هل يمكن تحقيق رغبة عالِم الأحياء المعروف إدوارد أوزبورن ويلسون في تخصيص نصف الكوكب للمحميات الطبيعية؟ وكيف؟
حتى الآن يعتبر كوكبنا هو المكان الوحيد الذي نعلم بوجود حياة على سطحه، موطننا الصغير، ثالث الكواكب بُعداً عن الشمس، لكن اليوم يشهد أيضاً اختفاء أنواع كثيرة من الكائنات الحية، بمعدلات لم تُرَ منذ انقراض الديناصورات.
إن لم تتغير أساليبنا، فربما نشهد انقراضاً جماعياً هائلاً، لن يجعل من عالمنا مجرد مكان أكثر مللاً ووحدة فقط، بل سيقوض بقاء جنسنا البشري أيضاً.
ما العمل؟
اقترح أ.أ. ويلسون، أحد علماء الأحياء المحترمين على مستوى العالم، فكرة جذرية وجامحة وتمثل تحدياً للجنس البشري، ألا وهي تخصيص نصف الكوكب للمحميات الطبيعية.
كتب ويلسون في كتابه الجديد (نصف الأرض: قتال كوكبنا للحياة) قائلاً "حتى في أحسن السيناريوهات التقليدية للحفاظ على البيئة، يجب ألا تقبل الشعوب المتمدنة بهذا القدر من خسائر التنوع الحيوي"، ويُعد ويلسون أحد علماء الأحياء الأكثر احتراماً على مستوى العالم، فهو أبو الأحياء الاجتماعية، والمتخصص في الجغرافيا الحيوية للجزر والخبير بمجتمعات النمل، بالإضافة لشغفه بالحفاظ على البيئة.
يدافع ويلسون في كتابه ببلاغة عن فكرة تخصيص نصف الكرة الأرضية للطبيعة، بما فيها الأنظمة البيئية والبحرية. كما أشار في كتابه إلى أنه قد حان الوقت لتضع جماعات الحفاظ على البيئة هدفاً ضخماً، بدلاً من توجيه مجهوداتها للتقدم التدريجي.
يقول ويلسون إن الناس يفهمون الأهداف ويفضلونها. إنهم يحتاجون نصراً، لا مجرد أخبار عن إحراز التقدم. من طبيعة البشر التطلع للنهاية، لشيء يمكنهم تحقيقه ليهدّئ مخاوفهم وقلقهم. صحيح أن هذه الأهداف أكثر صعوبة، لكن بإمكانها تغيير قواعد اللعبة، وإفادة العالم بأسره. إن الكفاح في سبيل الحياة هو الصورة الأكثر نبلاً للبشرية.
أما لماذا يرى ويلسون أن النصف هو الحل، فيوجد الجواب في أعماق علم البيئة.
رسالة ويلسون
وكتب ويلسون في رسالته الإلكترونية قائلاً: "السبب الرئيسي للانقراض هو فقدان البيئة الطبيعية، وهو مما يتسبب بانخفاض أعداد الأنواع المستدامة بنسبة تساوي الجذر الرابع مقارنة بالبيئة الطبيعية الصالحة للسكن"، مشيراً إلى المعادلة الخاصة بالمنحنى بين المنطقة والأنواع، والتي تصف عدد الأنواع القادرة على النجاة في منطقةٍ معينة.
إذا حافظنا على نصف الكوكب، فسيمكننا نظرياً حماية 80% من أنواع الكائنات الحية من الانقراض، بحسب المنحنى بين الأنواع والمنطقة، وإذا حاولت جهود الحماية التركيز على المناطق ذات التنوع الحيوي الأعلى، مثل الغابات الاستوائية والشعاب المرجانية، فربما سيمكننا الحفاظ على ما يزيد على 80% من الأنواع دون تجاوز الهدف الخاص بنصف الأرض. وعلى العكس من ذلك، إذا عملنا على حماية 10% من الأرض فقط، فمن المحتم أننا سنفقد حوالي نصف الأنواع الموجودة على الكوكب بمرور الوقت، وهذا هو مسارنا الحالي".
كما تابع ويلسون في كتابه قائلاً "يساوي معدل الانقراض الحالي، الذي يفرضه سلوكنا على الحياة والذي يبدو أنه سيستمر، ما يعادل تأثير ضربة لكويكب في حجم تشيكسلوب عبر عدة أجيال بشرية" مشيراً إلى الكويكب الذي قضى على الديناصورات، على الأقل الذين لم يتطوروا ليصبحوا طيوراً.
