نشرت مجلة "نيويوركر" مقالا للكاتبة روبن رايت، قالت فيه إن بايدن وعد بتخليص الولايات المتحدة من عقدين من الحروب الموحلة، حتى لو كان ذلك يعني التخلي فجأة عن الحلفاء، لكن هذا الأسبوع، في أول رحلة رئاسية له إلى الشرق الأوسط، أعلن الرئيس أن أمريكا مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية مرة أخرى، هذه المرة ضد إيران، "لقد رسم خطوط معركة جديدة".
وأضافت المجلة أن بايدن ورئيس وزراء الاحتلال، يائير لابيد، وقعا إعلان القدس، الذي يلزم كل طرف باستخدام جميع عناصر قوته لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.
وتعهد بايدن بالعمل مع "إسرائيل" و شركاء آخرين على مواجهة إيران وشبكة وكلائها الإقليمية، لكن بايدن قال: "ما زلت أعتقد أن الدبلوماسية هي أفضل طريقة".
ومع ذلك، فإن خمسة عشر شهرا من المحادثات غير المباشرة مع إيران لإحياء الاتفاق النووي الذي توسطت فيه القوى الست الكبرى في العالم في عام 2015 قد وصلت إلى طريق مسدود. وظهرت نقاط خلاف جديدة مؤخرا.
واتهم مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، إيران بأنها عازمة على توفير مئات الطائرات دون طيار لروسيا، وتدريب القوات الروسية على استخدامها، للحرب في أوكرانيا، في وقت تقدم فيه واشنطن لكييف الأسلحة والمساعدات بمليارات الدولارات.
ويوم الجمعة، كشفت طهران عن طائرات مسيرة مسلحة على سفنها الحربية في الخليج العربي، حيث يتمركز الأسطول الأمريكي الخامس، ومن حيث يمر 20% من إمدادات النفط العالمية. وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن نشر الطائرات دون طيار كان "للترحيب ببايدن".
وتطورت المواجهة المستمرة منذ فترة طويلة بين واشنطن وطهران، التي يعود تاريخها إلى الاستيلاء على السفارة الأمريكية وعشرات الرهائن الأمريكيين في عام 1979، إلى أزمة ملموسة. بعد فترة وجيزة من إصدار إعلان القدس، أرسل لي بروس ريدل، وهو موظف سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والبنتاغون، ومجلس الأمن القومي، عبر البريد الإلكتروني: "نحن ملتزمون بالحرب مع إيران".
ردت إيران بسرعة. قال الرئيس إبراهيم رئيسي، الخميس: "إن دولة إيران العظيمة لن تقبل أي انعدام للأمن أو أزمة في المنطقة.. يجب أن تعلم واشنطن وحلفاؤها أن أي خطأ سيقابل برد قاس ومؤسف من إيران".
وحذرت الخارجية في تغريدة من أن منطقة الشرق الأوسط لن تشهد "سلاما واستقرارا وهدوءا" طالما بقيت إسرائيل المحطة الأولى للرئيس الأمريكي وأمنها على رأس أولويات أمريكا.
ونقلت الكاتبة عن بروس ريدل قوله، في وقت لاحق، إن رحلة بايدن أخذت السياسة الأمريكية والشرق الأوسط في "اتجاه أكثر خطورة بكثير". كلاهما الآن على "منحدر زلق". وحذر من أن الحرب مع إيران ستكون "أكبر بثلاث أو أربع مرات وأكثر فتكا من الحرب مع العراق.. سيجعل كل شيء آخر قمنا به في الشرق الأوسط يبدو كأنه حفلة روضة أطفال".
وسلطت الزيارة، التي استمرت أربعة أيام، الضوء على إخفاقات سياسة بايدن في الشرق الأوسط، خاصة بعد جولته الأوروبية المظفرة، الشهر الماضي، لتوسيع الناتو وتعبئة الغرب ضد بوتين. ولم تحرز الولايات المتحدة، التي لطالما اعتبرت الوسيط الأكثر قدرة في الشرق الأوسط، تقدما يُذكر في إعادة العلاقات مع الفلسطينيين، التي انهارت تحت حكم ترامب.
وقال بايدن، في اجتماع في بيت لحم مع الرئيس محمود عباس، الجمعة: "أعتقد أنه في هذه اللحظة، عندما تقوم إسرائيل بتحسين العلاقات مع جيرانها في جميع أنحاء المنطقة، يمكننا تسخير نفس الزخم لإعادة تنشيط عملية السلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي". ومع ذلك، لم يكن هناك تحرك يذكر بشأن عملية السلام أو جوهرها.
لن يتخذ بايدن حتى خطوات ملموسة لإعادة فتح القنصلية الأمريكية للفلسطينيين في القدس، التي أغلقها ترامب في عام 2019، أو بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. كان الانقسام عميقا، لدرجة أن بايدن وعباس لم يتمكنا من إصدار بيان مشترك. عملية السلام ميتة تقريبا.
في محطته الأخيرة، في جدة، أجرى بايدن محادثات مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وكانت وكالة المخابرات المركزية قد خلصت إلى أن محمد بن سلمان أذن بقتل جمال خاشقجي، المعارض السعودي وكاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست"، في عام 2018.
وأعلن بايدن، في مناظرة رئاسية خلال حملة عام 2020، أن "خاشقجي قُتل وقطعت أوصاله فعلا، وأعتقد أن ذلك كان بناء على أوامر ولي العهد".
ووصف الحكومة السعودية الحالية بأنها "منبوذة" ذات قيمة تعويضية "ضئيلة". وتعهد بجعل السعوديين "يدفعون الثمن"، لكن رغم ذلك قرر بايدن زيارة السعودية، واللقاء بولي العهد، محمد بن سلمان.
كان دافع بايدن لهذه الرحلة جزئيا هو الضغط على الدول الغنية بالنفط؛ للتخفيف من أزمة الطاقة العالمية؛ وخفض الأسعار. وفي جدة، التقى الرئيس بقادة مشيخات الخليج الستة والعراق، الذين يضخون معا ملايين البراميل من النفط يوميا، بالإضافة إلى الأردن ومصر.
وسعى بايدن أيضا إلى تعميق العلاقات الناشئة بين إسرائيل والعالم العربي، والتي حققت تقدما كبيرا في ظل إدارة ترامب، عندما أقامت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
فاز بايدن بتنازلات صغيرة فقط. وافق السعوديون على السماح لجميع شركات الطيران الدولية التي تطير من وإلى إسرائيل باستخدام مجالها الجوي.
وأكدت رايت أن رحلة بايدن عززت الرمال المتحركة في الشرق الأوسط. لأكثر من نصف قرن، كانت المنطقة محددة بشكل فريد من خلال النزاع العربي الإسرائيلي. لقد تغيرت الأهداف والتحالفات ونقاط الاشتعال وخطوط المعركة. السياسة الخارجية تتطور حتما. غالبا ما تطغى الأحداث على الأرض على الدبلوماسية. لكن تصرفات بايدن في المنطقة قد يكون لها أيضا عواقب غير مرغوب فيها.