[ معين عبدالملك مع السفير السعودي لدى اليمن ]
أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارا بتكليف وزير الأشغال العامة معين عبدالملك برئاسة الحكومة خلفا لأحمد عبيد بن دغر، ليصبح "معين" ثالث رئيس للحكومة اليمنية المقيمة في الرياض منذ انطلاق العمليات العسكرية في اليمن من قبل التحالف العربي قبل أكثر من ثلاث سنوات.
هذا التكليف يأتي في ظل العديد من التحديات التي تواجهها الحكومة اليمنية، بين العجز عن البقاء في الداخل، وعدم قدرتها على إدارة المناطق المحررة بشكل عام، وتدهور الوضع الإنساني والاقتصادي.
ستواجه رئيس الحكومة الجديد العديد من الملفات المحورية والهامة، وهي ذاتها التي واجهها سلفه أحمد عبيد بن دغر، ما لم يتم إجراء تغييرات واسعة، تضمن إزالة كافة المسببات التي وقفت خلال الفترة الماضية حجر عثرة أمام رئيس الحكومة السابق.
من بين أبرز تلك العوائق وضع المجلس الانتقالي في العاصمة المؤقتة عدن، والمليشيا المسلحة التي تتبعه، وفروع كلا الجهتين في مختلف محافظات الجنوب، فالمجلس يمثل الشق السياسي لذراع أبوظبي في اليمن، بينما تمثل الأحزمة الأمنية وقوات النخب التي أنشئت في عدة محافظات الأذرع العسكرية، التي تتحكم بالمشهد العام داخل تلك المدن.
ظل المجلس الانتقالي وخلفه تلك القوات المسلحة التي تعمل خارج تشكيلة الحكومة الرسمية الأمنية يعملان على تأجيج الأوضاع في محافظات الجنوب، وأدى ذلك إلى عدم قدرة الحكومة اليمنية في البقاء، وممارسة مهامها، ولم يتوقف الأمر عند حدود المطالبة بتحسين الوضع المعيشي، بل تعداه إلى رفع مطلب الانفصال، والتلويح بهذه الورقة في كل منعطف.
وشهدت عدن موجات عنف وصراع دامية بين أنصار المجلس الانتقالي المناوئين للحكومة، وبين القوى المؤيدة لها في عدن، وجرى احتواء تلك المواجهات من وقت لآخر.
في خضم هذه الأجواء عمل بن دغر وحكومته، والظروف ذاتها هي التي لا زالت قائمة مع تعيين رئيس وزراء جديد، وصعوده لأداء مهمته، ما يمثل تحديا جديا له في تحقيق أي خطوات إيجابية ملموسة.
كان أول عمل لرئيس الوزراء الجديد هو تعيينه وزيرا للأشغال العامة، وهو المنصب الذي ظل يعمل فيه منذ تعيينه، ومكنه من الوصول لمستويات متعددة من العلاقة مع السعودية في المقام الأول، ومع انطلاق ما يسمى ببرنامج إعادة الإعمار الذي يتزعمه السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، أنيط بمعين عبدالملك مهمة التنسيق بين الجانب الحكومي والسعودي في هذا المضمار.
رافق معين عبدالملك السفير السعودي في كثير من الزيارات الميدانية التي نفذها السفير داخل اليمن، وكان أقرب مسؤول حكومي إليه في هذا الجانب، وزارا سويا كلا من شبوة وسقطرى والمهرة ومأرب وغيرها من المحافظات.
ويعد برنامج الإعمار الذي تنفذه السعودية في اليمن هو واجهتها الجديدة في العمل والتحرك داخل البلد الذي يشهد حربا مستمرة منذ ثلاث سنوات، بين التحالف الذي تتزعمه السعودية، وجماعة الحوثي التي انقلبت على الشرعية في اليمن.
تلقي هذه التفاصيل بالضوء على طبيعة المهام التي سيمارسها رئيس الوزراء الجديد، ومدى اقترانه بتنفيذ الأجندة السعودية، خصوصا في المحافظات التي تسعى الرياض لتعزيز حضورها ومكانتها فيها، وتحقيق مصالحها، وأبرز تلك المحافظات "المهرة" التي ظلت بعيدة عن الصراع الدموي الذي تعيشه اليمن، لكنها تشهد حضورا سعوديا مكثفا تحت مبرر إعادة الإعمار.
ووفق معلومات خاصة حصل عليها "الموقع بوست" فإن اختيار معين عبدالملك لرئاسة الوزراء تمت بتوصيات سعودية وقف خلفها السفير السعودي في اليمن، وهي ثاني شخصية يمنية يسندها السفير ويدعم توليها لمنصب سياسي رفيع في اليمن، بعد قرار تعيين محمد زمام رئيسا للبنك المركزي اليمني.
ملف الجنوب والوضع المضطرب خصوصا في العاصمة المؤفتة عدن، يبدو هو الآخر ساحة أخرى لمعرفة مدى إمكانية تحقيق اختراق من قبل رئيس الوزراء للقضاء على أسباب التوتر، وتهيئة المدينة لتصبح عاصمة مستقرة، تأوي إليها الحكومة وتمارس منها أنشطتها وأعمالها، وتحد من دعوات وشعارات الانفصال، وتضع حدا للتحدي الأمني القائم.
وهذا الأمر سينعكس في المقام الأول على مدى التنسيق بين كلٍّ من السعودية والإمارات، وسيظهر مدى توافق الأجندة السعودية الإماراتية أو تنافرها، فرئيس الوزراء مصنف في تبعيته للسعودية، وميدان عمله الكبير ومستوى نجاحه سيتحقق من قدرته على احتواء التأزم في عدن وبقية مدن الجنوب، وهذا الأمر لن يتم إذا ما ظلت الإمارات تقف خلف مساندتها لأذرعها في الجنوب.
يمكن القول اليوم إن رئيس الوزراء الجديد جاء من خارج الدائرة السابقة للحكم بشكل تام، سواء تلك التي حكمت في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح أو تلك التي تشكلت عقب الثورة الشعبية، كما أن مواقفه تجاه كثير من القضايا سواء حرب التحالف العربي أو جماعة الحوثي ليست بالواضحة، وهو ما جعله ربما شخصية وسطى بالنسبة للتحالف العربي بشقيه (السعودية - الإمارات) وبين الشرعية نفسها.
جهود رئيس الحكومة في الوقت الراهن ليست كافية للنجاح، والأمر يتطلب تظافر مختلف المؤسسات الرسمية أولا، والحزبية ثانيا، ثم الدور المحوري لكل من السعودية والإمارات، اللتين ترتبطان بشكل مباشر في إدارة الوضع والمشهد العام داخل اليمن.