آراء أخرى
وفقاً لقاعدة البيانات العالمية للمناطق المحمية، فقد حافظ العالم على 15.4% من المساحة الأرضية، بما فيها المياه الداخلية، حتى عام 2014. بينما تراجعت حماية المحيطات بشكل كبير لتبلغ نسبة البيئة البحرية التي تخضع إلى شكل من الحماية حوالي 3.4% فقط. وتهدف Aichi للتنوع الحيوي إلى حماية 17% من المساحة الأرضية و10% من المحيطات بحلول 2020.
وهو ما دفع ويلسون ليكتب أن هذا "في الحقيقة ليس قريباً مما يجب تحقيقه".
وبطبيعة الحال لا يختفي منتقدو فكرة ويلسون الضخمة، ففي المقال الذي كتبه روبرت فليتشر وبرام بوشير في Aeon، وصف عالما الاجتماع بجامعة فاخينينجين الهولندية فكرة ويلسون بأنها "شديدة الغرابة".
وكتبا أنه "على الرغم من حماسه وشغفه واستقامته، في الموضع الخاطئ، فإن رؤيته خطيرة ومثيرة للقلق"، كما أضافا "سيترتب عليها دفع السكان بالقوة نحو المناطق الحضرية التي تزداد ازدحاماً، لتدار بطرق تكنوقراطية مستبدة. أما كيفية تحقيق البرنامج العالمي لحفظ المجال الحيوي فهو متروكٌ لخيال القارئ".
ويرى فليتشر وبوشر أن أي خطة هادفة إلى زيادة نطاق المناطق المحمية بشدة، ستؤذي الفقراء والمهمشين سياسياً للغاية.
وبالفعل، للحفاظ على البيئة تاريخ طويل وقبيح من إجلاء السكان الأصليين والمحليين بالقوة من أماكنهم لإنشاء المناطق المحمية، بينما يقول ويلسون أن هدف نصف الأرض سيشمل أراضي الشعوب الأصلية، الشائعة في أمريكا اللاتينية وأستراليا، والتي يمكنها أن تلعب دوراً ضخماً في أجزاء أخرى مسموحة.
هل ستضر المحميات بالبشر؟
كما تزداد أهمية تلك المناطق مؤخراً في نظر دعاة الحفاظ على البيئة، إذ أنهم يرونها مفتاحاً في القتال لحماية الطبيعة. تغطي أراضي الشعوب الأصلية في البرازيل، على سبيل المثال، حوالي 13% من مساحتها، بما في ذلك الأجزاء الضخمة من غابات الأمازون المطيرة.
ويرى ويلسون أن السكان الأصليين هم "عادة أفضل الحماة" لأراضيهم. بعبارة أخرى، هدف نصف الأرض لا يعني منع الناس من التواجد في هذه المناطق، بل يعني الحفاظ عليها من التمدن والتطور.
كما أضاف أيضاً أن المحميات الطبيعية لن تحظر فيها جميع الأنشطة البشرية، بل بإمكانها أن تشمل العديد من الأنشطة في بعض الأجزاء.
وتابع ويلسون "بدأت إدارة المتنزهات الوطنية الأمريكية في تطبيق المحميات المحددة داخل حدود المتنزهات، حيث يُسمَح بالصيد وصيد السمك".
أنواع متعددة للمحميات
وتتنوع المناطق المحمية الموجوددة حالياً، حيث توجد المناطق المحمية بشكل صارم، والمناطق المجتمعية للحفاظ على البيئة والتي ينشئها المجتمع المحلي، كما توجد محميات الاستخدام المستدام، والتي تسمح بوجود العديد من الأنشطة البشرية لكن بقيود معينة.
ويشير ويلسون إلى متنزه غورنغوسا الوطني في موزمبيق، كمثال لكيف يمكن للمناطق المحمية أن تفيد السكان المحليين إذا تمت إدارتها وتمويلها بشكل جيد.
كما استطرد قائلاً "عزز تحسن الزراعة والصحة والتعليم، في المناطق العازلة، عملية توسيع وصيانة هذه المحمية المذهلة، بالإضافة لفرص العمل، ويمكن أن يتضح نفس التأثير في الدول الصناعية كذلك".
ووجدت الأبحاث التي أُجريت مؤخراً أنه خلافاً للاعتقاد الشائع، فالمناطق المحمية من الممكن أن تُحسّن أوضاع المجتمعات المحلية (على الأقل في بلدان مثل أوغندا، وتايلاند، وكوستاريكا) بدلاّ من إفقارها.
وأصر ويلسون أيضاً على أنه لن يجب الاستيلاء على حقوق الملكية الحالية. وبدلاً من ذلك، يُمكن للحكومات أن تستخدم الحوافز المختلفة لدعم المحافظة على الطبيعة في الملكيات الخاصة.
