[ ادت سياسة المخلوع منذ 2011م الى تأجيج الوضع في اليمن ]
1
أصدر قاضي المحكمة الجزائية التي يسيطر عليها تحالف المخلوع صالح والحوثيين حكما قضى بإعدام الرئيس هادي وستة من مساعديه، بتهمة الخيانة العظمى والمساس بأمن واستقلالية اليمن.
منطوق الحكم العجيب يعد واحدا من أكثر الأشياء اثارة للسخرية وتعبيرا عن عمق الازمة اليمنية، وتناقضاتها الفجة، حين تقوم مليشيا بقلب الأمور رأسا على عقب، وانتحال صفة السلطة الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي.
الحكم الذي تزامن مع الذكرى الثانية لمحاولة اغتيال الرئيس هادي عندما اصدر المخلوع صالح توجيها بقصف قصر المعاشيق، الذي كان يتواجد فيه هادي بعد تمكنه من الإفلات من قبضة الحوثيين، الذين وضعوه أواخر يناير 2015 تحت الإقامة الجبرية في قصر 22 مايو الذي كان يقيم فيه منذ تعيينه نائبا لصالح لاكثر من خمسة عشر عاما.
ذلك الحكم يعد تجسيدا مباشرا وحقيقيا لمسرحية "الحاكم لصا" التي كتبها الدكتور محمد عباس عام (1989) ويكون فيها الرئيس قوادا، وكل الوزراء مسجلين خطر وتجار مخدرات ومهربين وقتلة لا دين لهم، ولا ضمير ولا خلق ولا علم ولا ثقافة، وكل القضاة لصوص لا يحكمون إلا بالظلم في فجور ليس كمثله فجور، بينما يمسك بأجهزة الامن والشرطة عصابات يفوق إجرامها أعتى العصابات، وتصبح الصحف والقنوات الإعلامية بيت دعارة لا يكف عن نشر أمراض فقدان المناعة في المجتمع أما الجيش فهو فتوات الحاكم اللص، وعصاه الغليظة لقهر المواطنين واخضاعهم.
2
لا يمكن فصل ما حدث عقب ذلك الاستهداف عن سياق ما حصل قبله، وبالعودة قليلا للوراء يمكن ادراك ان مخطط اسقاط هادي، بما يمثله من رمزية لأخر مؤسسة أو شخص شرعي، في بلد تآكلت شرعية مؤسساته وانتهت بفعل فاعل، وكان التعطيل ذلك جزء من مخطط المخلوع صالح، لتوريث السلطة، وتمكين ابناءه اكثر من السيطرة على بقية مفاصل البلاد، قبل ان تطيح باحلامه تلك ثورة الحادي عشر من فبراير، والتي باغتته كثيرا، ولم يفق من حالة الارباك الا بسبب حالة الارتباك والمخاوف التي التهمت حتى الأطراف السياسية الأخرى المناوئة له، واصيبت بالشلل مثله تماما وربما بشكل يفوق ما تعرض له المخلوع، حيث لم يتوقعوا ان يسقط بتلك الطريقة، وبأصوات الشباب وهتافاتهم الصاخبة.
فخلال أشهر قليلة تهاوى صالح ونظامه وانقسم على نفسه، وفقد القدرة على التركيز، وحتى التواصل مع الخارج، وبدأت رحلة الانهيار التي لم تتوقف الا عبر اللجوء للتسوية السياسية، التي عرفت لاحقا بالمبادرة الخليجية، التي صاغ المخلوع بنودها، وتركها مليئة بالثغرات التي تسمح له بالبقاء في المشهد السياسي، وحصل بموجبها على صك سياسي ببراءته واتباعه من كافة الجرائم التي ارتكبت خلال فترة تولية حكم البلاد، وهي الجرائم التي لا يمكن مقارنتها بما سيرتكبه لاحقا في حق اليمنيين.
3
أخرجت المبادرة الخليجية المخلوع من الحكم مؤقتا، لكنها لم تنزع منه أدوات الحكم والسلطة، بل على العكس احتفظ بالنصف من كل شيء واكثر، في الحكومة والجيش، ومؤتمر الحوار، تم ترك الذئب الجريح ينقض على جميع الأطراف، وكان الجميع يتفرج على ذلك الجزء غير المشوق من سيناريو الانتقام، وكانت خطوط اللعبة ترسم باتقان اكثر، وكانت جسور التواصل بين المخلوع، وفتى الكهف الطامح للعب دور ولي الفقيه في اليمن، تنسج بأيادي حائك السجاد الإيراني.
