والسلطة المحلية في تسهيل إجراءات الاستلام والتسليم للمباني.
المعالجات
وعن المعالجات التي قام بها المتحف الوطني لحماية الآثار، قال مدير عام الهيئة العامة للآثار إنهم قاموا بإيداع كافة القطع الأثرية المستعادة والهامة في البنوك، وقاموا بتخزين القطع التراثية التقليدية في مخازن المتحف الوطني، وتوثيق وتصوير كافة القطع المسترجعة، وتكليف حماية أمنية لمخازن المتحف، وطالبوا السلطة المحلية بوضع كاميرات مراقبة على المتحف والسلطات الأمنية للقيام بالتفتيش الدقيق في منافذ المدينة للحد من عملية التهريب.
ولفت إلى أنهم يبحثون عن ممولين لدعم إدارة الاقتناء بغرض دعوة المواطنين لتسليم القطع الأثرية إلى المتحف واستلام مكافآت مالية بغرض الحد من عملية تهريب الآثار.
الإحصائية المبدئية على مستوى مركز المدينة تقدر المعالم التي تضررت بشكل مباشر أو غير مباشر بحوالي (15) معلما أثريا من مآثر دينية وحصون وقلاع ومتاحف وقباب وأضرحة وغيرها من مدارس أثرية وحمامات أثرية قديمة.
وذكر مدير مكتب الثقافة عبد الخالق سيف لـ"الموقع بوست" أن السلطة المحلية ممثلة بوكيل أول محافظة تعز عبد القوي المخلافي ووكيل وزارة الثقافة خالد سلام ومدير مكتب الثقافة عبد الخالق سيف قاموا بزيارة تفقدية يوم الخميس الماضي لكثير من المواقع الأثرية في تعز أبرزها موقع قلعة القاهرة التاريخي والمتحف الوطني وباب موسى الذي تأثر عقد بوابته لأضرار جسيمة بسبب الحرب التي دارت مؤخراً بين الجيش الوطني ومليشيات أبو العباس في المدينة القديمة.