[ الأزمة الاقتصادية تدفع يمنيين لأكل أوراق الشجر وتقليص الوجبات ]
تصاعدت حدة الأزمات المعيشية في اليمن خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما مع تفاقم الصراع في الحديدة (غرب)، وفي ظل محاولات التهدئة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وصل المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، إلى اليمن هذا الأسبوع لتقييم مستوى الأمن الغذائي في الدولة العربية الفقيرة التي تقف على شفا المجاعة بسبب الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ودفعت الأزمة الاقتصادية في اليمن غالبية السكان إلى تغيير نمط حياتهم وغذائهم، من خلال خفض الاستهلاك وتقليص الوجبات، وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، ووصل الأمر في مناطق بشمال وغرب البلاد، حيث يعيش ملايين الفقراء، إلى لجوء الكثير منهم إلى أكل أوراق الشجر.
في مديرية أسلم بمحافظة حجة (شمال غرب اليمن)، والتي يقطنها نحو 106 آلاف نسمة، يستخدم السكان أنواعا من الشجر كطعام نتيجة انعدام مصادر الدخل وعدم القدرة على تحمل كلفة الغذاء، حيث يقومون بغلي الأوراق وتقديمها في شكل عجينة خضراء حامضة.
وتشتهر هذه الوجبة في مناطق شمال اليمن باسم "الحلص"، ولها مسميات أخرى في بعض المناطق، منها "الغلف" و"الحلقة"، وهي وجبة انقرضت أو اختفت بشكل كبير بعد تحرر البلاد من حكم الأئمة وقيام ثورة 26 من سبتمبر/ أيلول عام 1962 والتي أعلنت إنشاء نظام جمهوري خلفا للملكية.
وترتبط شجرة "الحلص" في أذهان اليمنيين بفترات المجاعة، وبحسب مؤرخين لجأ اليمنيون إلى هذه الشجرة أول مرة خلال فترة حكم الإمامة عام 1943، عندما اجتاحت البلاد مجاعة كبرى وكان الناس يتساقطون في الطرقات والمنازل من الجوع، ومات على أثرها آلاف اليمنيين.
رئيس مؤسسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمحافظة حجة، عيسى الراجحي، أكد لـ"العربي الجديد"، أن أوراق الشجر أصبحت الوجبة الرئيسية لغالبية سكان مديرية (أسلم)، والذين لا يجدون المال لشراء الطعام.
وقال الراجحي: "غالبية سكان المديرية كانوا يعملون في الزراعة، لكن بسبب الحرب وتوقف النشاط الزراعي لأسباب عديدة، منها ارتفاع أسعار الديزل، فإنهم باتوا فقراء ومعدمين فقدوا أعمالهم ومصادر عيشهم، ولذلك تفشت البطالة وانتشرت الأمراض، ويعاني الأطفال من سوء التغذية الحاد".
وأوضح الراجحي أن المنطقة تضم عدداً من المعلمين والعاملين في المجال الصحي، والذين توقفت رواتبهم منذ عامين، وأصبحوا فقراء، ويعتمدون في وجباتهم الرئيسية على نوع من ورق الأشجار يطبخ ويقدم للأكل بعد إضافة قليل من البهارات.
وإلى جانب أوراق الشجر، يعتمد نحو نصف سكان المديرية على المعونات من الغذاء التي تقدمها منظمات دولية، منها برنامج الغذاء العالمي، لكن الفساد يضرب هذه المنظمات ولا تصل للسكان إلا الفتات، حسب الراجحي.
والحلص، أو الغلف بتسمية أخرى، هو جنس نباتات متسلقة، والاسم العربي لـ"الحلص" هو لبلاب العنب، وتؤكل الأوراق مطبوخة أو تهرس وتجفف وتسمى (حلقة)، وتضاف للمرق أو تطبخ الأوراق الطرية بالماء وتخلط مع اللبن أو الزبادي أو تؤكل كفاتح للشهية.