كانت ممانعة أبناء واقارب المخلوع والقيادات العسكرية التي تنتمي لجغرافيا المركز المقدس، لقرارات الهيكلة، خطوة هامة واشارة واضحة على ان أحلام العودة للسلطة مازالت تسكن في رأس التيس المذبوح الذي وصفه هادي منتصف عام 2013، عندما كان يقوم بدور تحريضي ضد هادي في وسائل الاعلام المملوكة له وفي الوحدات العسكرية التي كانت مازالت تدين له بالولاء وترفض الالتحاق بركب الشرعية.
4
في مطلع العام التالي وتحديدا في الرابع من شهر فبراير قبيل أيام قليلة من احتفاء اليمنيين الذكرى الثالثة لثورة فبراير، كتب صالح تهنئة لثمانية من ابناءه الذين تخرجوا من كلية زايد العسكرية في الامارات، وقال صالح في افتتاحية صحيفة اليمن اليوم (بقدر فرحتي برؤية ابنائي، يتخرجون، مصممون على الأمل أن اليمن ستعود أقوى وأفضل وبكل خير، لكل ابنائها، للتنافس، للعلم، ورفضهم الانجرار لمعارك الشتائم والقبائح والصراعات، وبعدهم عن صراعات مشاريع الفساد والافساد، الذي يشرد أتباع كل مجموعة بعضهم بعضا)، تكشف هذه الخطوة مدى رفض الرجل فكرة خروجه من السلطة، بل وخطواته الحثيثة لاستعادة الكرسي الذي تربع عليه لعقود طويلة.
ومن المفارقات الأكثر اثارة للاستغراب انه على الرغم من كون كافة أبناء صالح، وأبناء اشقاءه عسكريين، وكانوا قادرة لاهم الوحدات العسكرية والأمنية في البلاد، الا أن أي احد منهم لم يشارك في أي من المعارك التي يخوضها صالح وقواته بأبناء الاخرين، بينما فضل نقل ابناءه الى بيروت ومسقط وأبو ظبي للعيش بعيدا عن ضجيج الحرب والمواجهات.
5
التيس المذبوح كان يستعد لتقويض سلطة الرئيس هادي والانقضاض على المرحلة الانتقالية، وكانت تحركاته تلك مدعومة برغبات إقليمية عمياء تقوم على أساس ان صالح مازال رجل المرحلة، وحليف تلك القوى، وهو ما يكشف إصراره على تعيين نجله الأكبر سفيرا في الامارات، حيث تتواجد استثمارات الاسرة، ومن أجل العزف على وتر المخاوف الإماراتية من توجهات حركات الإسلام السياسي، التي صعدت في المنطقة عقب ثورات الربيع العربي، ولا يمكن اغفال الدور الذي لعبه حينها في صنعاء عدد من السفراء بمعية المبعوث الاممي لليمن جمال بنعمر، في تقويض مؤسسات الدولة، وتشجيع مليشيا الحوثي على اقتحام المدن والمعسكرات، ولا ادل على ذلك من مواقف السفراء ودولهم ومجلس الامن على سقوط عمران، وقبله تهجير سكان دماج ، وتفجير منزل الشيخ الأحمر في خمر ، الذي صور ما حدث على انه صراع بين جماعات مسلحة، والتشديد على التزام المؤسسة العسكرية الحياد، حتى حين اقتحم معسكر اللواء 113 في عمران وتصفية قائده العميد القشيبي والتمثيل بجثته، ونهب كل الأسلحة والتوجه بها الى صعدة، قبل ان تسقط العاصمة صنعاء تحت اياديهم في وقت لاحق بعدها، والعالم كان يتفرج.
6
عقب سقوط صنعاء وتوقيع اتفاق السلم والشراكة تحت قوة السلاح الحوثي، كان المخلوع صالح بدأ فعليا في تجهيز نفسه للعب دور المخلص، ولهذا الدور كان قد ارسل نجله الى الرياض لعقد صفقة ناجزة، يعرض خلالها خدماته، وخدمات قوات الحرس الجمهوري كحليف للمملكة، مقابل اسقاط اسمه من قائمة العقوبات الدولية، ودعم تولي نجله السلطة عقب طرد الحوثيين من العاصمة صنعاء، والتخلص من هادي وطي طفحته، لكن تلك الخطة لم تنجح بسبب افلات هادي من محتجزيه، ونجاته من محاولة اغتياله في الهجوم الذي استهدفه في عدن، وتمكنه من مغادرة عدن بالتزامن مع وصول قوات الحوثي والمخلوع الى عدن.