وأشار ويلسون إلى البرنامج الوطني لمعالم الولايات المتحدة الطبيعية كمثال على ذلك، والذي يُشجع أصحاب الأراضي على حماية المواقع البيولوجية، والجيولوجية الهامة. ومع ذلك، فمن أجل حماية نصف كوكب الأرض ينبغي زيادة مثل هذه البرامج المُحفزة بشكل كبير في مختلف أنحاء العالم، وزيادة التمويل المخصص لها.
ويطرح علينا هذا الأمر السؤال التالي: هل من الممكن من الأساس تخصيص نصف أرضنا للطبيعة؟ ربما نعم وربما لا.
تحذير
في عام 2005، قدر علماء بجامعة وسكنسن - ماديسون أن البشر، بالفعل، يستخدمون حوالي 40 % من مساحة اليابسة في العالم للزراعة (بالإضافة لتخصيص مساحة 3 % إضافية من الأراضي للتنمية الحضرية).
ليس هناك شك في أن نسبة الأراضي المخصصة للزراعة قد ارتفعت خلال العقد الماضي، حتى ولو كان عدد سكان العالم قد ارتفع بنسبة تُقارب مليار شخص منذ ذلك الحين. ومع ذلك، فمن المُلاحظ أنه يتم تخصص 75٪ من مساحة الأراضي الزراعية الحالية لزراعة المحاصيل للاستهلاك الحيواني.
ومن الممكن أن يتم تقليص مساحة الأراضي اللازمة للزراعة اليوم بشكل كبير، ولكن هذا سيحدث فقط إذا ما أصبح الناس يأكلون كميات أقل بكثير من اللحوم والمنتجات الحيوانية، ولكن الرائج عالمياً الآن هو العكس تماماً.
وهو ما يُحذر ويلسون منه في كتابه (نصف الأرض)، قائلاً "لا نزال جشعين جداً، قصار النظر، ومنقسمين لقبائل مُتحاربة لاتخاذ مثل هذه القرارات الحكيمة على المدى البعيد".
بالطبع يُمكن استصلاح وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة والمهجورة بمختلف الفصائل النباتية، وهذا من الأمور التي تحظى بشعبية متزايدة بين دعاة الحفاظ على البيئة اليوم. ولكن مرة أخرى، ستحتاج مثل هذه الأنشطة لتحقيق قفزة نوعية في سبيل الوصول لهدف (نصف الأرض).
نسبياً، سيكون حماية نصف المحيطات هدفاً أكثر وضوحاً بكثير، بالإضافة إلى حماية أجزاء من سواحلها، ولكن يجب على الدول أن تتحد سوياً من أجل الاتفاق على منع الصيد في نسبة كبيرة من البحار المفتوحة، وهو النشاط الرئيسي الكائن حالياً. كما يجب تجريم أي محاولات مستقبلية للتعدين أو التنقيب عن الوقود الأحفوري مع أي أنشطة استخراجية أخرى محتملة.
بالطبع، فقدان البيئة الطبيعية للكائنات الحية ليس الخطر الوحيد الذي يهدد التنوع البيولوجي اليوم، إذ تواجه الحياةُ البرية وابلاً من التأثيرات الأخرى بما في ذلك: الاحتباس الحراري، زيادة حمضية المحيطات، وكلاً من التجارة المشروعة وغير المشروعة، والتلوث، بالإضافة للكائنات الحية الغازية لمناطق غير مواطنها، وغيرها الكثير. ولكن علماء الأحياء متوافقون بالإجماع تقريباً على أن فقدان البيئة الطبيعية للكائنات الحية لا يزال يُمثل التهديد الأكبر للتنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم. كما أن حماية مساحات أكثر من كوكب الأرض يمكنها أن تُسهم أيضاً في حل المشاكل البيئية الأخرى، بما في ذلك الاحتباس الحراري. اليوم، إزالة الغابات والتصحر يؤديان إلى حوالي 15 % من انبعاثات الكربون السنوية في العالم.
وقال ويلسون إن "الجهل" هو أكبر عائق أمام تحقيق هدفه المتمثل في حماية نصف الأرض.
كما تابع قائلاً "عندما يتم تشجيع الناس على إلقاء نظرة فاحصة على ما تبقى من الطبيعة، بتعقيداتها، وجمالها، وعظمتها، وحينما يدركون أن الطبيعة هي موطن تاريخهم القديم، يُصبح العديد منهم من المؤيدين المتحمسين للمحميات الطبيعة".