[ دأب زعيم الحوثيين على مهاجمة الأمويين في خطاباته ]
في ظاهرة غريبة، بدأ زعيم ميليشيات الحوثيين، عبدالملك الحوثي، بمهاجمة بني أمية في خطاباته التي يلقيها في المناسبات الشيعية خلال الأشهر الأخيرة، رغم أن خطاباته التعبوية موجهة لميليشياته التي تقاتل داخل اليمن، ومعروف أن اليمن لا علاقة لها ببني أمية، بل فبنو أمية هم أحد قبائل قريش التي يدعي الحوثيون الانتساب إلى أحدها، كما أن الأمويين أقاموا عاصمة دولتهم في دمشق (عاصمة سوريا حالياً) وليس في اليمن.
والأكثر غرابة هو أن ظاهرة الهجوم ضد بني أمية تم تعميمها على خطباء المساجد ووسائل الإعلام الحوثية، ويأتي هذا الهجوم ضمن خطاب الحشد والتعبئة الموجه للميليشيات الانقلابية في حربها على الشعب اليمني، بذريعة أن بني أمية حاربوا الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وحاربوا آل البيت وقتلوا عدداً منهم، وأنهم سبب كل النكبات والكوارث التي حلت بالأمة الإسلامية حتى الوقت الحالي، وكأنهم يريدون أن يقولوا لأنصارهم أن من تقاتلونهم هم بنو أمية.
العنصرية والطائفية
ظاهرة هجوم الحوثيين ضد بني أمية تعكس بدرجة رئيسية توجهاتهم العنصرية والطائفية والإدعاء بأحقية السلطة والولاية، وهذا الهجوم ليس من اختراع الحوثيين، ولكنه يمثل امتداداً لثقافة التشيع واستدعاء أحداث التاريخ في الحرب ضد الخصوم السياسيين، وبالتالي، ليس صحيحاً المبررات التي يسردونها لهذا الهجوم، من قبيل أن الأمويين حاربوا الدين وحاربوا آل البيت، وأنهم سبب كل النكبات التي حلت بالمسلمين ماضياً وحاضراً، فهذه مجرد مغالطات وتزييف للتاريخ بما يخدم توجهاتهم العنصرية والطائفية.
وفي الحقيقة، فالخلاف بين الأمويين والهاشميين يعود إلى مرحلة ما قبل ظهور الإسلام المعروفة بـ"الجاهلية"، وسنتطرق لهذا الخلاف نظراً لادعاء الحوثيين أنهم هاشميون بصرف النظر عن مدى صحة ذلك، لكن خلافات ما قبل الإسلام تلاشت أثناء مرحلة ظهور الإسلام وانتشاره خلال مرحلة الخلافة الراشدة. أما الخلاف بين علي ومعاوية فقد كان له ظروفه وأسبابه الخاصة، ولم يكن بسبب الانتماء القبلي، إلا أن الشيعة سخروه للهجوم ضد الأمويين في اجترار واضح لخلافات مرحلة الجاهلية بغرض تشويه التاريخ المشرق للدولة الأموية، وعدم قدرتهم على التفرد بحكم العالم الإسلامي.
وللتذكير، ينتسب الأمويون إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وفي عبد مناف يلتقي بنو أمية مع بني هاشم، ما يعني أن جد الأمويين والهاشميين شخص واحد، ولهذا، ما هو مبرر الحوثيين لاستدعاء خلافات قديمة بين أبناء جد واحد من قريش في الحشد لحربهم ضد اليمنيين، رغم أن اليمنيين لا علاقة لهم بقريش ولا الأمويين أو الهاشميين؟!
خلاف حول الزعامة
كان الخلاف بين بني أمية وبني هاشم قبل ظهور الإسلام يتمحور حول زعامة قريش، وكان بنو أمية أكثر وجاهة وأكثر عدداً وأشد قوة من بني هاشم، الأمر الذي ولد في بني هاشم الغيرة والحقد من أبناء عمومتهم الأمويين، وظلوا يكنون لهم الكراهية لفترات زمنية طويلة.
أما في مرحلة ظهور الإسلام، فقد كان موقف الأمويين من الدعوة الجديدة لا يختلف عن موقف الهاشميين وغيرهم، فهناك أمويون استجابوا للدعوة وآخرون رفضوا، وهناك هاشميون استجابوا للدعوة وآخرون رفضوا، بل فقد كان أشد الناس عداوة للدعوة الجديدة بعض بني هاشم، مثل أبو لهب، ولم يكن للنبي محمد صلى الله عليه وسلم أي موقف عنصري من الأمويين، بل فقد منح أحد زعمائهم، وهو أبا سفيان، مكانة تليق به عند فتح مكة عندما قال: "ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن"، كما أن أربع من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ينتسبن إلى بني أمية، وهن أم حبيبة بنت أبي سفيان، والسيدة زينب، والسيدة رقية، والسيدة أم كلثوم، رضي الله عنهن جميعاً.