7
الطريق الى الرياض بالنسبة للحوثي لم يعد سالكا، خصوصا مع تلقي الجانب السعودي معلومات عن الدور الكبير الذي لعبه صالح في دفع الحوثيين لاجراء مناورة على الحدود السعودية، وتسليمه الوية الصواريخ للحوثيين، وتورطه في التواصل مع الإيرانيين بشكل مباشر.
للمرة الأولى في تاريخ العلاقات اليمنية السعودية باتت طهران اقرب الى صنعاء، وفي حين كانت رحلات الخطوط الجوية السعودية قد توقفت عن الذهاب الى صنعاء، كانت الخطوط الإيرانية تعلن تدشين خط ملاحي جديد الى صنعاء وصعدة بمعدل خمسة عشر رحلة أسبوعيا، ولم ينتبه العالم لمعنى ذلك المعدل المرتفع من الرحلات الأسبوعية المباشرة من طهران الى صعده وصنعاء، وكونه مؤشرا على خطر محدق، ومؤشر على حركة نقل كثيفة للسلاح والخبراء وزرعه بالقرب من البوابة الجنوبية للشقيقة الكبرى، ولعل ذلك يكشف عن سر الاستخدام المكثف للصواريخ الحرارية الإيرانية في مختلف جبهات القتال، وتدريب الالاف من مقاتلي الحوثي على أسلوب حرب العصابات، لزعزعة الاستقرار في المناطق الحدودية، التي كانت المواجهات تدور فيها لاسباب تتعلق بحشد المقاتلين، وتصوير ما يحدث في البلاد على انه جزء من معركة السيادة، التي تم اهدارها من قبل المليشيا منذ حربها الأولى مع الدولة منتصف عام 2004.
بالتزامن مع تلك الاحداث كانت هناك نشوة كبرى قد تمكنت من المسئولين الإيرانيين الذين اكتشفوا فجأة انهم صاروا في صنعاء التي لم يكونوا يحلموا يوما ان يصلوا اليها، لم يخسر الإيرانيون شيئا مقابل تمكنهم من السيطرة على العاصمة العربية الرابعة، مقارنة بالمليارات التي تم صرفها على حزب الله في بيروت، او دمشق وبغداد، ناهيك عن المقاتلين الذين فقدوهم هناك.
8
في الحادي والعشرين من شهر مارس وقبل خمسة أيام من بدء عمليات التحالف، كان صالح يلتقي حشدا من أنصاره في صنعاء القادمين من محافظة تعز، ولم يستطع الرجل إخفاء سعادته المفرطة، وهو يعلن انتهاء زمن هادي، ويحدد ملامح المرحلة المقبلة، ويضع لهادي خطة الهروب، باختصار شديد كان ينصب نفسه من جديد، ويعيد ضبط المصنع وينهي وضع الطيران، ويعود بقوة لينهي سنوات التواري والمواربة، ويكشف عن سلسلة مكائده، ويتحدث بتعالي واصفا شجاعته وصموده.
9
غير بعيد عن ذلك كانت شاصات الحوثي تسير جنبا الى جنب مع مدرعات ودبابات الحرس الجمهوري، باتجاه الطريق الى عدن، بعد ان تم تأمين الطريق وإعلان سيطرة اللجان الشعبية على محافظات ذمار وإب وتعز والحديدة، وكانت عدن هي الوجهة القادمة لاحكام السيطرة والخطوة النهائية قبل الإعلان عن طي زمن هادي، والعودة لعهد عفاش، كانت عدن التي وصلها هادي مطمئنة لوجود حامية في العند وقوات المنطقة العسكرية الرابعة، وكان محافظها حينها عبدالعزيز بن حبتور يشن خطابات نارية يهاجم فيها مليشيا الحوثي وصالح، ويقول ان سقوط عدن تحت سيطرة الحوثيين يعني سقوط اليمن في قبضة ايران، وكان قبيل عاصفة الحزم يقول ان على الاشقاء التدخل لإنقاذ اليمن من سيطرة الحوثيين، كان ذلك هو الظاهر لكن ما تلى ذلك من أحداث كشف عن دور مغاير كان يقوم به حبتور في الخفاء يتعلق بالاعداد للتخلص من الرئيس هادي، وهو ما كشف عنه هادي شخصيا في وقت لاحق حين اتهم بن حبتور بالتنسيق مع صالح والحوثيين، وأشار هادي الى تورط بن حبتور في استهداف الموكب الوهمي الذي خرج من المعاشيق قبيل مغادرة هادي الى السعودية عن طريق عمان، بعد ان ابلغه هادي بموعد خروجه.