ويشهد اليمن حربا منذ نحو ثلاثة أعوام بين جماعة الحوثيين المتحالفين مع إيران والذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، وبين قوات التحالف العربي بقيادة السعودية الداعمة لحكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي. وزادت وتيرة الحرب أخيراً لتطاول محافظة الحديدة، في الساحل الغربي للبلاد، ما يهدّد باتساع دائرة الفقر والمجاعة، الأمر الذي دفع العديد من دول العالم إلى التحرك من أجل وقف الحرب.
ويخشى المجتمع الدولي من أن يؤدي الهجوم على ميناء الحديدة إلى تعطل العمل به مما يهدد حياة الملايين من المدنيين إذ لا يزال الميناء مصدرا رئيسيا لواردات الغذاء وكذلك المعونات الإنسانية لليمن.
وتركت الحرب نحو ثمانية عشر مليون شخص في اليمن لا يوجد لديهم مصدرٌ ثابت للغذاء، ومن بين هؤلاء هناك ثمانية ملايين يمني يعيشون في فقر مدقع ويعتمدون بشكل كامل على المساعدات الغذائية الخارجية، وفقاً لما أكده برنامج الغذاء العالمي.
ومع استمرار انخفاض الريال اليمني، فإن العائلات الفقيرة التي لا تستطيع تحمل سوى القليل، لن يتبقى لها شيء".
وحسب يمنيين تحدثوا لـ"العربي الجديد"، تتوفر بعض الأغذية في الأسواق ولكن الناس لا يستطيعون تحمل تكاليفها، لأنهم فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم، أو لأنهم لم يقبضوا رواتبهم، بالإضافة إلى انعدام فرص العمل للعاطلين، ولذلك بدأ الناس باعتماد استراتيجيات للتكيف مع الأزمة الاقتصادية ومع تداعيات ارتفاع الأسعار للسلع على خلفية التهاوي في قيمة العملة.
المحاسب في هيئة حكومية، أحمد سعد، قال إنه يعمل منذ عام في شركة خاصة براتب شهري متدن يبلغ 50 ألف ريال (90 دولارا)، وظل منذ بداية الحرب يعتمد سياسة تقشف في الإنفاق ويعتمد على شقيقه المغترب في السعودية الذي يدعمه بمبالغ بسيطة كل شهرين، لكنه فقد قدرته على التحمل بعد الأزمة الأخيرة.
وأضاف سعد لـ"العربي الجديد": "منذ بداية الحرب تبدلت أولويات الإنفاق وقلصت الاستهلاك بشكل كبير، لكني منذ أشهر أصبحت عاجزا عن شراء طعام يكفي أسرتي وثلاثة من أطفالي. نحن نأكل أحياناً وجبة واحدة تتكون فقط من الخبز والشاي والزبادي. منذ أشهر لم نعد نعرف طعم الأرز، أما اللحوم فلم أشترِها منذ فترة طويلة".
وشهدت أسواق المدن اليمنية ارتفاعاً في أسعار السلع الأساسية منذ مطلع أغسطس/ آب الماضي قبل أن تقفز موجة الغلاء بشكل جنوني منذ مطلع سبتمبر/ أيلول.
وقال مواطنون إن الأسعار ترتفع بشكل دوري بسبب تقلبات الصرف وتراجع سعر الريال إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.
وأكد سيف، وهو أستاذ جامعي بجامعة صنعاء (رفض ذكر اسمه كاملاً)، أنه منذ عامين بات عاجزاً عن شراء ملابس أو حذاء جديد، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يستخدم حذاءً قديما تمزق عدة مرات ويذهب كل مرة لإصلاحه، فيما نشر طارق، وهو موظف حكومي، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، اعتذارا لطفليه لأنه بات عاجزا عن تحمل تكاليف دراستهما وسيبقيهما في المنزل.
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة، فإن أزمة استيراد الغذاء والوقود تفاقمت بسبب انهيار عملة البلاد التي شهدت انخفاضا حادا في سعر الصرف من 250 ريالا لكل دولار أميركي مطلع 2016 إلى 600 ريال في الأسابيع الأخيرة، مشيرة إلى أن هذا سيزيد من الضغط على الأسعار ويضرب أفقر الأسر وعائلات ما يقدر بـ1.24 مليون موظف مدني لم يتلقوا بشكل منتظم راتبًا منذ أغسطس/ آب 2016.