[ بعد صدور نتائج جولة إعادة الانتخابات أصبح المحافظون يشغلون 245 من مقاعد البرلمان الـ290 (رويترز) ]
طهران- بعد يوم انتخابي اتسم بالبرود، أغلقت إيران ملف الانتخابات النيابية 2024 أمس السبت، معلنة إكمال نصاب مجلس الشورى وتحديد مصير المقاعد الـ45 المتبقية، حيث تنافس يوم الجمعة الماضي 90 مترشحا في نحو 20 دائرة انتخابية.
ورغم تمديد مهلة الاقتراع في جولة الإعادة 4 ساعات إضافية، إلا أن نسبة المشاركة المتدنية بقيت تلاحق الاستحقاق الانتخابي على غرار الجولة الأولى التي شهدتها الجمهورية مطلع مارس/آذار الماضي، وسجلت حينها أدنى نسبة مشاركة منذ قيام الثورة عام 1979.
فبعد أن سجلت نسبة المشاركة بالجولة السابقة 41% في عموم البلاد و22% في طهران، أفادت الصحافة المحلية بتراجع نسبة المشاركة هذه المرة إلى نحو 7% بالعاصمة، مما أثار ردود فعل لدى الأوساط الإيرانية التي انتقدت الإشادة الرسمية رغم تسجيلها أكبر نسبة امتناع عن التصويت في تاريخ البلاد.
نسبة مشاركة أدنى
رسميا، قال وزير الداخلية أحمد وحيدي -في مؤتمر صحفي عقده أمس- إن "المشاركة في دورة الإعادة تكون تقليديا أقل من المشاركة في الجولة الأولى" دون أن يذكر عدد المشاركين في الانتخابات التكميلية.
لكن وكالة أنباء "آفتاب نيوز" الناطقة بالفارسية، أفادت باحتساب نحو 552 ألف صوت صحيح -وفق إحصاءات الداخلية- في طهران التي يبلغ عدد ناخبيها حوالي 7 ملايين و775 ألف نسمة، مؤكدة أن الفائز الأول بالانتخابات التكميلية من دائرة العاصمة حجز مقعده بالبرلمان المقبل بحصوله على 271 ألف صوت أي أنه نال ثقة 3.5% ممن يحق لهم التصويت في طهران.
وأظهرت النتائج الرسمية، لجولة الإعادة من الانتخابات النيابية، فوز نحو 6 من المرشحين المستقلين و7 من الإصلاحيين، إلى جانب 32 مرشحا من التيار المحافظ، وبذلك فقد عزز المحافظون قبضتهم على البرلمان المقبل بتربع نحو 245 من نوابهم على مقاعده الـ290.
وخلافا للبرلمان المحافظ السابق الذي عرف بانسجام أعضائه، بدأت الأوساط الإيرانية بتصنيف المكونات المحافظة في البرلمان الجديد تحت مسميات جديدة، منها المحافظون والمتطرفون والمتشددون والأكثر تشددا، وأوضحت أن التنافس بينها قد بدأ للاستحواذ على رئاسة البرلمان.
وعلى غرار نسبة المشاركة التي تراجعت خلال الدورات السابقة، فإن عدد المرشحات اللواتي تمكّن من شق طريقهن إلى البرلمان رقم 12 بلغ 14 امرأة، وذلك بعد أن سجل البرلمان السابق فوز 16 منهن في المعترك الانتخابي، كما سبق أن فازت 17 نائبة في البرلمان العاشر.
ومع إعادة انتخاب 115 نائبا أغلبهم من التيار المحافظ، فإن المراقبين في إيران يرون أن تركيبة البرلمان الجديد الذي سيتولى مهامه في 27 مايو/أيار الجاري، جاءت كما كان متوقعا، ذلك أن التنافس بين مرشحي البيت المحافظ لا يمكن أن يفضي إلى برلمان من لون آخر، في ظل إبعاد مجلس صيانة الدستور غالبية المرشحين الإصلاحيين والمستقلين.
السياسة الداخلية والخارجية
من ناحيته، يقول الباحث السياسي مصدق مصدق بور أن تراجع المشاركة الشعبية في جولة الإعادة كان متوقعا بسبب تدهور الوضع المعيشي الناتج عن العقوبات والضغوط الاقتصادية، وكذلك مقاطعة التيار الإصلاحي، مستدركا أنه تفاجأ بما تداولته الصحافة المحلية عن إحجام نسبة كبيرة جدا من الناخبين عن التصويت.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح مصدق بور أن نتائج جولة الإعادة من انتخابات 2024 عززت سيطرة التيار المحافظ على السلطة التشريعية، إلى جانب الحكومة المحافظة، والسيطرة التقليدية لهذا التيار السياسي على السلطة القضائية.
ويرى الباحث الإيراني أن توحيد السلطات وسيطرة تيار سياسي موحد على مفاصل الدولة، قد يرفع مستوى التنسيق بين السلطات والمؤسسات الرسمية على صعيد السياسة الداخلية، بما يبشر بحلحلة المشكلات الداخلية والتعاون الجاد من أجل تلبية تطلعات الشعب.
كما قد ينعكس توحيد السلطات إيجابا على صعيد السياسة الخارجية، بحسب المتحدث نفسه، حيث سيدعم البرلمان مواقف الحكومة وسياساتها الخارجية بما يحث الأطراف الخارجية على التعامل البناء مع تلك الحكومة، كونها تحظي بدعم ممثلي الشعب، مضيفا أن وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف قد عانى الأمرين بسبب عرقلة البرلمان المحافظ لخططه بالملف النووي.
في المقابل، يعتقد مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري أن سيطرة التيار المتشدد على البرلمان ستزيد من وتيرة مصادقته على قوانين متطرفة، علی غرار قانون الحجاب وتقييد الإنترنت وشتى أنواع الضرائب، بما يرفع الاحتقان الشعبي ویزيد من إمكانية إثارة احتجاجات اجتماعية ومعيشية سبق وشهدتها البلاد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يستذكر زواري أن البرلمان المحافظ الحالي سبق وصادق عام 2020 على "قانون الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء الحظر الأميركي" الذي حال لاحقا دون إنقاذ الاتفاق النووي في عهد الحكومة السابقة، مضيفا أن إصرار التيار المحافظ على عدم المصادقة على قوانين مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف) قد كلف اقتصاد البلاد ثمنا غاليا.
رئاسة البرلمان
وتوقع زواري استمرار سياسة طهران الخارجية في ظل هيمنة المحافظين على البرلمان، مستدركا أن تداعيات سيطرة التيارين المحافظ و"المتطرف" على البرلمان قد ظهرت مبكرا في التنافس بينهما حول رئاسة البرلمان، قبل أن تترجم على السياستين الداخلية والخارجية.
ويرى الباحث الإيراني أن حظوظ رئيس البرلمان الحالي السياسي المحافظ محمد باقر قاليباف قد تراجعت في التربع مرة أخرى على كرسي رئاسة السلطة التشريعية، في ظل الانشقاقات بالبيت المحافظ واستبسال قوائم محافظة أخرى للسيطرة على رئاسة المجلس.
وخلص إلى أن رحى التنافس بين التكتلات المحافظة قد بدأت بالفعل بالدوران قبل أن يبدأ البرلمان مهامه بعد، بما ينذر باتساع الشرخ بين المحافظين والمحافظين الجدد.