قالت الصين إنها تسعى لتعزيز علاقاتها مع المملكة العربية السعودية في وقت تشهد فيه الأوضاع الدولية والإقليمية تغيرات عميقة ومعقدة، بهدف حماية النظام الدولي الذي تمثل الأمم المتحدة نواته.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، اتصل هاتفيا، الجمعة، بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لـ"استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة وبحث فرص التعاون في مختلف المجالات وسبل تطويرها".
وقال الرئيس شي خلال الاتصال إن "الأوضاع الدولية والإقليمية تمر في الوقت الحالي بتغيرات عميقة ومعقدة، مما يسلط الضوء بشكل أكبر على الأهمية الإستراتيجية والشاملة للعلاقات الصينية السعودية"، وفقا لوكالة شينخوا الصينية الرسمية.
وأكد الرئيس الصيني أنه "يتعين على الصين والمملكة العربية السعودية تعزيز التضامن، وممارسة التعددية الحقيقية، وحماية النظام الدولي الذي تمثل الأمم المتحدة نواته، والنظام الدولي المرتكز على القانون الدولي، والأعراف الأساسية للعلاقات الدولية المرتكزة على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ودعم الإنصاف والعدالة الدوليين فضلا عن المصالح المشتركة للدول النامية".
وأضاف أن "الصين مستعدة للعمل مع المملكة العربية السعودية لتعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والدفع نحو إبرام اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي".
وأفاد الرئيس شي جين بينغ وفقا للوكالة بأن "الجانب الصيني سيواصل العمل على تضافر مبادرة الحزام والطريق مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وإقامة نمط تعاون رفيع المستوى بين الجانبين في مجالات مثل الطاقة والاقتصاد والتجارة فضلا عن التكنولوجيا الفائقة".
وتابع الرئيس الصيني: "الجانب الصيني يدعم مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقتها المملكة العربية السعودية ويرحب بمشاركة المملكة العربية السعودية في مبادرة التنمية العالمية".
وتشهد العلاقات الصينية السعودية تطورا متصاعدا في السنوات الأخيرة حيث تنوعت مجالات التعاون بين البلدين الآسيويين.
وانعقد أول اجتماع رسمي بين الصين والسعودية في عمان، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1985، وبعد ذلك بثلاثة أعوام اتفق البلدان على تزويد الرياض ما بين 50 إلى 60 صاروخا من نوع "دونغ فنغ 3" الصينية متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية.
وأدى اكتشاف الولايات المتحدة لوجود قاعدة صواريخ صينية الصنع في السعودية عام 1988، إلى أزمة بين البلدين.
لكن الرياض رفضت الرضوخ للضغوط الأمريكية، بل واصلت علاقاتها غير الرسمية مع بكين، واعتبر عام 1988 بداية الانطلاق الفعلي للتعاون التجاري بين الصين والسعودية.
لكن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصين والسعودية لم تُفعل إلا في 1990، بعد أن قطعت الرياض علاقاتها بتايوان، التي استمرت لأكثر من أربعة عقود.
وشكلت زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، إلى الصين في 2017، نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين باعتبارها أول زيارة رسمية لعاهل سعودي إلى بكين، وجاءت عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض في 2016.
وعلى هامش زيارة الملك سلمان لبكين، وقّع الطرفان اتفاقيات بأكثر من 65 مليار دولار، بينها إنشاء مصنع صيني للطائرات من دون طيار بالسعودية، بعد رفض الولايات المتحدة تزويد الرياض بهذه التكنولوجيا، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وفي نفس العام، وافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على مساعدة السعودية على بناء برنامجها النووي السلمي، حتى لا تلجأ إلى دولة أخرى، لكن المفاوضات انهارت بعد أن رفضت السعودية أن "تكون طرفاً في أي اتفاق من شأنه أن يحرمها من إمكانية أن تتولى بنفسها تخصيب اليورانيوم"، وفق وكالة رويترز البريطانية.
وكانت الصين البديل الجاهز للتعامل مع التصلب الأمريكي، حيث شرعت السعودية عام 2020، في تشييد منشأة نووية سلمية بمساعدة الصين، بحسب "وول ستريت جورنال".
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2021، كشفت صور أقمار اصطناعية وتقييمات استخبارية أمريكية أن السعودية "بنت منشآت لتصنيع الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين"، بحسب شبكة "سي أن أن"، الأمريكية.
وحجم التبادل التجاري بين السعودية والصين أكبر بكثير من نظيره مع الولايات المتحدة، التي تعتبر شريكا استراتيجيا للرياض.
وبلغ التبادل التجاري بين السعودية والولايات المتحدة 37 مليار دولار، منها 24 مليار دولار صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة مقابل واردات بقيمة 13 مليار دولار، في 2018، بحسب المصدر السابق ذكره.
وهذه الأرقام تعكس كيف تمكنت الصين من تعزيز علاقاتها مع السعودية خلال الثلاثين عاما الأخيرة من بوابة التعاون التجاري والعسكري، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة، التي استغلت بكين طريقة تعاملها مع الرياض لملء المساحات الشاغرة التي تركتها واشنطن في أكبر دولة خليجية.