بن حبتور صورة مصغرة من رجالات دولة هادي الذين استعان بهم، وغالبيتهم كانوا في الأصل من رجال المخلوع المقربين، ويدينوا بالولاء الشخصي له، اليوم بن حبتور يرأس حكومة الانقلاب في صنعاء، التي أصدرت حكما ياعدام هادي، بينما بن حبتور الذي ورد اسمه في عريضة الاتهام الأساسية اصبح رئيسا للحكومة ويتحدث عن العدوان، ناسيا مقابلته التي بثتها قناة العربية في 23 مارس 2015 يطالب فيها السعودية بالتدخل لإنقاذ اليمن من الوقوع في براثن طهران.
10
الجميع يتذكر الرجل الاصلع القصير الذي لم يكن يفارق هادي نهائيا، منذ ان تم تعيينه سكرتيرا صحفيا له منذ توليه مهام نائب رئيس الجمهورية وفضل هادي الاحتفاظ به بعد اختياره لرئاسة الجمهورية في فبراير 2012، يحيى العراسي الذي حاول أن يلعب نفس الدور الذي كان يلعبه عبده بورجي في عهد صالح، الا أنه فشل في ذلك، بعد مغادرة هادي الى عدن ظهر الرجل اكثر من مرة الى جوار صالح، في لقاءاته المتلفزة، ليوجه من خلاله عدة رسائل ان جميع تحركات وتصرفات هادي كانت مرصودة، وان كل البيئة التي أحاطت بهادي كانت تتنفس برئة المخلوع صالح.
11
حين غادر هادي اليمن باتجاه مسقط، خرج تحت جنح الليل، خائفا من كل من كانوا حوله، ولا يثق حتى في اقرب المقربين اليه، كان معزولا محاصرا، خذله الجيش الذي فشل في اعاه هيكلته، وخذله المسئولين في دولته الذين كانوا أيضا لا يثقون به، كما كان لا يثق فيهم، وصل الى مسقط بدون ملابسه واستعار ملابس من التشريفات العمانية، قبل ان ينتقل للرياض ليصلها مرتديا قميصا عمانيا، لتدخل البلاد بعدها مرحلة جديدة، كانت المحاولة الأخيرة لإنقاذ اليمن، ودول الإقليم التي كانت نيران اليمن ستنتقل اليها حال تمكنت المليشيا من احكام قبضتها التي كانت على وشط الحدوث.
12
بعد قصف الطيران الخاضع لسيطرة المليشيا في صنعاء لقصر المعاشيق، تبادر لأذهان اليمنيين براميل البارود والمجازر التي كان نظام بشار الأسد ربيب طهران يلقيها على معارضيه في المدن السورية، التي احالها الى قطعة من الجحيم، بالتزامن مع تلك الحادثة كان الحوثيون وحليفهم صالح يبعثون برسائل تهديد لقبائل مأرب، وتدعوهم لرفع مطارحهم وتم الإشارة الى ان صبر المليشيا لن يطول، وانها ستستخدم الطيران ان استدعت الحاجة لذلك في ضرب أبناء مأرب.
13
عشية 26 مارس كان السفير السعودي في واشنطن حينها عادل الجبير الذي تم تعيينه لاحقا وزيرا للخارجية، يعلن عن بدء بلاده وتسع دول أخرى بينها خمس دول خليجية عمليات عسكرية في اليمن تحت مسمى عاصفة الحزم، هدفها استعادة الشرعية في اليمن، ومواجهة التهديدات الحوثية الإيرانية للمملكة، في الوقت ذاته كانت طائرات التحالف قد بدأت في قصف كافة المطارات العسكرية ومخازن الأسلحة، وخلال ساعات قليلة تم تحييد الطيران الحربي الخاضع لسيطرة المليشيا وتدميره كليا، لتبدا بذلك حرب طويلة الاجل، ومثلما لم يعرف احد بداية تلك العمليات، لا يبدو ان أحدا يعرف نهايتها بعد.
*احمد الزرقة اعلامي ومحلل سياسي يمني – مدير عام قناة بلقيس الفضائية.
*المادة خاصة بالموقع بوست.