خطوة عمرها 100 سنة، تمتد عبر مئات المدن في العالم، مقدمة جرعة أمل لكل من تجرع ألم فراق عزيز بسبب وباء كورونا، هذه قصة خطوات الشيخ دابيرول إسلام شودهوري، البالغ من العمر 101 سنة، والمقيم في العاصمة البريطانية لندن.
وبات هذا الشيخ من الوجوه المعروفة لدى البريطانيين، بعد أن أطلق حملة خيرية، يقوم فيها بجولة يومية في حديقة بيته، خلال شهر رمضان وهو صائم، ومع كل دورة حول الحديقة يتم جمع التبرعات، لمواجهة وباء كورونا.
وبقي الشيخ دابيرول إسلام، وحيدا في هذه المبادرة، بعد وفاة الكابتن مور (99 سنة) الذي كان هو الآخر يقوم بنفس المبادرة ونجح في جمع الملايين من الدولارات لصالح هيئة الصحة العامة البريطانية.
خطوات الخير
هذه المرة لن يسير الشيخ إسلام لوحده، خلال أيام رمضان، بعد أن انتقلت مبادرته "امشِ مع دابيرول" إلى العالمية، واسترعت اهتماما إعلاميا وسياسيا في بريطانيا، وتهدف المبادرة لجمع تبرعات تفوق ما تم جمعه خلال العام الماضي، والتي بلغت نصف مليون دولار.
ومباشرة بعد إطلاق المبادرة، أعلنت أكثر من 200 مدينة -عبر العالم- المشاركة في حملة المشي من أجل جمع التبرعات لصالح ضحايا فيروس كورونا، بهدف الوصول لمليون ونصف مليون خطوة، خلال شهر رمضان، ومعها الرفع من قيمة التبرعات.
وكان من المتوقع أن تبدأ الحملة مع الأسبوع الأول لشهر رمضان إلا أن الشيخ دابيرول قرر تأجيلها لأسبوع آخر، بسبب وفاة الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث، واحترام حالة الحداد التي كانت فيها البلاد.
انطلاق الحملة الخيرية
ومباشرة بعد انطلاق الحملة الخيرية، بدأ الناس من مدن مختلفة يوثقون مشاركتهم في هذه المبادرة، من لندن وباريس ونيويورك ونيودلهي، ويظهر المشاركون وهم يسيرون في حدائق منازلهم أو في الحدائق العامة.
وللشيخ إسلام أياد بيضاء على الكثير من أسر ضحايا وباء كورونا، سواء في المملكة المتحدة، أو خارجها، وخصوصا في الدول الفقيرة مثل بنغلاديش والشرق الأوسط، وخاصة في مخيمات اللاجئين السوريين، ويعود هذه السنة لتوسيع أعداد المستفيدين من حملته، لتشمل أكثر من 50 دولة عبر العالم، ولتمويل مشاريع تعليم الأطفال، والطعام للفئات الأكثر فقرا في دول شرق آسيا.
همة عالية
بكل تواضع يتحدث الشيخ دابيرول إسلام عن مبادرته، دون أن يضفي عليها طابع الاستثنائية، بل يعتبرها واجبا ودينا، ولم تؤثر سنوات عمره -التي جاوزت الـ100 سنة- في عزيمته ورغبته في مساعدة المحتاجين، وفي كل تصريحاته الصحفية يؤكد أنه لن يرتاح أبدا بحياته، ويقول "فأنا أريد مساعدة الناس إلى آخر يوم في حياتي".
ورغم صعوبة تحدي المشي خلال أيام الصيام بالنسبة لشخص في سنه؛ فإن الشيخ إسلام يؤكد أن صعوبة المهمة "لا تساوي شيئا أمام جمال مساعدة الآخرين"، مضيفا -في حديث مع شبكة "آي تي في" (itv) البريطانية- أن هناك الكثير من الناس الذين يتضورون جوعا ويموتون بسبب الوباء والمجاعات، "وإدخال السعادة عليهم من خلال جمع التبرعات أمر يجعلني أقدم كل ما أقدر عليه".
دعم النساء
ويركز الشيخ دابيرول إسلام هذه المرة على النساء اللاتي تضررت أسرهن من وباء كورونا، وفقدن معيلهن، ويقول "أمهاتنا وأخواتنا والنساء عموما هن الضحية لأي أزمة في العالم وهذا الأمر يتكرر مع وباء كورونا، الذي أظهر لنا حجم الهشاشة التي تعاني منها النساء في مختلف دول العالم ولهذا يجب التركيز على مساعدتهن".
مضيفا أن من أهم أهداف حملة هذه السنة، دعم مشاريع تعليم للفتيات في المناطق الفقيرة، "فهن بناتنا ويحتجن لفرصة من أجل التألق وبناء مجتمع أفضل والمساعدة في تطوير حياة محيطهن".
ويرفع الشيخ دابيرول إسلام السقف عاليا في مبادرته خلال شهر رمضان، عندما يعبر عن ثقته بأن التبرعات هذه السنة ستفوق تبرعات العام الماضي.
وتحوّل الشيخ ذو الـ101 سنة لأيقونة في صفوف مسلمي بريطانيا، ومصدر فخر لأسرته، وهو ما عبر عنه ابنه عتيق (57 سنة)، الذي أكد أنه لم يستغرب من همة والده العالية، وسعيه لتقديم المساعدة للمحتاجين، وقال "والدي كان دائما شخصا نشيطا ويسعى لمساعدة كل محتاج"، مضيفا أن حملة السنة الماضية تمكنت من جمع نصف مليون دولار، وهدف هذه السنة هو جمع مبلغ أكبر خصوصا مع حجم الإقبال الكبير على الحملة، حيث انخرط فيها 10 آلاف شخص في اليوم الأول من بدايتها.
ولن يقف أي شيء عقبة أمام الشيخ دابيرول حسب ما أكد ابنه، "فهو عازم على مساعدة الأسر المحتاجة خصوصا التي فقدت أحبابها بسبب الوباء".
تكريم وإشادة
استرعت مبادرة الشيخ دابيرول -خلال العام الماضي- إعجاب الملكة إليزابيث التي منحته وسام الإمبراطورية البريطانية، الذي يعد من أرفع الأوسمة في البلاد، اعترافا من القصر الملكي بجهود هذا الشيخ المسلم في مواجهة الوباء ونشر قيم التضامن والمساعدة.
وهذه السنة حرص عمدة مدينة لندن صادق خان على زيارة الشيخ دابيرول في حديقته التي باتت معروفة للملايين عبر العالم، والمشاركة في إطلاق حملته الخيرية، وخلال هذه الزيارة أكد صادق خان أن دابيرول "يمثل مدينة لندن"، مضيفا أنه باعتباره مسلما فهو يعلم ماذا يعني صيام 17 ساعة في اليوم، وقال "ها نحن أمام شخص من مدينة لندن يبلغ من العمر 101 سنة يصوم رمضان ومع ذلك يخدم المجتمع في لندن وعبر العالم".
ووصف صادق خان الخطوات التي يخطوها دابيرول بأنها "خطوات تاريخية" وقال "أتشرف بالمشاركة في هذه الحملة الخيرية".
وحاز الشيخ دابيرول على احترام معتنقي مختلف الديانات والثقافات، حيث حضرت وجوه بارزة من طائفة الشيخ التي تعتبر أكبر المجموعات في العاصمة لندن، لكي تقدم التحية والامتنان له على هذه المبادرة.