أما الخلاف بين علي ومعاوية فلم يكن بسبب الانتماء السلالي والقبلي، وإنما بسبب دم الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، والصراع لم يكن حينها بين الأمويين والهاشميين فقط، وإنما بين فريقين من المسلمين كل فريق يوجد في صفوفه ممن ينتسبون إلى بلدان وقبائل مختلفة، لكن الشيعة اتخدوا من حادثة مقتل الحسين بن علي (الذي استدعوه إلى الكوفة وأنهم سيناصرونه ثم خذلوه) اتخذوا منها وسيلة للتشهير بالأمويين وتشويه تاريخ الدولة الأموية بسبب أن الأمويين نازعوهم على السلطة التي يعتقدون أنهم الأحق بها بتوجيهات إلهية، رغم أن خلافهم مع الأمويين من أجل الزعامة يعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام.
وبما أن هجوم الحوثيين ضد الأمويين يأتي في سياق الصراع على السلطة، فهنا سنعقد مقارنة مختصرة بين الدولة الأموية التي حكمت العالم الإسلامي، والدولة الزيدية التي حكمت اليمن لفترة طويلة، لنعرف ماذا حقق كل طرف أثناء توليه السلطة، رغم أنه لا وجه للمقارنة.
منجزات الأمويين
عندما حكم الأمويون العالم الإسلامي، تمكنوا من تأسيس إمبراطورية عظيمة، وكان أول إنجازاتهم أن تمكنوا من نشر الإسلام في بلدان كثيرة، بفضل ازدهار حركة الفتوحات الإسلامية من بلاد الهند شرقاً، وحتى شمال أفريقيا وبلاد الأندلس غرباً، كما تمكنوا من فتح القسطنطينية، ووصلوا إلى منتصف القارة الأوروبية.
كما اهتم الأمويون بالعلم والعلماء والفقهاء والشعراء، وازدهرت في عهدهم حركة الترجمة والكتابة والتأليف، واستحدثوا الكثير من الإصلاحات الإدارية والدواوين، مثل ديوان الرسائل، ديوان الخاتم، ديوان البريد، ديوان الصدقات، وديوان الطراز.
يضاف إلى ذلك، ازدهار الصناعة، مثل صناعة الأسلحة، السفن الحربية، السكر، الأخشاب، الروائح العطرة، أوراق البردي، آليات القياس، وغيرها من الصناعات الكثيرة، وازدهرت التجارة، والعمارة الإسلامية، وازدهرت الزراعة بعد بناء الكثير من القناطر والسدود.
أيضاً، اهتم الأمويون ببناء المدن الحديثة والراقية، مثل القيروان، واسط، الرملة، الرصافة، وحلوان، بالإضافة إلى الاهتمام ببناء المساجد الكبيرة والفخمة في مختلف الأقاليم الإسلامية، مثل المسجد الأموي في دمشق، جامع عمرو بن العاص (فاتح مصر) في مدينة الفسطاط بمصر، ومسجد عقبة بن نافع في القيروان، وغيرها.
جرائم الأئمة
أما الأئمة الزيديين الذين حكموا اليمن، وادعوا النسب الهاشمي، وأنهم من آل البيت، وأن الحكم بالنسبة لهم هو حق إلهي وواجب ديني على الأمة أن تقبل به، فلم يحققوا لليمن سوى الجهل والفقر والتخلف والمرض والعنصرية والهمجية.
عندما جاء يحيى الرسي إلى اليمن قادماً من الحجاز (وليس من مكة موطن الهاشميين) كان زعماء اليمن وقادتها وأبطالها يشاركون في الفتوحات الإسلامية، فادعى الرسي النسب النبوي (سلالة علي بن أبي طالب) وحكم أجزاء من اليمن بعد أن حشد حوله مجموعة من القبائل، وكان هذا الحكم بداية توقف التراكم الحضاري لليمن، وتدهور التاريخ والحضارة اليمنية، وأحرقت الكثير من مؤلفات عباقرة اليمن، وهدمت الكثير من الآثار التي تحكي تاريخ اليمن، واختفت العادات الاجتماعية اليمنية المتقدمة، وحلت محلها عادات بدائية ومتخلفة.
كما ارتكب الأئمة الكثير من الجرائم ضد اليمنيين الذين عارضوا سلطتهم، وحولوا قطاع كبير من اليمنيين إلى وقود للحروب التي كانت تنشب بين الأئمة أنفسهم على السلطة، وحاربوا العلم والعلماء، ونشروا التخلف والهمجية والعنصرية والفقر والمرض، وجعلوا اليمن معزولاً عن العالم، حتى قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 وأطاحت بهم، وها هم اليوم أحفادهم يحاولون استعادة حكم أجدادهم، ويرتكبون جرائم بشعة ضد اليمنيين كما كان يفعل أجدادهم، معتقدين أنهم بذلك يستعيدون حقاً شرعياً سلبه منهم الأمويون، الذين لا وجود لهم في اليمن.